مع الإمام الأكبر الشيخ الطنطاوي3
كان الإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي أول شيخ للأزهر يزور ألمانيا, وقد رافقته في جولته التي شملت عددا من المقاطعات والمدن والمساجد والمراكز العلمية والاجتماعية,
والتقي مع الرئيس الألماني ووزير الخارجية وأعضاء البرلمان البوندستاج ولم يكن خافيا في الحوارات أن الفكرة السائدة في ألمانيا, والغرب عموما أن الإسلام هو الخطر المقبل علي أوروبا, وعلي الحضارة والتقدم الإنساني, ولذلك لم تكن مهمة الإمام الأكبر سهلة, ولكنه كان مدافعا قويا عن الإسلام بالمنطق وبالأدلة من التاريخ القديم والحديث.
كانت الزيارة بدعوة رسمية من الحكومة الألمانية تحدث خلالها في ندوات موسعة في أكاديمية الملك فهد في بون أجاب فيها عن تساؤلات المسلمين والمستشرقين, حول القيم الإسلامية وأسس العقيدة وامتدت التساؤلات إلي موضوعات حياتية مثل تحديد النسل, والنقاب, وأطفال الأنابيب, والاستنساخ ومعاملات البنوك.
وفي لقاء موسع في مدينة برانشفايج حضره عدد من الوزراء تحدث عن علاقة المسلمين بغير المسلمين, وفي مدينة فولفينول تحدث في ندوة رفيعة المستوي مع عدد من كبار المستشرقين وأساتذة الجامعات عن أوروبا والعالم الإسلامي وأبعاد الحوار ودارت فيها مناقشات ساخنة حول الحرية الدينية والتسامح, وقبول الآخر في العالم الإسلامي.
وفي فرانكفورت زار رابطة العالم الإسلامي وأدي صلاة الجمعة في مسجد السلطان سليم, وتحدث إلي جموع المسلمين في المدينة, وبعدها اشترك في مناقشة في مقر رئاسة الكنيسة الإنجيلية أشرف عليها القس المصري الذي كان يعيش في ألمانيا ــ الدكتور ثروت قادس ــ وهو حاصل علي دكتوراه في الدراسات الإسلامية من الولايات المتحدة, ودكتوراه ثانية في الدراسات الإسلامية أيضا من ألمانيا, وكان له نشاط كبير في ألمانيا في الحوار الإسلامي ـ المسيحي, وهو الآن في مصر يواصل هذا النشاط من خلال سنودس النيل الذي يرأسه... والطريف في ندوة حافلة في برلين تحدثت المفوضة لشئون الأجانب في حكومة المقاطعة عن مشكلات يثيرها المسلمون في ألمانيا وسألت: هل مكبرات الصوت من شعائر الصلاة في الإسلام, وهل زيادة ارتفاع المآذن عن الارتفاع المسموح به في ألمانيا شرط لصحة الصلاة في المسجد, وهل ذبح الخرفان في الشوارع في عيد الأضحي, وليس في المجازر من قيم الإسلام, وكانت إجابته أن مكبرات الصوت ليست من الشعائر والإسلام ينهي عن إيذاء الناس وإزعاج الشيوخ والأطفال والمرضي والمحتاجين للراحة سواء بالأصوات العالية أو غيرها, وليس في الشريعة تحديد لارتفاع المآذن, وذبح الأضاحي في المجازر هو الأقرب إلي مباديء الإسلام, وسأل رئيس البرلمان في برلين هل يرفض الإسلام كل جديد في العلوم والحضارة, وفقا لمبدأ كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار وأجاب الإمام الأكبر إن البدعة المقصودة هي إدخال فكرة أو سلوك في الدين لم ترد في القرآن والسنة, والحضارة الإسلامية كانت سباقة في التفاعل مع العلوم والحضارات الأخري واستوعبتها, وأضافت الكثير في الطب والهندسة والكيمياء, والفلك وفنون العمارة, وغيرها واستوعبت فلسفات اليونان والهند وغيرها.
وسئل: لماذا يكره المسلمون غير المسلمين؟ فأجاب: هذا ليس من الإسلام, والإسلام, بل كل الأديان لها دعوة واحدة هي عبادة الله, والذين يجتمعون علي عبادة الله الواحد لا يمكن أن يحملوا كراهية أو عداء لمن يعبدون الله مثلهم, وقال رئيس البرلمان: إن عدد المترددين علي الكنائس يتناقص, فكيف تفسرون ذلك, وما العمل في رأيكم؟ وأجابه الدكتور طنطاوي: قد يكون السبب طغيان الجانب المادي والفلسفة الفردية والنفعية في الحضارة الحديثة, وعلينا أن نقدم الدين للأجيال الجديدة بأسلوب يتفق مع ما وصلت إليه عقولهم ومعرفتهم بالعلوم والتقنيات المتطورة, ونشرح لهم أن الدين يدعو إلي الإيمان بالله, واتباع أوامره والعمل في الدنيا, وتحقيق المنافع دون تعارض بين الدين والاستمتاع بما في الحياة في متع مشروعة لا تتعارض مع القيم الدينية والاخلاقية, ولابد أن نغرس في الأطفال القيم الروحية والاخلاقية, ولا ننتظر إلي أن يكبروا ويقعوا فريسة لأفكار مضللة.
وسئل الدكتور طنطاوي: لماذا ينتشر الإرهاب في العالم الإسلامي, ويتم تصديره إلي الغرب فأجاب: ليس هناك دين يدعو إلي قتل الأبرياء, والمشكلة تأتي من توظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية تتعارض مع أصول الدين ذاته... والإرهاب في العالم الإسلامي, وبين أصحاب الديانات والحضارات الأخري... فنحن نعيش في عصر انعدام العدل, واختلال الموازين وسيادة القوة في علاقات الدول, والشعور بالظلم يؤدي إلي الإنفجار:
وسئل في ندوة بمدينة مانهايم: هل الإسلام مصيدة من يدخلها يجد الترحيب, ومن يريد الخروج منها يجد القتل وحد الردة في انتظاره؟ فأجاب: إن القرآن لم يرد فيه حد الردة والحدود مقررة بالنص في القرآن, والمبدأ في القرآن:
من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ودخول واحد أو مائة في الإسلام لن يضيف إلي الإسلام شيئا, وخروج واحد أو مائة من الإسلام لن ينتقص من الإسلام شيئا, بل إنه يفيد الإسلام لأنه يخلصه من مسلمين ظاهريا وإيمانهم بالإسلام ليس حقيقيا, والإسلام في غني عن هؤلاء, والأفضل أن يفصح كل إنسان عن عقيدته, وينضم إلي الجماعة التي تتفق مع عقيدته, وسئل في ندوة أخري عن القدس فقال: إن القدس مدينة مقدسة لأصحاب الديانات الثلاث, ولا يجوز إنكار حقوق المسلمين والاعتداء علي مقدساتهم فيها, فالقدس عربية منذ آلاف السنين والقدس الشرقية, ظلت عربية حتي قامت إسرائيل باحتلالها في حرب1967 فهي مدينة تحت الاحتلال, ولا يمكن إنكار ذلك.