العنف في البيوت

تطالعنا الصحف كل يوم تقريبا بأخبار جرائم أسرية غير مألوفة حتي أن إحدي السيدات عبرت عن الحالة النفسية التي يشعر بها الناس فقالت‏:‏ كنا نخاف من الغرباء الذين لانعرفهم‏,‏ ونحذر أطفالنا من الحديث مع شخص غريب‏.


,‏ لكن الجرائم البشعة التي نطالعها جعلتنا نشكك فيمن نعرفهم‏,‏ ونشكك حتي في أنفسنا‏!‏

ومن تعليقات القراء المثيرة علي مقالي الأسبوع الماضي عن انتشار العنف في المجتمع المصري قال الأستاذ محمد العمدة‏:‏ أقسم لك بأنني أصبحت أخاف أن أصحو يوما لأجد نفسي حكاية جديدة من الحكايات اليومية المؤسفة سواء كنت أنا الجاني أو الضحية‏,‏ وقال الدكتور مجدي طه الأستاذ بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة في تعليقه إن الحياة تغيرت‏..‏ نصف عدد الاطفال قالوا في استفتاء أجري أخيرا إنهم يشعرون بالخوف من أن يقعوا ـ هم أو أحد أفراد أسرتهم ــ ضحية لجريمة من جرائم العنف وهذا يدل علي وجود مشكلة حقيقية ومخاوف هؤلاء الأطفال ليست قائمة علي أوهام‏,‏ فالأطفال محاطون بظروف أكثر خطورة وعنفا مما كان عليه آباؤهم‏,‏ وهم يقرأون ويسمعون ـ بل يشاهدون علي التليفزيون ـ جرائم القتل‏,‏ والاغتصاب والخطف ويشعرون قطعا بالخوف‏,‏ وقد يتحول هذا الشعور الي إيمان بأن العنف جزء من معاملة الناس لبعضهم وأنه الوسيلة للحماية من عنف الآخرين‏,‏ ولايفوتنا ملاحظة أن العنف بصوره المختلفة تغلغل في كل المجالات وحتي بين المثقفين والمهنيين والمشتغلين بالقانون‏(!)‏ وهذا ما يحذر منه الباحث في علم الاجتماع الدكتور أحمد السيد بقوله‏:‏ إن دائرة الخطر آخذة في الاقتراب‏..‏ واقتران الجريمة والعنف بمنظومة الأسرة أمر بالغ الخطورة‏,‏ وعلينا أن نلتفت الي الأسباب الجديدة لانتشار العنف بالإضافة الي الأسباب المعروفة وهي‏:‏ الفقر والبطالة والجهل‏,‏ مثل الشعور العام بالإحباط وتعلم أساليب العنف من مشاهد الأفلام السينمائية ومشاهد التليفزيون والأسرة تربي أطفالها الآن علي العنف بألعاب الكمبيوتر والفيديو جيم والبلاي ستيشن ويضاف الي ذلك التفكك الاجتماعي‏,‏ وانتشار العلاقات خارج إطار الزواج‏.‏ أما المسئول الأول عن ذلك فهو أولا‏:‏ القصور في التعليم وعدم الاهتمام بالتربية‏,‏ وثانيا‏:‏ الخطاب الديني الذي يركز علي قضايا هامشية بدلا من تناول الإصلاح الإجتماعي والأخلاقي‏,‏ ولايزال ينظر باستهانة الي الإقتراح بتنظيم دورات للشباب المقبلين علي الزواج لإعدادهم لأدوار جديدة عليهم في نطاق الأسرة لم يتم إعدادهم لها من قبل‏.‏

وفي رسالة الدكتوراه للدكتورة منال عمران الخبيرة الاجتماعية أن المرأة طرف في معظم حوادث العنف داخل الأسرة‏,‏ فهي إما أن تكون الجاني أو تكون الضحية‏,‏ ومعلوم أن علاقات القوة داخل الأسرة المصرية غير متكافئة‏,‏ ومع انتشار القيم الفردية والسلبية فقدت الأسرة دورها كقوة للضبط والردع ولم تعد العلاقات بين الأزواج والزوجات‏,‏ وبين الآباء والأبناء قائمة علي التراحم والاحترام‏,‏ والدراسات تشير الي أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف المادي أو المعنوي داخل الأسرة‏,‏ وتدل التقارير علي أن الجرائم التي يرتكبها الرجال داخل الأسرة تشمل‏:‏ القتل‏,‏ والضرب المفضي الي الموت‏,‏ وهتك العرض‏,‏ والاغتصاب‏,‏ والسرقة‏(‏ سرقة أموال ومجوهرات الزوجة أو الأم أو الأخت‏)‏ وتبديد العفش والامتناع عن النفقة‏..‏ الخ أما الجرائم التي ترتكبها المرأة فهي‏:‏ قتل أمهاتهن أو بناتهن أو تحريض بناتهن علي الانحراف‏,‏ وتشير الدراسة أيضا الي أن المرأة معرضة للعنف في جميع مراحل حياتها من الطفولة حتي الشيخوخة مما يدل علي القهر الدائم الواقع عليها‏,‏ وفي الماضي كانت الجرائم داخل الأسرة تزداد بين غير المتعلمين أو بين ذوي التعليم المنخفض لكل من الجاني والمجني عليه ولكن استجدت الآن جرائم العنف التي يرتكبها المتعلمون تعليما عاليا والذين يحتلون مواقع متميزة في المجتمع سواء بممارسة العنف بأنفسهم أو بالاتفاق والتحريض واستئجار آخرين لذلك‏.‏

ومع زيادة معدلات التفكك الأسري أصبح المناخ داخل البيت ينتج الشجار‏,‏ والخلافات‏,‏ والطلاق‏,‏ ويجعل الأسرة موجودة في الظاهر ولكنها ليست موجودة في الواقع‏.‏ ومعظم مرتكبي جرائم العنف نشأوا في أسر تعرضوا فيها للقسوة الزائدة والعنف في تربيتهم‏,‏ أو لتفضيل الذكور علي الاناث‏,‏ أو كانوا ضحايا لمعاملة متناقضة من الآباء تتأرجح بين العنف والقسوة‏,‏ أو بين التسلط والإهمال وعدم التفاهم‏..‏ ونسبة مرتكبي جرائم العنف في الأسر كبيرة الحجم أكبر من الأسر الصغيرة‏.‏ والدراسات تبين أن مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة يعتقدون أن ذلك من حقهم شرعا وقانونا وأن علي المرأة أن تتقبل ذلك باستسلام‏..‏ ومعظم جرائم العنف ضد المرأة غير مدبرة تحدث فجأة نتيجة زيادة حدة الغضب والانفعال الوقتي غالبا بين مدمني المخدرات‏.‏

الخلاصة إن هناك خللا في منظومة القيم في المجتمع المصري أدت الي تزايد العنف حتي داخل الأسرة الي حد يهدد استقرار البيوت واستقرار المجتمع بالتالي والمدرسة والثقافة والإعلام ومؤسسات الدعوة في واد آخر‏.‏



 


 


 


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف