مع الإمام الأكبر الشيخ الطنطاوي2
عندما أعلن الإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي رأيه في معاملات البنوك هاجمه بعض أساتذة الأزهر, وقالوا إن هذا الرأي كان بطلب من الحكومة.
وفيما بعد كنت في لقاء مع الدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت فدهشت عندما قال لي.ان الدكتور طنطاوي اثار علينا زوبعة بدون داع, فالناس تتعامل مع البنوك منذ عشرات السنين بدون مشاكل, ولن يستغني الناس عن البنوك, فلماذا أثار هذا الموضوع؟ وكانت هذه شهادة بأن الرجل أعلن رأيه إجابة عن أسئلة من مسلمين في مصر وخارجها ورأي ألا يكتم شهادته في هذا الموضوع الذي يشغل الناس إرضاء لضميره وليس إرضاء لأحد.
وعندما أعلن ان النقاب ليس مفروضا شرعا علي المرأة المسلمة وأنه من التقاليد الاجتماعية في بلاد تحاول تصدير فكرها المتشدد, وجهات خارجية وداخلية تريد إثارة فتنة بين المنتقبات وغير المنتقبات, ولم يكن هذا رأيه وحده ولكن كان هذا رأي غيره من كبار علماء الفقه والشريعة, ولكن المتربصين هاجموه من أجل الهدف الذي ظلوا يهاجمونه من أجله علي كل ما يقوله وما يفعله, وهو النيل من مكانة الأزهر وهيبة شيخ الأزهر في سياق الإساءة الي كل الرموز واجية الاحترام, والبعض كان يقوم بدوره في تنفيذ استراتيجية الفوضي الخلاقة!
ويحسب للرجل شجاعته في إعلان آرائه في مواجهة المتطرفين الذين يريدون اختزال الاسلام في اللحية والجلباب والنقاب وغير ذلك من الشكليات.
كما يحسب له جهاده في الدفاع عن الإسلام في مواجهة حملات العداء في الخارج وقد صاحبته في جولته في الولايات المتحدة التي استغرقت اسبوعين تنقل خلالها بين واشنطن ونيويورك وعدد من مدن ثلاث ولايات, وظل يتنقل بين المراكز الاسلامية والمساجد, ويعقد لقاءات تحضرها جموع المسلمين الأمريكيين والمهاجرين, ولقاءات مع قادة الهيئات الدينية والكنائس والكونجرس ويرد علي الهجوم المنظم في المؤتمرات الصحفية, ويتحدث الي شبكات التليفزيون والاذاعة الكبري, وصاحب كل ذلك اهتمام سياسي واعلامي وجماهيري كبير حتي ان نائب الرئيس الأمريكي حين قابله قال له إن الإسلام يتعرض لحملة تشويه في أمريكا ونرجو أن تتكرر زيارتك لأنها تساهم في توضيح الحقائق, وقال له رئيس المجلس القومي للكنائس اننا عرفنا منك عن الإسلام ما لم نكن نعرفه, ونحن نعتبر لقاءنا بك لقاء تاريخيا, وكان مثيرا لكل من التقي بهم ان رئيس الطائفة الانجيلية في مصر الدكتور صموئيل حبيب كان يرافقه في جميع اللقاءات ويتحدث أيضا مدافعا عن الاسلام وعن التسامح الديني في مصر.
في هذه الزيارة منحته جامعة وستمنستر الدكتوراه الفخرية هو والدكتور صموئيل حبيب وألقي محاضرة حضرها اساتذة الجامعة ورجال الدين المسيحي والاسلامي, كما حضرها عدد كبير من المصريين والعرب قدموا من عدة مدن, وصفق الجميع ووقفوا تحية له عندما قال: إن العقائد في القلوب ولا يمكن فرضها بالقوة, والعقائد لا تباع ولا تشتري ولا اكراه في الدين ـ بنص القرآن الكريم ـ لان الإكراه لا يأتي بمؤمنين صادقين وإنما يأتي بالمنافقين, والاسلام في غني عنهم, واختلاف الأديان إرادة الله ولوشاء الله لجعل الناس أمة واحدة وعلي دين واحد.. والإسلام دعوة للسلام والتعاون بين البشر بما يحقق الخير للجميع, وما يحدث في بلاد المسلمين وبلاد غير المسلمين من جرائم وتخريب فان ضحاياه من المسلمين أكثر من غير المسلمين, والذين يرتكبون هذه الجرائم ويدعون ان هذا هو الجهاد انما يفعلون ذلك عن اساءة فهم لحقيقة الاسلام أو تنفيذا لمخطط للإساءة الي الاسلام وإلي المسلمين, ولو انهم كانوا مسلمين حقا لأدركوا ان دم غير المسلمين له حرمة دم المسلمين, وان كرامة غير المسلم ككرامة المسلم, ومبادئ الأديان كلها لا تدعو الي العنف ولكن تدعو الي العدل وإلي الأخوة الانسانية.
وأذكر محاضرته التي ألقاها في الكلية اللاهوتية في بتسبرج وحضرها رئيس الجامعة واساتذتها وطلبة الدراسات العليا وشرح فيها مبادئ العقيدة الاسلامية, وأولها ان يؤمن المسلم بجميع الرسل والكتب السماوية ولا يفرق بينها, وان قتل انسان واحد بريء يعتبر عند الله قتلا للناس جميعا, وظل يؤم الصلاة في المساجد, ويلقي خطبة الجمعة في المركز الاسلامي, وفي ثلاثة مؤتمرات صحفية في واشنطن ونيويورك ولقاءات التليفزيون شرح حقيقة الجهاد وهو الدفاع عن النفس والمال والأرض والعرض والدفاع عن الحق اذا اغتصبه غاصب وليس هناك دين من الأديان يدعو أصحابه الي السكوت علي الظلم, وان التشويه الذي أصاب الإسلام حدث إما بسبب إساءة فهم الإسلام, أو بسبب الأطماع السياسية, أو بسبب أكاذيب بعض المستشرقين وأعداء الدين الإسلامي التقليديين, وأضيف الي هؤلاء أفعال قلة من المسلمين ترتكب الجرائم الارهابية وتدعي انها بذلك ترفع راية الدين وهي في الحقيقة تسيء الي هذا الدين.
وفي لقائه مع المجلس القومي للكنائس قال لقادة الكنائس المختلفة اذا فهم أصحاب كل دين دينهم فهما صحيحا فسيكون ذلك عصر العدل والسلام والأمن للبشر جميعا.
وفي لقائه مع أساتذة اللاهوت اليهودي والمسيحي ومجلس المسلمين الأمريكيين بواشنطن قال إن كل الأديان تواجه محاولات الإساءة اليها, والواجب ان يلتقي المؤمنون بالله مع اختلاف دياناتهم لبناء جسور الحوار والتفاهم ومواجهة التطرف والارهاب والرد علي من يسيئون الي الأديان, وسئل عن الدولة الدينية فقال اننا الآن في عصر التخصص, رجل الدين له تخصص, ورجل الاقتصاد له تخصص, ورجل السياسة له تخصص ولا يصح ان يتدخل رجل الدين في دقائق الشئون السياسية الا في إطار الحفاظ علي مبادئ وثوابت الدين دون ان يغتصب دورا ليس مؤهلا له.
وليس هذا كل ما قاله وفعله في هذه الجولة.