مع الإمام الأكبر الشيخ الطنطاوي‏3

كانت زيارة الإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي الي الهند زيارة تاريخية بحق كما وصفها رئيس وزراء الهند في ذلك الوقت‏,‏ وكرر رئيس الهند هذا الوصف مرة أخري‏.‏ كان الاستقبال يفوق الوصف في كل مكان ذهب اليه‏.‏


وكانت اقامته في القصر المخصص لرؤساء الدول‏,‏ وخصصت له طائرة خاصة لتنقلاته‏,‏ وظل يرافقه وزير التعليم منذ لحظة الاستقبال حتي لحظة التوديع‏,‏ وكان في استقباله ووداعه في كل مدينة حاكم الولاية ورئيس برلمانها وحشود من المسلمين يهتفون‏:‏ الله أكبر‏..‏ وتمنيت أن ينقل التلفزيون هذه المشاهد ليري العالم قيمة الأزهر وقيمة شيخ الازهر‏..‏ لكن التليفزيون لم يفكر في ذلك‏.‏

وكان المقرر أن تكون الزيارة ثلاثة أيام ولكن رئيس الوزراء ألح عليه أن تمتد الي سبعة أيام علي الأقل وقال له‏:‏ لقد أعددنا برنامجكم علي هذا الأساس والناس في كل مكان في انتظاركم والجامعات والمثقفون وعامة المسلمين يريدون لقاءكم والاستماع اليكم‏..‏ والمسلمون في الهند أقلية تعدادها‏130‏ مليونا يتحدث معظمهم اللغة الأردية‏,‏ وكان في الحكومة وقتها ثلاثة وزراء مسلمين‏.‏ ولأن الاسلام انتشر في الهند منذ القرن الثامن الميلادي واستمر الحكم الاسلامي فيها ثمانية قرون‏,‏ ولذلك فإن آثار الحضارة الاسلامية واللغة العربية يمكن أن تلمسها في كل مكان‏,‏ وفيها جماعات اسلامية أهمها جماعة التبليغ والجماعة الاسلامية وهما تعارضان الاشتراك في النشاط السياسي‏,‏ وجماعة علماء الهند هي الأكثر تأثيرا ونفوذا بين الهنود وشعارها‏:‏ الجنسية هندي والديانة مسلم ولا تعارض بينهما‏.‏ ويذكرون العالم الاسلامي نواب فخر الدين خان الذي قام بدور كبير في نقل علوم الفلك والرياضيات والجغرافيا من اللغة العربية كما نقل كثيرا من عيون الأدب العربي ودوره في الهند يشبه دور رفاعه رافع الطهطاوي في النهضة المصرية‏.‏ والتقي شيخ الأزهر بأشهر عالم في أبحاث الفضاء‏(‏ البروفيسور فريد الدين‏)‏ وأشهر عالم في علم الأحياء‏(‏ البروفيسور عبيد صديقي‏)‏ وأشهر رجل أعمال نشر التعليم والثقافة‏(‏ البروفيسور حكيم عبدالحميد‏)‏ الذي أنشأ علي نفقته الخاصة كليات للصيدلة والطب والعلوم ومعهدا للدراسات الاسلامية‏..‏ وقال نائب رئيس الهند للشيخ‏:‏ لقد كان للعرب والمسلمين الفضل في ايقاظ الهند وتأثير الازهر كبير جدا في الهند كما في العالم باعتباره أكبر مؤسسة اسلامية تمثل الاعتدال وتحارب الجمود والتطرف وسأل‏:‏ هل يسمح الأزهر بتعليم البنات‏,‏ وأجابه الشيخ أن في معاهد وكليات الازهر عشرات الآلاف من البنات يدرسن في كليات العلوم والطب والصيدلة والتجارة والشريعة والقانون وفيها مئات من السيدات يحملن الدكتوراه وعشرات يشغلن وظيفة استاذ ومعيد‏,‏ فالعلم في الاسلام لا يفرق بين ذكر وأنثي ورسولنا يأمرنا طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة‏.‏

في مدينة حيدر اباد أدي الشيخ صلاة الجمعة في مسجد مكة وكانت حشود المسلمين تحيط به فلم تستطع قوات الأمن أن تصل إليه‏.‏

تحدث الشيخ الي اساتذة اللغة العربية في ولايات الهند وكان لهم عتاب علي الأزهر لقلة الزيارات ـ مثل هذه الزيارة ـ التي ترفع الروح المعنوية للمسلمين‏.‏ وفي ندوة مع عدد من كبار المثقفين كان بينهم راجموهان غاندي حفيد المهاتما غاندي‏,‏ وسلمان خورشيد حفيد المفكر الاسلامي الهندي الكبير ذاكر حسين الذي سأل‏:‏ كيف يعالج العالم الجروح التي أحدثها القرن العشرون بالحروب والارهاب والمؤامرات؟ واجاب الشيخ‏:‏ إن المثقفين في العالم يستطيعون القيام بدور كبير في ترشيد السياسة‏,‏ والاسلام يقدم العلاج‏:‏ العدل‏,‏ والتعاون بين الدول والجماعات والأفراد علي أساس الاحترام المتبادل ومحاربة الظلم في كل صوره حتي مع الأعداء ولا يجر منكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا‏,‏ اعدلوا هو أقرب للتقوي ولو صار هذا المبدأ مطبقا لعاش العالم في أمن وسلام دائمين‏,.‏ وبعد ندوة في جامعة اليجار الاسلامية سأل رئيسها د‏.‏علي محمد خسرو واجابه الشيخ‏:‏ باب الاجتهاد لم يغلق لكل من تتوافر فيهم شروط الاجتهاد ومادامت الحياة تتطور وتطرح علينا مشكلات وقضايا جديدة فلابد أن نجد لها حلولا اسلامية والاسلام لا يعرف الجمود ولا يقبل التخلف‏..‏ وسأل مهران كريشنا من كبار المثقفين‏:‏ ماهي رسالتكم للعالم الثالث‏:‏ وأجابه الشيخ‏:‏ أن تتجمع هذه الدول الصغيرة التي نهب الاستعمار ثرواتها وفرض عليها التبعية‏,‏ وفي تجمعها قوة تمكنها من استعادة حقوقها وتعويض مافاتها‏.‏

وزار الشيخ الجامعة العثمانية وهي تمنح الشهادات حتي الدكتوراه في الشريعة الاسلامية واللغة العربية وحضر احدي الندوات كاهن بوذي أراد أن يستمع الي شيخ الأزهر وسأله‏:‏ هل يسمح الاسلام بتغيير المجتمع بالقوة؟ واجابه الشيخ‏:‏ إن وسيلة الاصلاح في الاسلام هي الدعوة والتوجيه والتعليم كما فعل الرسول‏,‏ وللشعوب الحق في استخدام القوة ضد الاحتلال الأجنبي وضد الذين يعملون علي تخريب المجتمع‏.‏ وفي ندوات في جامعة جواهر لال نهرو وجامعة رحماني وجامعة كيرالا وجامعة حمدار والجامعة النظامية وجامعة ديوند شمل الحوار قضايا مهمة‏,‏ وفي مدينة مومباي صلي العصر في أكبر مساجدها وتحدث الي المسلمين فيها‏.‏ وفي لقائه مع رئيس المحكمة العليا طلب الاستعانة بآراء الأزهر باعتباره المرجعية العليا للمسلمين في القضايا الفقهية الخلافية‏..‏ وفي مدينة أجرا التقي الشيخ مع عدد من علماء المسلمين‏,‏ وتصادف وجود‏400‏ أمريكي كانوا يحضرون دروسا في الرياضات الروحية الهندية وعلموا بوجود شيخ الأزهر فطلبوا لقاءه‏,‏ وكان لقاء فريدا بلا ترتيب‏..‏ وبعضهم عاد الي القاهرة بعد ذلك للقاء الشيخ‏..‏ والحديث عن رحلة الهند يطول لزحام اللقاءات والأفكار والاسئلة التي لا تتسع لها هذه المساحة‏.‏


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف