تساؤلات مشروعة

من الملاحظ أن في الولايات المتحدة جوقة يزداد نشاطها في أوقات ومناسبات معينة‏,‏ فتبدأ الحملات علي مصر وسياساتها في صحف وشبكات تليفزيون ذاتها‏,‏ ثم تتصاعد الحملات في الكونجرس وبعض مراكز الأبحاث حول التمييز ضد الأقباط‏,‏


وغياب الحريات وحقوق الإنسان‏,‏ والقائمة طويلة وجاهزة‏,‏ وأحيانا تشمل هذه الحملات دولة أو عدة دول عربية وفقا للظروف السياسية التي تحدد درجة التشدد والضغط‏,‏ أو التساهل‏,‏ أو إغماض العين لفترة تطول أو تقصر‏,‏ لكن لا تظهر مثل هذه الجوقة لعزف مقطوعاتها عن التمييز والاضطهاد وانتهاك حقوق الإنسان في الولايات المتحدة للأقليات المسلمة والمهاجرين الإسبان والمكسيك وأمثالهم أو التعذيب في السجون الأمريكية في الداخل والخارج‏.‏

فكل خناقة أو جريمة يكون فيها طرف قبطي تتحول في واشنطن إلي فتنة طائفية‏,‏ ويتصاعد الضغط والهجوم‏,‏ ويتم استخدام مصريين يعيشون هناك‏,‏ ويعتمد أكل عيشهم علي أن يكونوا الصوت المصري في حملات الإساءة‏,‏ ويتحصنون بالجنسية الأمريكية‏,‏ فتأتي الحملات من واشنطن قذائف موجهة إلي المصريين لخلخلة التماسك الاجتماعي‏,‏ والنفاذ بأفكار واتجاهات عقلية تخدم السياسات والمصالح الأمريكية التي لا تتغير بتغير الإدارات‏..‏ ديمقراطية أو جمهورية‏,‏ والذي يتغير فقط هو أسلوب تنفيذها بالدبلوماسية الناعمة‏,‏ أو الدبلوماسية الصلبة‏,‏ بالقوة أو بالإعلام‏,‏ بالضغوط السياسية والاقتصادية‏,‏ أو بالتهديد والحملات العسكرية‏!‏

هذا التوجه في السياسة الأمريكية ازداد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي‏,‏ وانفراد الولايات المتحدة بالقوة‏,‏ وتنفيذها لاستراتيجية الهيمنة وعرقلة ظهور قوي عالمية أو إقليمية قد تعوق مصالحها‏,‏ وهذه المرحلة هي التي ازدادت فيها الكتابات والآراء لإثارة مشاعر المسلمين والأقباط‏,‏ وبدأ صك عبارات غريبة في واشنطن علي المجتمع المصري ينقلها البعض إلي المصريين مثل المد الإسلامي يهدد المسيحيين في المنطقة‏,‏ والإسلام السياسي لديه مخطط ضد المسيحيين وفرض الحياة تحت التهديد عليهم‏,‏ ومخطط صليبي يهدد الإسلام والمسلمين‏,‏ بخلاف الشائعات التي تصاحب عادة هذه الحملات‏,‏ ولعلنا نذكر حين سرت شائعة أن المتطرفين الأقباط يلقون مواد كيماوية علي الطرح التي تضعها المسلمات علي رءوسهن فتظهر عليها علامة الصليب‏(!)‏ أو شائعة أن أطباء أقباطا يعملون علي تعقيم السيدات والرجال المسلمين في أثناء علاجهم‏,‏ أو شائعة أن الكنائس فيها مخازن للسلاح‏,‏ و‏..‏ و‏..‏ شائعات كثيرة أخري هدفها إثارة المسلمين وإثارة الأقباط‏,‏ وإيجاد حالة من التوتر والاحتقان دون أن يكون لها أساس أو مبرر‏,‏ والواقع يشهد أن المسلمين والأقباط يعيشون معا في اندماج‏,‏ ولا يمنع ذلك من نشوء علاقة بين ولد وبنت أحدهما مسلم والآخر مسيحي‏,‏ أو تحول أحد عن دينه‏,‏ أو نشوب خناقة حول خلافات الحياة اليومية‏,‏ أو جريمة يرتكبها أحمق أو مجرم أو إرهابي‏,‏ وكلها أمور تحدث في الحياة في المجتمعات‏,‏ وكم من الجرائم ترتكب في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم‏,‏ وينظر إليها علي أنها انحرافات في الطبيعة البشرية لا أكثر‏.‏

من الطبيعي أن تكون لهذه المحاولات الذكية تداعيات وردود أفعال‏,‏ والمشكلة أننا اعتدنا أن نواجه هذه الحالات بالأمن‏,‏ وبالزيارات والتصريحات والمقالات‏,‏ ولا نعالج جذورها والدوافع الحقيقية وراءها‏,‏ وهذه الحلول الشكلية واللفظية قد تؤدي إلي إخفاء التوتر ثم لا يلبث أن ينفجر مرة أخري‏.‏

وإذا أردنا معالجة الجذور فعلينا أن نعمل بجدية وباستمرار علي تحصين المجتمع ضد الشائعات والأفكار المنحرفة‏,‏ وهذا واجب المدرسة والجامعة والصحافة والتليفزيون وأجهزة الثقافة والأندية ومراكز الشباب وغيرها من مؤسسات وأجهزة تكوين الرأي العام‏,‏ ولابد من الانتباه إلي دور الأسرة‏,‏ لذلك فإن جهدا لابد أن تبذله كل الأجهزة لتوجيه الأسرة للقيام بدورها‏,‏ بتحذير أبنائها في وقت مبكر من فساد الفكر الطائفي المتطرف وانحرافه عن تعاليم الإسلام والمسيحية‏,‏ مع إدراك نتائج انتشار قنوات فضائية إسلامية ومسيحية تنشر التطرف‏,‏ وتبرر أفكار وجرائم المتطرفين‏,‏ ولايزال بعض ما يقال في المساجد والكنائس يكرس التطرف‏,‏ ولم يتحقق ما يقال يوميا عن إعادة بناء المدرسة وإعادة بناء شخصية وعقلية المدرس‏,‏ وأسلوب التدريس‏,‏ والفكر الذي ينتج المناهج والكتب المدرسية التي لا تغرس مبدأ المواطنة والولاء والانتماء والروح الوطنية‏.‏

ومعارك الانتخابات تستخدم فيها الأسلحة المحرمة‏,‏ بما فيها الشعارات الطائفية‏,‏ والاستعانة بالبلطجية والمجرمين والتهديد والابتزاز والرشوة‏,‏ واستخدام الدين في السياسة يجعل القبطي يلجأ إلي الكنيسة‏,‏ والمسلم يلجأ إلي الجماعة‏,‏ بدلا من اللجوء إلي الدولة وإلي القانون‏,‏ وكما في كل مجتمع هناك عناصر تأصل فيها الإجرام لا يجدي معها الإصلاح‏,‏ والقانون الحاسم هو الوسيلة للتعامل معها‏,‏ وهناك القاعدة العريضة من الملايين التي تجدي معها الدعوة والحوار‏,‏ بدليل أن جموع المصريين في عمومهم رفضوا جريمة نجع حمادي‏,‏ كما رفضوا غيرها‏,‏ وأعلنوا التبرؤ من مرتكبيها‏,‏ ومثل هذا الحادث المجنون حدث كثيرا في الولايات المتحدة‏..‏ أطلق تلميذ النار عشوائيا من بندقية آلية علي تلاميذ مدرسة‏,‏ وأطلق طالب غير أمريكي النار عشوائيا علي زملائه في إحدي الجامعات الأمريكية‏,‏ وقام المتطرف تيموثي ماكفاي وزميله تيري نيكولاس بتفجير مبني الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما في‏19‏ أبريل‏1995,‏ وقتل‏169‏ شخصا‏,‏ وأصاب أكثر من‏500‏ من الأطفال والنساء والرجال بإصابات بالغة‏,‏ ومثل ذلك حدث ويحدث في كل بلد تقريبا‏,‏ ومع ذلك لم تفسر هذه الجرائم تفسيرا طائفيا‏..‏ لماذا؟‏!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف