كيف استطاعت الصين أن تحقق كل هذا.. أن تصبح أكبر دولة جاذبة للاستثمارات, وأكبر دولة في معدل نمو الناتج الإجمالي, حتي وصل في بعض السنوات إلي12% ولم يقل عن7% في ظروف الأزمة العالمية حتي إن البنك الدولي تنبأ ـ في تقرير له ـ بأن الصين سوف تصبح أقوي اقتصاد في العالم وتتحول إلي قوة عالمية عظمي.
وكيف أصبحت أكبر دولة مصدرة للسلع إلي الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية, وإحدي دولتين تملكان أكبر احتياطي من العملات الأجنبية, وأكبر دولة مشاركة في شراء ديون الخزانة الأمريكية التي تمول أمريكا بها عجزها المالي, وانتشرت صناديق الصين للاستثمار في أسواق المال الأمريكية والآسيوية, وكيف استطاعت إقامة أكثر من100 ألف مشروع استثماري مشترك مع شركاء أجانب؟.
هل حققت ذلك بمنح الأرض للمستثمرين مجانا ليتملكوا أرض الصين بلا مقابل, أو بمنح إعفاءات من الضرائب لكل المشروعات حتي لو كانت لتعبئة الألبان أو تعبئة الماء في زجاجات؟ وهي الآن أكبر دولة لها استثمارات في مصر ولها في مصر650 شركة وتعتزم المشاركة في52 مشروعا باستثمارات25 مليار دولار؟.
استمعت طويلا إلي الطريقة الصينية لجذب الاستثمارات دون منح أراضيها بالمجان ودون منح الإعفاءات الجمركية عشوائيا, ولكن بسياسة واضحة أهم عناصرها: منح صلاحيات اقتصادية وإدارية للسلطات التنفيذية في مناطق الاستثمار, وإنشاء مناطق اقتصادية مخصصة لتصنيع المنتجات للتصدير ولاستيراد التكنولوجيا المتقدمة والاستعانة بكوادر الإدارة من الدول المتقدمة.. وأحدث نموذج لهذه المناطق هو منطقة بودونج علي ضفاف نهر اليانجتسي شرقي مدينة شنغهاي, ومدينة شنغهاي كما هو معروف من أكبر مراكز المال والأعمال العالمية, وبانضمام منطقة بودونج ازدادت قوة وصارت مركزا للتجارة ولجذب الاستثمارات الأجنبية, وقبلة العقول الصينية في جميع المجالات..
مسموح في الصين للأجانب بتأسيس هيئات مالية وفتح محال تجارية وغير ذلك من الخدمات, ولمنطقة بودونج سلطة مستقلة عن حكومة شنغهاي تدير شئونها, وتتكون منطقة بودونج جغرافيا من9 قطاعات أساسية: منطقة للتجارة والمال, ومنطقة للمصانع التي تصدر منتجاتها للخارج, ومنطقة للتجارة الحرة, ومنطقة للتكنولوجيا الحديثة, ومنطقة للزراعة الحديثة, ومنطقة سكنية حديثة, ومنطقة للمراكز الثقافية( مكتبات ومسارح ودور للسينما وأوبرا), ومنطقة واسعة للحدائق والمتنزهات..
في بودونج العديد من البنوك وأسواق الأوراق المالية الصينية والأجنبية وفروع لشركات الاتصالات العالمية( الكاتيل, وسيمونز, وإيه تي آند تي) والمراكز التجارية. ومعظم المصانع تستخدم أجهزة متطورة وتكنولوجيا عالمية في صناعات الاتصالات, والإلكترونيات, والمعدات الطبية الدقيقة, والهندسة الوراثية, والسيارات, والكمبيوتر, والأقراص المدمجة, وهناك منطقة مساحتها17 كيلو مترا مربعا أقيمت فيها معامل البحث العلمي والمصانع التي تستخدم تكنولوجيا جديدة علي المجتمع الصيني مثل الأدوية البيولوجية, والإلكترونيات الدقيقة( المايكرو) وتكنولوجيا المعلومات, خاصة إنتاج السوفت وير, أما منطقة التجارة الحرة ففيها مخازن الشركات العملاقة متعددة الجنسيات وعدد كبير من صالات العرض التجارية. ونتيجة لزيادة حجم التجارة الخارجية لهذه المنطقة فإن طاقة خطوط الشحن وتفريغ السفن في مينائها تزيد سنة بعد أخري.
لا تمنح الصين المزايا والإعفاءات لكل المستثمرين بنسبة واحدة, ولكن لكل نوع من الاستثمارات مزايا تتفق مع ما يضيفه إلي الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة, فهناك مشروعات مصنفة من الفئة الأولي وهي مشروعات التكنولوجيا الحديثة وتطوير المنتجات الصينية وتحسين جودتها لتصل إلي المستويات العالمية. والمشروعات التي تسهم في تطوير وتحديث المدنية, وهذه الفئة هي التي تتمتع بإعفاء كامل من ضريبة الدخل لمدة خمس سنوات فقط وفي السنوات الخمس التالية تحصل علي تخفيض50% من قيمة الضريبة,
وإذا كانت ستعمل لمدة15 سنة أو أكثر تحتسب سنوات الإعفاء الكامل من الضريبة اعتبارا من السنة الأولي لتحقيق أرباح فعلية. وهذا ما ينطبق علي الضريبة العقارية, ورسوم الاستيراد, فإن الرسوم تتحدد بمدي إسهام كل مشروع في تحديث الصين, وإدخال التكنولوجيا الحديثة, أما المشروعات التي تستخدم تكنولوجيا مستخدمة بالفعل في الصين فإن الإعفاءات لها أقل. وأما الأرض في أنحاء الصين فليست للبيع, ولكنها تمنح بحق الانتفاع لمدة أقصاها75 سنة وبأسعار تختلف من منطقة لأخري, ويمكن تأجير الأرض بالمتر لمدة سنة واحدة بسعر أقل, ويمكن شراء المباني دون شراءالأرض المقامة عليها.
إن تفاصيل قانون الاستثمار في منطقة بودونج نجحت في جذب استثمارات أجنبية تفوق الخيال دون تفريط في حماية الصين من مخاطر الاستسلام للمستثمرين, وهي تجربة تفيد في تطوير قوانين الاستثمار إذا أردنا أن نحقق بعض ما حققته الصين.