عندما عدت الي أوراقي التي سجلت فيها رحلة الإمام الاكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي الي باكستان تجددت دهشتي: كيف استطاع الشيخ في8 أيام فقط أن يلقي كل هذه المحاضرات والأحاديث.
ويجري كل هذه المقابلات والاحاديث الصحفية والتليفزيونية, ويعقد كل هذه اللقاءات.
كان أول ما رأيناه صراعات بالدم بين الجماعات وأصحاب المذاهب( السنة والشيعة) في باكستان, وصراعات أشد عنفا ودموية علي الجانب الآخر من الحدود في أفغانستان بين الفصائل المتناحرة, مما فرض أن يكون هدف الرحلة الحوار الاسلامي ـ الاسلامي بعد أن كانت رحلاته السابقة هدفها الحوار بين الاسلام والغرب, ولحسن الحظ أن المختلفين علي الجانبين كانوا متفقين علي أن شيخ الأزهر هو صاحب الكلمة الصائبة ويجب طاعته. وكان أول ما فعله الشيخ أن أصدر بيانا ناشد فيه الاطراف المتصارعة حقن الدماء والالتزام بأمر الله إنما المؤمنون اخوة وولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم, وأن الله برئ من كل مسلم يرفع السلاح في وجه أخيه, ونقلت وكالات الأنباء والصحف والاذاعات هذا البيان, وتوافدت الوفود الي مقر اقامة الشيخ وكان من بينهم عدد من الباكستانيين والأفغان من خريجي الأزهر.
التقي الشيخ مع الرئيس الباكستاني الذي كان في انتظاره عند الباب الخارجي للقصر, وفي اللقاء الذي حضره عدد من كبار الشخصيات السياسية والدينية قال له الرئيس: انت كاستاذ جامعي ومفكر عالمي والمفتي الأكبر للمسلمين نلجأ اليك لتبين لنا الطريق في موضوعات كثيرة نختلف عليها, ونتطلع اليك والي الازهر لتقودنا الي حل الخلافات والمشكلات التي تعوق تقدم المجتمعات الاسلامية.. واستمر الحوار.. ساعتين, وصلي الرئيس والحاضرون صلاة الظهر خلف الامام, ثم استأنفوا الحوار وبعدها تجمعوا علي مائدة رئيس الجمهورية في حفل غداء تكريما للشيخ.
والتقي الشيخ مع رئيسة الوزراء ـ بينظير بوتو ـ وحولها عدد من الوزراء والمستشارين وقالت إن شيخ الأزهر يتمتع بمكانة كبيرة في العالم الاسلامي, وإن آراءكم تعبر عن نضج الأمة الاسلامية ولذلك فأنت داعية هذا العصر, وإن مصر يا فضيلة الإمام دولة قديمة وباكستان دولة حديثة ولذلك نتطلع اليها دائما, وبعد حوار طويل طلبت من الشيخ أن يشكل لجنة من علماء الأزهر لتراجع مناهج وكتب تدريس الفقه والعقيدة والشريعة في المدارس وفي الجامعة الاسلامية وتجعلها مماثلة لمناهج وكتب الأزهر, وطلبت زيادة أعداد مبعوثي الأزهر لحاجة مسلمي باكستان الي التعايش مع صوت الاسلام العاقل المعتدل الذي يمثله الأزهر.
اجتمع الشيخ مع مبعوثي الأزهر في باكستان وعددهم60 عالما, وزار رابطة المؤتمر الاسلامي لحوارمع عدد من العلماء والمفكرين واساتذة الجامعات, قال رئيس الرابطة خلاله: إن مصر هبة نهرين: النيل والأزهر, واذا كان النيل يروي مصر فان الأزهر يروي العالم الاسلامي وباكستان تحتاج الي زيادة أعداد مبعوثي الأزهر للتوسع في اعداد الدعاة ونشر مفاهيم الاعتدال والوسطية في الاسلام.
وفي حفل عشاء اقامه حاكم اقليم السند حضره مائة من العلماء وكبار الشخصيات, والقي الشيخ محاضرة عن الاسلام دين العقل والحرية والكرامة الانسانية واجتمع مع رئيس وزراء السند وعلماء وشيوخ كراتشي والقي الشيخ حديثا افاض فيه عن دعوة الاسلام للحوار كوسيلة لحل الخلافات بين الافراد والجماعات والدول, ثم التقي بممثلي الجمعيات الدينية وتحدث اليهم عن الاسلام يدعو الي السماحة مع من يختلفون معنا في العقيدة أو في الرأي, ويرفض التطرف الديني والطائفية ويقول الله تعالي إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء.
وفي جامعة القائد الأعظم القي الشيخ محاضرة موضوعها الحديث الشريف: المسلم من سلم الناس من لسانه ويده, والمؤمن من أمنه الناس في دمائهم وأموالهم, والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه. وفي الجامعة الاسلامية احتشد مئات من الاساتذة والطلبة والعلماء وكان في استقباله وزير التعليم ومدير الجامعة والقي محاضرة عن الاسلام دين الوضوح والتيسير ورفع الحرج ويحرم أن يظهر المسلم غير ما يبطن, والعلماء مسئولون عن اصلاح المجتمع واذا صلح الدعاة صلح المجتمع. وفي المجلس الأعلي الاسلامي كانت ساحته مليئة بالبشر وتحدث الشيخ اليهم ـ من خلال مكبرات الصوت ـ عن الاسلام يرفض العنف والتعصب والارهاب.
وأقام رئيس المجلس مأدبة عشاء تكريما للشيخ دعا اليها200 من شخصيات المجتمع.
وكان لقاء الشيخ مع رئيس مجلس الشيوخ لقاء رسميا ومهيبا وفق البروتوكول المقرر لاستقبال رؤساء الدول, وقال رئيس المجلس في كلمته: نحن نرجع الي الأزهر والي مواقفكم التي تتسم بالشجاعة والوضوح, وفي زيارته للجمعية الوطنية( البرلمان) قال رئيس البرلمان إن المؤسسات الاسلامية في باكستان مدينة للأزهر بالكثير وأطلق أول دعوة لانشاء اتحاد برلماني للدول الاسلامية..
حفل عشاء اقامه وزير الشئون الدينية. لقاء مع الجالية المصرية. زيارة الي المعهد الأزهري النموذجي الذي انشأه الأزهر لتدريس الدين واللغة العربية واجتماع مع هيئة التدريس. حديث مع تليفزيون باكستان. مؤتمر صحفي. صلاة الجمعة والقاء الخطبة في مسجد فيصل أكبر مساجد باكستان. زيارة الي اقليم البنجاب وعاصمته لاهور ولقاءات مع وزير الاوقاف ومع مجلس علماء باكستان, والصلاة في مسجد( باتشاهي) وصلي خلف الشيخ آلاف المصلين, وقال حاكم البنجاب في حفل تكريم للشيخ: هذه الزيارة ستبقي في الذاكرة ولن ننساها أبدا.