تعددت لقاءاتي مع أقباط المهجر في عدد من الولايات المتحدة, وفي بريطانيا, وفي ألمانيا, شكواهم الأساسية أن بعض الكتابات الصحفية في مصر.
تلجأ إلي التهويل والمبالغات ومعظمها صادر عن الجهل بحقيقة أوضاعهم ومشاعرهم, وهذه الكتابات تصور أقباط المهجر وكأنهم تيار واحد معاد لوطنهم وهذا التعميم يسيء إليهم, ويجرح مشاعرهم, بينما الحقيقة ـ كما رأيتها ولمستها ـ أن هؤلاء المهاجرين يحملون في داخلهم الحنين إلي الوطن, وهم شديدو الحرص علي سلامته وتقدمه, وينظرون إلي الأحداث التي تقع في مصر ويعتبرها البعض فتنة طائفية علي أنها من طبائع البشر يحدث مثلها فيما بين المسلمين أنفسهم ويحدث مثلها بين الأقباط أيضا, فهم جميعا بشر, فيهم نوازع الخير والشر وليس كل هؤلاء أو هؤلاء من الملائكة المنزهين عن الخطأ.
أقباط المهجر ثلاثة أقسام غير متساوية. القسم الأول يضم أكثر من90% منهم, يشعرون بأن وجودهم في الخارج امتداد لوجودهم في مصر ولذلك فهم مرتبطون بأهلهم وأصدقائهم فيها, ويقضون اجازاتهم في مصر, ويتابعون ما يجري في مصر يوما بيوم عن طريق الصحف والتليفزيون وشبكة الإنترنت والاتصالات التليفونية مع الأهل والأصدقاء, وبعضهم ينفعل بالكتابات المبالغ فيها عن الأحداث التي تحدث في مصر ويحدث مثلها وأكثر منها في بلاد المهجر دون أن يكون لها ردود الفعل المبالغ فيها والانفعالات التي يقعون فريسة لها, وهم كمصريين يريدون لها الخير, ويفكرون في كيفية التعجيل بالاصلاح السياسي والاجتماعي.
والقسم الثاني أقل عددا مشغولون بالشأن العام في مصر ويحاولون مشاركة مواطنيهم في الحراك السياسي الحالي, فيطرحون أفكارا لتفعيل مبدأ المواطنة, ومبدأ المساواة والقضاء علي الفساد ومكافحة الإرهاب, والمزيد من الحريات وحقوق الإنسان وإعادة النظر في بعض نصوص الدستور, وهي ذات المطالب التي يرددها المصريون في الداخل وترددها الصحف القومية, وهم يعبرون عن آرائهم أكثر من القسم الأول المشغول بتفوقه المهني وبالاندماج في مجتمعات الدولة المتقدمة بما فيها من فرص التقدم.. والمهاجرون من القسمين تعيش مصر في قلوبهم ويرون أن من حقهم أن يعلنوا آراءهم كما يفعل المصريون في الداخل, وأن لهم الحق في المساهمة في عملية الاصلاح الشامل التي تجري في الوطن الأم.
أما القسم الثالث فهم قلة محدودة العدد يمكن حصرها بسهولة, ومعظم أفرادها معروفون بالاسم لدي الجاليات المصرية, منهم من هاجر من مصر غاضبا وساخطا منذ الستينيات, ومنهم من تأثر بالمناخ الديمقراطي في المجتمعات المفتوحة التي يعيشون فيها والتي تتاح فيها حرية الرأي والنقد والاختلاف بلا حدود تقريبا, وتسمح بممارسة الهجوم بصوت عال دون أن يحملوا ضغينة ولا شعورا بالعداوة من أي نوع, ولكن منهم أيضا هؤلاء الذين يتعاملون مع جهات وجماعات ضغط لها أجندة في المنطقة العربية عموما وفي مصر بوجه خاص, ولديها النفوذ والأموال وإرادة التدخل في الشئون الداخلية لمصر بطريق مباشر وغير مباشر وتفضل أن يكون ذلك عن طريق عناصر مصرية تقوم بالمهمة بالوكالة, أحيانا عن وعي وأحيانا دون وعي, وهؤلاء لا هم لهم إلا الهجوم علي كل شيء في مصر.. علي الحكومة وعلي القوانين السائدة وعلي رؤوس الكنيسة القبطية وحتي علي البابا شنودة نفسه ويواجهونه في الاجتماعات التي يعقدها في كنائس المهجر وبعضهم رفع عليه دعوي أمام المحاكم الأمريكية. وهذه القلة ليس لها أنصار من بين بقية المصريين المهاجرين الذين يرفضون ما يقومون به من المظاهرات, واللقاءات مع المنظمات المعروفة بمواقفها العدائية لمصر, ونشر إعلانات في الصحف تطالب الرئيس الأمريكي والكونجرس بالتدخل من أجل حماية الأقباط من ارغام الجماعات الإسلامية للأقباط علي اعتناق الإسلام وتزويج الفتيات القبطيات بشبان مسلمين وغير ذلك من ادعاءات لا أساس لها في الواقع, وقد أعلن البابا شنودة أكثر من مرة وأعلنت الكنائس المصرية في المهجر أن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم, وأنهم متطرفون بل إن البابا شنودة وصف أحدهم ـ في ألمانيا ـ بالخبل. هذه القلة هي التي تقوم بدور مخلب القط, ومع قلة عددهم فإنهم بالصوت العالي والتحركات النشيطة بين الولايات الأمريكية وكندا واستراليا وبعض الدول الأوروبية يظهرون بأكبر من حجمهم الحقيقي. وهم مرفوضون من الغالبية المحترمة ذات الوزن في المجتمعات التي يعيشون فيها.
هذه الغالبية المحترمة ـ كما رأيت نماذج عديدة منها ـ من حقنا أن نفخر بهم, فيهم علماء وعمداء وأساتذة كليات وأطباء ومحامون مشهورون, ومديرو شركات, وأصحاب أعمال, بينما الفئة الأخيرة فيهم الفاشلون والمصابون بحالات نفسية, وقد لخص الموقف الدكتور رشدي سعيد ـ عالم الجيولوجيا المهاجر في أمريكا بقوله: إن الأقباط في المهجر جزءان, الجزء الأكبر يجمع التبرعات ويرسلها إلي الكنائس في مصر, والجزء الأصغر مجموعة غير مسئولة وما يفعلونه يضر الأقباط في مصر ويشعر الناس في مصر أننا خونة ونستقوي بالعالم الخارجي.
الخلاصة: لاتضعوا أقباط المهجر في سلة واحدة