وقف توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق, منذ أيام أمام لجنة سياسية تحقق في مدي صحة الأسباب التي أعلنها بلير وبوش لغزو العراق. الاتهام الموجه إلي بلير وبوش هو الكذب علي الشعب وعلي المؤسسات الديمقراطية بالادعاء بأن العراق كان يملك أسلحة دمار شامل, واختلاق أدلة كاذبة علي ذلك.
وقد يري البعض أن التحقيق لن ينتهي إلي شيء سوي تهدئة غضب الثائرين والمطالبين بالحساب والعقاب وهم: أهالي الجنود البريطانيين الذين قتلوا في هذه الحرب, وممثلو الرأي العام في بريطانيا, وبالنظر إلي أن لجنة التحقيق لا تملك صلاحيات المحاكمة, وإلي موقف بلير أمام اللجنة بعدم الاعتراف بحقيقة المؤامرة علي العراق والأسباب الحقيقية لها( البترول ـ تدمير قوة عربية تسبب القلق لإسرائيل ـ بدء تنفيذ استراتيجية الفوضي الخلاقة في المنطقة ـ احتلال العراق وتوسيع نطاق الوجود العسكري الأمريكي/ البريطاني.. إلخ), ولكن من المؤكد أن هذا التحقيق هو فقط بداية لفتح الملف, وأعتقد أنه ستكون له تداعيات وتطورات مع الوقت, وتتفجر حقائق المؤامرة وحجم التدمير والخسائر في العراق, ويدرك من استسلموا للخديعة أن الحرب علي العراق لم تكن مبررة, وأنها كانت حربا غير عادلة وغير أخلاقية, وهي عودة إلي زمن الحروب الإمبريالية.
سوف يدرك العالم كذب ادعاءات بلير وبوش حول شراء العراق لليورانيوم من النيجر, وتحالفه مع تنظيم القاعدة, وتهديده للأمن والسلام في العالم, وقول بلير إن غزو العراق كان ضروريا لجعل العالم مكانا أكثر أمنا, وإن العراق, بفضل الغزو, أصبح بلدا آمنا ومستقرا وديمقراطيا(!) وسوف يعاد التحقيق حتما, ربما عن طريق المحكمة الجنائية الدولية, في اعتراف بلير أمام اللجنة بأنه اتخذ قراره بغزو العراق بغض النظر عن عدم وجود أسلحة دمار شامل, وهي الحجة التي استند إليها بلير وأكدها بقوة أمام مجلس العموم, وقدم تقريرا رسميا مليئا بالأدلة والمعلومات الاستخبارية, وسوف يتنبه الجميع إلي أن وزير الخارجية الشريف في حكومة بلير روبن كوك قدم استقالته اعتراضا علي هذا الغزو, وأعلن أن بلير قال له قبل بدء الغزو بأسبوعين: إن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل, وقدمت استقالتها أيضا وزيرة أيرلندا الشمالية في حكومة بلير مارجوري مولام, وسوف يدرك الجميع أن هذه الحرب لم تكن إلا لتحقيق المصالح الاستراتيجية لليمين الأمريكي, واليمين الإسرائيلي, وأن بلير كان يهدف إلي الحصول علي جزء من الكعكة حتي ولو كانت مشاركة بريطانيا في الحرب ضد رغبة أغلبية الشعب البريطاني.
سيتذكر الجميع أن أكبر علماء بريطانيا المتخصصين في موضوعات الأسلحة ديفيد كيلي قدم تقريرا مدعما بالأدلة علي عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار, ووجد ديفيد كيلي مقتولا أو منتحرا كما قيل, قبل مناقشة تقريره, ولم يكن صعبا إدراك كذب بلير عندما قدم إلي البرلمان ملفا بمعلومات استخبارية في سبتمبر2003 تؤكد أن العراق يستطيع استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية خلال45 دقيقة من صدور الأمر بذلك, وانكشف بعد ذلك أمر رسالة إلكترونية من رئيس الأركان البريطانية جوناثان باول تفيد أن هذا الملف أعيدت كتابته وأضيفت إليه معلومات بناء علي طلب بلير, وليس المخابرات, ومنذ البداية وقبل اجتياح العراق كان الاعتقاد السائد في بريطانيا أن حكومة بلير حكومة مضللة, وبدأ الغزو وبدأ معه الهبوط الأخير في استطلاعات الرأي التي قالت فيها الأغلبية إنهم لا يثقون في أن بلير يقول الحقيقة ولن يكون من السهل استعادة الثقة فيه.
وفي مقابلة مع الإذاعة البريطانية في ديسمبر الماضي قال بلير بالحرف: إنه كان سيجد وسيلة ما لتبرير الحرب أمام البرلمان والرأي العام بخلاف موضوع أسلحة الدمار, وإنه كان مقتعنا بضرورة الإطاحة بالرئيس العراقي, سواء كان يمتلك أسلحة دمار شامل أم لا, وإنه كان عليه أن يستخدم حججا مختلفة بشأن طبيعة التهديد, وقال: ومع ذلك فإنني متعاطف مع الذين كانوا يعارضون الحرب لأسباب وجيهة جدا(!) وقال أيضا: كان هناك شيء واحد يلح علي ذهني هو كيفية إحداث تغيير في المنطقة, وكيف يمكن التغلغل في المنطقة وصدام موجود فيها.
ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية في ديسمبر الماضي أن الوثائق البريطانية تشير إلي أن بلير تعهد أمام بوش, قبل غزو العراق بنحو11 شهرا, في لقائهما في مزرعة بوش بالاشتراك في الحملة العسكرية علي العراق مهما كانت المبررات, وأكد ذلك مستشار السياسة الخارجية السابق لبلير ديفيد مانينج أمام لجنة التحقيق البريطانية في ديسمبر الماضي وبرغم تحذير المدعي العام البريطاني في ذلك الوقت( اللورد جولد سميث) بأن هذا الغزو بدون سبب قانوني, وأن الرغبة في تغيير نظم الحكم لا تمثل أساسا لعمل عسكري.
بعد انكشاف الكذب وخداع الشعب البريطاني والعالم, وبعد اعتراف بلير نفسه.
هل أصبحت محاكمة بلير وشيكة بعد أن تضخم ملف الأدلة علي ممارسته للكذب والخداع واشتراكه في تدمير دولة وشعب وتبديد ثرواتهما وقتل عشرات الآلاف من الأرواح البريئة( العراقية والبريطانية) وتعذيب وتشريد عشرات الآلاف وتسبب في الدمار والفوضي في بلد عربي يحتاج إلي سنوات طويلة لإعادة بنائه؟
وهل سيأتي الدور علي بوش؟