بحث اجتماعي عن الطبقة المتوسطة

أعلن رئيس الوزراء منذ أيام أن مستوي المعيشة في مصر ارتفع في السنوات الأخيرة‏,‏ وكرر القول بأن الطبقة المتوسطة ازدادت اتساعا وازداد نصيبها من النمو الاقتصادي‏,‏ واستدل علي ذلك بزيادة مبيعات السيارات الخاصة‏.


 ويتفق مع هذا الرأي كثير من السياسيين وعلماء السياسة‏,‏ ولكن الابحاث الاجتماعية الميدانية الأخيرة أسفرت عن نتائج مختلفة‏.‏

وسوف نجد في الأدبيات السائدة من يتحدث عن تراجع الطبقة المتوسطة حتي أصبحت بعض شرائحها مهددة بالهبوط‏,‏ والبعض الآخر يري أن هذه الشرائح هي المسئولة عما وصلت اليه لأنها لم تساير الموجة الجديدة‏,‏ والبعض يتحدث عن جماعات من الطبقة المتوسطة تؤيد وتخدم مصالح الطبقة الرأسمالية الجديدة‏,‏ ومعظم هؤلاء من كبار المديرين وأصحاب المواقع التي يحصلون منها علي امتيازات تجعلهم قريبين من الطبقة الجديدة‏.‏

وفي البحث الميداني الذي أجراه الدكتور أحمد حسين الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية أنه حدث نوع من التفكيك واعادة التركيب للطبقة المتوسطة وأن ذلك حدث بطريقة أقرب ما تكون الي العشوائية ونتيجة لتزايد القنوات غير المشروعة للحراك الاجتماعي مثل التهرب الجمركي‏,‏ والمضاربة في الأراضي والعقارات‏,‏ والوساطة‏,‏ والسمسرة‏,‏ والاتجار في المخدرات‏..‏ إلخ‏..‏ وهذه الأنشطة غير المنتجة حققت لأصحابها ثروات سمحت بزيادة إقبالهم علي شراء القصور والفيلات والسيارات وشاليها المنتجعات السياحية وقضاء الاجازات والتسوق في أوروبا‏.‏ وصاحب ذلك تدهور التعليم وزيادة إعداد المدارس والجامعات الخاصة والاستثمارية والأجنبية التي لا تقدر علي تكلفتها إلا شرائح محدودة من الطبقة الوسطي الجديدة ذات الدخول الكبيرة وفي الوقت نفسه زاد حجم البطالة بين المتعلمين وقبولهم لأعمال لا تناسب مؤهلاتهم أو الهجرة للعمل في أعمال متدنية في أغلب الأحوال‏.‏ وكأن التعليم أصبح يؤدي الي الحراك الطبقي الهابط علي عكس ما كان في المراحل السابقة‏.‏ وهنا يصل الدكتور أحمد حسين الي أن الطبقة المتوسطة مهددة بالتفكك‏.‏ بينما ادت الهجرة إلي الخارج الي صعود أعداد من العمال والحرفيين الي الطبقة المتوسطة بصرف النظر عن التعليم‏,‏ ونتج عن ذلك اولا‏:‏ تزايد الاسراف في الاستهلاك الترفي والمظهري‏.‏

وثانيا‏:‏ تحول بعض الابناء العائدين من بلاد يسود فيها التشدد الديني الي جماعات الاسلام السياسي‏.‏

ويرصد الدكتور أحمد حسين آثار ضمور القطاع العام دون أن يقوم القطاع الخاص بالدور المنتظر منه وخلق فرص عمل للشباب‏,‏ ولا يزال دور القطاع الخاص أقل مما كان مقدرا له في الصناعة وادخال التكنولوجيا الحديثة واستصلاح الأراضي‏.‏

وفي البحث الميداني كان السؤال لعينة ممثلة للطبقة المتوسطة‏:‏ هل بيع القطاع العام اجراء اقتصادي أو ضار‏,‏ ومن الذي استفاد ومن أضير من هذا الاجراء‏,‏ فأجاب‏75%‏ بأن سياسة الخصخصة ضارة و‏9%‏ قالوا إنها مفيدة بينما قال‏16%‏ إن البيع كانت له فوائده ومضاره في نفس الوقت‏.‏ وكان المتوقع أن يعبر العاملون في القطاع الخاص عن تأييدهم للخصخصة‏,‏ ولكن المفاجأة أن النسبة الأكبر منهم شاركت العاملين في القطاع العام والقطاع الحكومي والمهن الحرة في الحكم علي الخصخصة بأنها ضارة‏.‏

ويلفت النظر في نتائج هذا البحث الميداني أن أبناء الشرائح المتوسطة لا يؤيدون السياسات الاقتصادية المطبقة علي عكس الاعتقاد الشائع بأن هذه السياسات تحظي بالتأييد من قطاعات واسعة من الشعب المصري‏.‏ وعن السؤال عن الشرائح التي استفادت من تفكيك وبيع القطاع العام أجاب‏94.5%‏ بأن رجال الأعمال والاثرياء الجدد هم الذين استفادوا‏,‏ وقال‏89%‏ إن العمال أصابهم الضرر من الخصخصة أكثر من غيرهم وقال‏25%‏ ان الخصخصة أدت الي زيادة البطالة‏,‏ وقال‏82%‏ إن الموظفين في القطاعات الحكومية أصابهم الضرر نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم كفاية المرتبات وبطالة الأبناء‏,‏ وقال‏75%‏ إن الشباب هم الأكثر ضررا لانهم لايجدون فرص العمل في القطاع الخاص ولا في القطاع العام والحكومي‏,‏ والفرص في القطاع الخاص لا تحقق لهم الاستقرار والامان الوظيفي‏,‏ وقال‏67%‏ إن الخصخصة أصابت الجميع بالضرر لأنها أدت الي رفع أسعار السلع والخدمات وظهور الاحتكار‏.‏

وحتي أصحاب المشروعات الصغيرة قالوا إن الخصخصة سببت لهم الصعوبة في الحصول علي المواد الخام وتعريف منتجاتهم‏,‏ وقال‏92.5%‏ إن الخصخصة أدت الي الخروج بالمعاش المبكر فزادت البطالة وانخفض مستوي الأسرة ومعظم المسرحين مازالوا قادرين علي العمل وعليهم أعباء أسرية‏.‏

هذه النتائج سواء رضينا عنها أو لم نرض تلزمنا بوقفة للمراجعة قبل أن تزداد الفجوة بين أصحاب القرار وبين الناس‏


 


 


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف