اذا كانت الأسباب متوافرة لمحاكمة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق أمام المحكمة الجنائية الدولية علي عدة جرائم منها الكذب ومسئوليته عن تدمير الدولة العراقية وقتل وتشريد مئات الآلاف وتعذيب الآلاف في السجون,
فهل يمكن ان يفلت بوش من المحاكمة وهو الفاعل الأصلي دبر وخطط وأشرف علي تنفيذ الجرائم ومعه ـ طبعا ـ نائبه ـ ديك تشيني ـ ووزير دفاعه ـ دونالد رامسفيلد؟
صحيح ان الولايات المتحدة لم توقع علي معاهدة انشاء المحكمة الجنائية الدولية لكي تكون الاستثناء وترتكب ما تشاء من الجرائم ضد الانسانية دون الخضوع لأحكامها, ولكن هذه الحجة ـ القانونية الشكلية ـ لا تصلح مبررا لعدم محاكمة بوش علي جرائم كبري ـ كاملة الأركان ـ بحجم ما جري في العراق. واذا ما استمرت الولايات المتحدة علي موقفها في رفض مثول أحد من المسئولين عن هذه الجرائم أمام المحكمة, فليس هناك مبرر أخلاقي أو سياسي يمنع من محاكمة سياسية وهذا أضعف الايمان.. واذا كانت ادارة أوباما الديمقراطية لا تريد ان تدخل في مواجهة حادة مع الحزب الجمهوري وتيار المحافظين الجدد الذي كان ممثلوه في ادارة بوش شركاء أصليين ايضا, فان المجتمع الدولي اذا كان بالفعل حريصا علي اقرار مبادئ القانون والعدالة وحقوق الانسان, عليه ان يظهر فاعلية الشرعية الدولية فتتولي الجمعية العامة للأمم المتحدة تشكيل لجنة من الدول المحايدة لاجراء تحقيق شامل وتوثيق الجرائم التي ارتكبت, وتفتح الجمعية العامة ملف غزو العراق وجرائمه في مناقشة عامة تكون بمثابة محاكمة سياسية تاريخية قد تكون مقدمة لما بعدها بحيث لا تهدر كل هذه الدماء العراقية والامريكية والبريطانية ولا تمر هذه الجرائم ضد الانسانية دون حساب, وتكون هذه سابقة يعتبر بها كل حاكم يستخدم قوة بلاده في حرب ظالمة وترسي بذلك مبدأ يتلاءم مع العصر لا يسمح للدولة القوية باهدار حقوق وسيادة الدول الصغيرة.
ومن حقنا أن نتساءل: أين الكونجرس الذي يدعي رعايته للحرية والديمقراطية في العالم كله وليس في أمريكا وحدها؟ وقد سبق ان حوكم الرئيس الأمريكي ـ ريتشارد نيكسون ـ وهو في السلطة والزم بتقديم استقالته, وكانت تهمته هي الكذب وكذلك خضع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ـ وهو في السلطة أيضا ـ للتحقيق بسبب علاقته مع المتدربة لوينسكي بتهمة الكذب ايضا وبالتالي فإن محاكمة الرئيس الامريكي السابق ليست مستحيلة اذا كانت القيم الأمريكية( الحرية والقانون والعدل) هي أساس الدولة الأمريكية حقا.
وقائمة الاكاذيب التي ارتكبها الرئيس بوش الابن تفوق الحصر:
فقد كذب حين كرر باصرار علي أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وهو يعلم أن الأدلة التي يقدمها للكونجرس وللشعب الأمريكي ولمجلس الأمن ليست صحيحة, ولأنه تلقي تحذيرا قبل غزو العراق بأشهر من أن الغزو سوف يتسبب في نشر الفوضي والارهاب, وقد اصبح من المعلوم أن تقريرين سريين تضمنا هذا التحذير قدما اليه في بداية عام2003 من المجلس القومي للمخابرات ثم تقرير ثالث ينذر بأن العنف في العراق قد يكرس الانقسام في العراق وقد يتحول إلي حرب أهلية, وإلي تزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط, وإلي اندلاع موجة من العنف والتمرد, ولكنه علي الرغم من ذلك تمادي في تأكيد تفاؤله عن تحسن الوضع في العراق والمنطقة, وتجاهل تزايد أعداد القتلي بما يقارب عدد القتلي في فيتنام, وتكرار اختطاف رهائن احتجاجا علي قصف المدن العراقية حتي بعد تولي قوات الاحتلال الأمريكية السيطرة علي البلاد, مما جعل خبيرا استراتيجيا مثل برينت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق يقول لصحيفة فاينانشيال تايمز إن رئيس الوزراء الاسرائيلي آريل شارون استطاع أن يجعل بوش كالخاتم في اصبعه وأن ينومه مغناطيسيا(!) ودعا الثعلب العجوز ـ الدكتور كيسنجر ـ إلي القول في مقال نشرته صحيفة هيرالد تريبيون بأن الحرب في العراق فشلت ولكن علي الادارة الأمريكية عدم الاعتراف بالفشل لأن ذلك سيقضي علي مصداقية الولايات الأمريكية في العالم واضعاف زعامتها ـ وتكفي جرائم التعذيب في سجن ابو غريب وعشرة سجون مماثلة جعلها تدخل التاريخ مع سجون النازية, وجرائم القتل والتعاقد مع شركة بلاك ووتر لقتل المدنيين, وقد كتب بيتر جالبرت السفير الأمريكي السابق مقالا عقب زيارته العراق بعد الغزو وصف فيه ما أسماه الأثر الكارثي للغزو من عمليات نهب المؤسسات العامة, وتدمير التراث الثقافي للعراق, واستنزاف ثروات العراق( البترول), وجرائم الاغتصاب, وسرقة الأطفال.
ألا تحرك هذه الجرائم الضمير الأمريكي والعالمي وتكون محاكمة بوش وتشيني ورامسفيلد وولفووتز وغيرهم مدخلا للادارة الامريكية للتطهر والتكامل مع العالم بوجه جديد يتناسب مع تمثال الحرية الذي جعلته أمريكا رمزا لها؟!
الكذب, والتضليل, والخداع.. بعض التهم التي توجه في الصحافة الأمريكية والعالمية لكل من بوش, وتشيني ورامسفيلد, والفضائح تلاحق أركان إدارة بوش, وأبسطها ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من أن تشيني ــ وهو نائب الرئيس والمشرف علي أجهزة المخابرات ــ أمر المخابرات الأمريكية, باخفاء معلومات عن الكونجرس حول برنامج سري للمخابرات بينما يلزم القانون الأمريكي الرئيس بالتأكد من أنه يتم إطلاع لجان المخابرات في الكونجرس علي أنشطة المخابرات, لأن المفروض أنه لا يوجد شخص فوق القانون كما قالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب.