جذور الأزمة السويسرية‏

لم تنشأ أزمة المسلمين في سويسرا نتيجة لحظر بناء المآذن للمساجد‏,‏ فهذه الأزمة ليست سوي حلقة في مسلسل الخوف والاضطهاد الذي يعاني منه المسلمون في سويسرا وفي الغرب عموما‏.‏ فالمسلمون لهم ثقافة وقيم تختلف عن قيم وشعائر الغربيين‏,‏ وهذا ما جعل نظرية صدام الثقافات تلقي رواجا في الغرب‏.

فالغربيون ينظرون إلي المسلمين علي أنهم مختلفون ومتخلفون ومفكرون في الغرب يكررون دائما أن الحضارة الإسلامية بدأت في الاضمحلال من القرن الثاني عشر في الوقت الذي بدأ فيه عصر النهضة الأوروبية‏,‏ ومنذ ذلك الوقت والغرب يتقدم والمسلمون يتأخرون‏(!)‏ وتنعكس هذه النظرة الدونية علي المسلمين في الغرب‏,‏ فيردد الغربيون الشكوي من أن المسلمين اختاروا العيش في الغرب بإرادتهم ومع ذلك فإنهم يرفضون التأقلم مع المجتمعات الغربية‏,‏ ويرفضون مظاهر الحضارة الغربية‏,‏ فالغربيون يتحدثون لغات غير اللغات الأصلية للمسلمين الذين يحرصون علي التعامل بها فيما بينهم ويعلمونها لأولادهم‏,‏ والغربيون لهم سلوك مختلف‏,‏ وملامحهم مختلفة‏,‏ ويلبسون غير ما اعتاد عليه المسلمون‏,‏ وطعامهم في غير مألوف لكثير من المسلمين وعلاقة الرجال بالنساء في الغرب لا يستطيع المسلمون أن يتقبلوها‏,‏ ونظم التعليم مختلفة‏,‏ والأجور تبدو مرتفعة ولكنها تتضاءل أمام ارتفاع الأسعار‏,‏ والعمل مختلف في نوعيته ودرجة الاتقان المطلوبة فيه‏,‏ وأوقاته مختلفة‏,‏ وأساليب الإدارة الحديثة لم يتعود عليها المسلمون في بلادهم‏.‏

وفي نفس الوقت فإن تأثير الأقلية المسلمة علي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في المجتمعات الغربية ضئيل جدا‏,‏ أما أبناء الجيل الثاني للمهاجرين المسلمين فإنهم يواجهون مشكلة الانقسام ـ والتناقض أحيانا ـ بين الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية‏..‏ وعلي سبيل المثال ففي شهر رمضان عندما يأتي في الصيف ترتفع درجة الحرارة ويطول النهار ويظل نظام العمل كما هو دون مراعاة لظروف الصيام علي العكس مما يحدث في البلاد الإسلامية حيث يتوقف العمل تقريبا أو يكاد‏,‏ ومعظم المسلمين في الغرب يمثلون عمالة غير مؤهلة‏,‏ ويعملون في أعمال بدنية شاقة ويجدون مشقة في الصيام‏,‏ وكذلك يجدون مشقة في أداء الصلوات الخمس في أوقاتها‏,‏ كما يحدث في البلاد الإسلامية‏.‏ وفضلا عن ذلك فإن المسلمين في الغرب يعيشون في مجتمعات مسيحية‏,‏ ولكن معلوماتهم في العادة ضئيلة عن ديانة أصحاب البلاد‏,‏ ومعلومات أصحاب البلاد عن الدين الإسلامي تكاد تكون معدومة ومعرفتهم بالإسلام تتم عن طريق وسائل الإعلام التي تشوه الإسلام والمسلمين وتبرز أخبار حوادث الإرهاب التي يرتكبها مسلمون بصورة ترسخ في الأذهان أن أسامة بن لادن هو النموذج المتكرر في العالم الإسلامي وأن تنظيم القاعدة وعملياته الإرهابية هي الاستجابة لتعاليم الدين الإسلامي‏,‏ وإن كل مسلم هو إرهابي محتمل‏..‏ ولا أحد من عامة الشعوب الغربية لديه استعداد ليفهم أن معرفة حقيقة دين من الأديان لا يمكن التوصل إليها من خلال سلوك منحرف لبعض أتباع هذه الديانة أو تلك‏,‏ ولا عن طريق التقارير الصحفية وحدها التي تميل عادة إلي المبالغة والتهويل‏,‏ فهذا الفرد المسلم أو المسيحي لا يمكن اعتباره ممثلا للإسلام أو للمسيحية‏,‏ والطريقة المثلي لفهم عقائد دين من الأديان هي دراسة الكتب السماوية أولا وهذا لا يحدث إلا نادرا من بعض المفكرين والباحثين المنصفين للإسلام‏.‏

هذه الحقائق التي يتحدث عنها الغربيون أنفسهم تنعكس علي قطاعات من الشعب السويسري وكثير من المفكرين والإعلاميين والسياسيين‏,‏ حتي وصل الأمر إلي درجة من الرفض عبرت عن نفسها في رفض بناء رمز إسلامي‏,‏ ليس لأن المئذنة ليست متوائمة مع طراز العمارة الغربية في سويسرا ولكن لأنها تمثل ديانة وثقافة وجماعات لا يتقبلها السويسريون وهذا ما جعل الباحث السويسري الشهير هانس كنج يقول في كتابه مشروع أخلاق عالمية‏:‏ لن يكون هناك سلام عالمي بدون سلام بين الأديان‏,‏ وإذا كانت سويسرا لا تستطيع أن تسهم في تحقــيق السلام العالمي‏,‏ فلا أقل من أن تعمل علي تحقيق التعايش السلمي بين مختلف الأديان والجنـسـيات في داخلها‏.‏

واعتقد أن ما يقوله الباحث والمفكر السويسري هانس كنج فيه الكفاية لتوضيح الأمور‏,‏ وفيه أيضا دعوة للحكومة وللشعب وللمنظمات والأحزاب يجب أن يتبناها المفكرون والإعلاميون المسلمون بدلا من أن يغالط بعضهم نفسه ويدعي أن المسألة ليست إلا حرصا علي الطراز المعماري‏..‏ ولهؤلاء نقول إن في سويسرا معبدا للبوذيين ومعابد لليهود ولا أحد يتحدث عنها ويشكو من اختلاف طرازها المعماري‏!‏.‏


 




 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف