أصبح العنف في المجتمع المصري يدعو للقلق, وصفحات الحوادث تدق أجراس الإنذار بعد ان تحول العنف الفردي الي عنف جماعي ومجتمعي وليست جريمة السائق الذي أطلق النار علي زملائه فقتل6 وشرع في قتل6 آخرين فيما اطلقت عليه الصحافة مذبحة جماعية.
هي الحادثة الوحيدة التي تثير القلق, فقد سبقتها أحداث العنف في مباراة الأهلي وكفر الشيخ سواء بإطلاق الألعاب النارية الممنوعة أو بالاعتداء علي رجال الشرطة بالعصي الغليظة التي أحضرها المشجعون معهم استعدادا لذلك, كما أعد سائق الاتوبيس البندقية الآلية واخفاها واستعملها في الوقت الذي رآه مناسبا لارتكاب جريمته.
وفي هذا السياق تكررت أحداث الشغب وقطع الطرق ورشق السيارات بالحجارة من تجمعات لأهالي بعض القري.
ولا نستطيع ان ننسي جريمة قتل الفتاتين هبة ونادين, أو جريمة قيام طباخ بقتل مديرة بنك زوجة مساعد وزير العدل, ولم يعد غريبا أن نقرأ عن جريمة قتل فتاة علي يد أبيها وأمها, وزوج قتل زوجته وابنه وابنته, وأب ألقي طفليه في بلاعة, وليس العنف المنتشر مقصورا علي القتل, ولكن هناك عنفا لفظيا وسلوكيا, فالشتائم والمعارك في الشوارع, وكذلك استخدام الألفاظ التي تنطوي علي السب والقذف والاهانة واغتيال الشخصية في بعض الصحف بأقلام تستبيح الأعراض والكرامة, فهذه ايضا من ممارسات العنف الذي لم يكن موجودا في المجتمع المصري من قبل.. ومن ممارسات العنف ايضا ما نشهده من تجمهر أبناء فئة لارهاب فئة اخري وتهديدها والاعتداء عليها. وحتي في تعامل قائدي السيارات والمتزاحمين في طابور العيش من العنف باليد واللسان والنظرات!
والقلق من أن يعتاد المصريون علي هذه الحوادث وتصبح من أمور حياتهم العادية, فتقلب الحياة التي كانت تتميز بالسماحة والصبر والمرح الي السكوت علي هذه الأحداث وربما القبول بها, وقد يصل الأمر بعد ذلك الي حد تبريرها والتسامح مع مرتكبيها, وما يحدث ليس الا نتيجة لتراكم أمور قابلناها بالسكوت أو بالفرجة أو بالاحتجاج والرفض الصامت أو بمجرد الاستنكار بالكلام وانتظار ان تنتهي كل حادثة تثير الرأي العام بالنسيان مع مرور الوقت.. ولكن مع الوقت يمكن ان يصاب الناس بالتبلد واللامبالاة وهم يتابعون هذه الجرائم وتتعمق لديهم فكرة أن المجتمع تحكمه القوة ولا مكان فيه للضعفاء, وأن كل واحد يمكنه ان يفرض قانونه وان يغتصب سلطة القضاء فيحكم هو علي الآخر وينفذ الحكم بيده ولا ينتظر أن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي.
والغريب ان مرتكبي جرائم العنف المختلفة التي تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب بسكين محماة, وهتك العرض والضرب الذي يسبب عاهة أو يؤدي الي الموت, ليسوا من المسجلين في قوائم الخطرين وليست لهم سوابق, فهم أشخاص عاديون, وهذا ما يؤدي الي الشعور بعدم الأمان والخوف من كل شخص لأن أحدا لايستبعد ان يحدث له ما حدث للضحايا, وعبرت عن ذلك الدكتورة أميرة بهي الدين بحالة الخوف التي أصابت ابنتها من أن تنام وحدها, واتصال والدها بها عدة مرات في اليوم ليطمئن عليها, وحالة الشك التي انتابتها من كل من تتعامل معهم.. من الخادمة, وصبي البقال, والمكوجي, وبائع الصحف, وفني تركيب الدش, والشحاذ الذي كانت تعطف عليه, ومنادي السيارات, وعامل المطعم الذي يوصل الطلبات للمنازل, وخوفها كلما شعرت بأقدام تسير خلفها.. وهكذا فقدت الشعور بالأمان مثل كثيرين غيرها, والخبراء الاجتماعيون يرون ان دائرة العنف تتسع وان الخطر آخذ في الزيادة واساليب جديدة للعنف تظهر يوما بعد يوم.
وفي تحليل هذه الظاهرة يتفق العلماء الاجتماعيون وخبراء الجريمة علي انها نتاج لظروف سياسية واجتماعية وثقافية في هذه المرحلة الانتقالية التي طالت بأكثر مما يجب ـ في رأي الدكتورة ليلي عبد المجيد عميد كلية الإعلام ـ وان سياسة الانفتاح الاقتصادي تسببت في خلل القيم التي كانت سائدة بين المصريين ودفعتهم الي الهجرة والي الاغتراب الداخلي والي تآكل الطبقة المتوسطة وصعود طبقة طفيلية جديدة حققت ثروات طائلة بدون مجهود وبطرق غير مشروعة, كما ان ما يعرضه التليفزيون من أفلام ومسلسلات ونشرات أخبار مليئة بمشاهد العنف والقتل والدماء, تؤدي الي الاعتياد والنظر الي العنف علي انه هو السلوك العادي للتعامل مع الآخرين, ولا نغفل ـ طبعا ـ الاسباب التي تتعلق بتكوين الشخصية الميالة للعنف وأهمية التربية ومدي التمسك بالقيم الدينية السليمة التي تدعو الي التسامح.
فما نراه من انتشار العنف ليس جرائم فردية وليس مشكلة أمنية أو قصورا في قوانين العقوبات كما يقول البعض ولكنه ظاهرة اجتماعية لن تختفي من تلقاء نفسها ولابد من استراتيجية متكاملة لإعادة التوازن الي المجتمع والي الشخصية المصرية ولدي الخبراء افكار ومقترحات لا تجد من يهتم بها من المسئولين عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والاعلامية مع ان هذه هي مسئوليتهم الأولي لتوفير الأمن الاجتماعي.