الأجندة الخفية للجنة الأمريكية وأخواتها
لم يكن غريبا أن يرفض البابا شنودة مقابلة لجنة الحريات التابعة للكونجرس الأمريكي, ولم يكن غريبا أن يستقبلها شيخ الأزهر, ومن خلال علاقتي بهما استطيع أن استنتج الأسباب وراء موقف كل منهما.
فهذه اللجنة لها مهمة ادركنا مؤخرا حقيقتها, وهي لا تقوم بهذه المهمة وحدها ولكن معها لجان ومنظمات وهيئات أمريكية أخري مثل بيت الشرق وبيت الحرية بخلاف المنظمات الصهيونية المعروفة من أمثال ايباك وأخواتها, ويساندها جميعا قانون الحريات الدينية الذي صدر في عام1994 وأعطي للولايات المتحدة الحق في التدخل في الشئون الداخلية للدول بحجة اعداد تقرير سنوي حول الحريات الدينية في العالم لتقديمه الي الكونجرس, وليس هذا القانون هو السند النظري لهذا التدخل, ولكن السند الأكبر هو نظرية الفوضي الخلاقة التي بدأت في عهد جورج دبليو بوش أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة, وهذه النظرية مازالت قائمة وأصبحت استراتيجية دولة وليست استراتيجية رئيس أو فترة معينة, وهي استراتيجية تسعي الي فرض الهيمنة الأمريكية بالعمل وفقا للمبدأ الاستعماري القديم فرق تسد في المناطق والبلاد ذات الأهمية الخاصة للمصالح الأمريكية.. ووفقا لهذه النظرية يحدث مايحدث في السودان, واليمن, والعراق, وباكستان, مع اختلاف الوسائل لإشعال نيران الفتنة والانقسام.. شيعة وسنة, عربا وأفارقة, عربا وبربرا, مســلمين وأقباطا, وغير ذلك مما نراه يجري في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وأظن أن رفض البابا استقبال اللجنة هذه المرة كان لأنه ـ بذكائه وحسه الوطني ـ اكتشف الأجندة الخفية منذ سنوات حين استقبلها في احدي زياراتها ورأي منها الاصرار علي استنطاقه بأن في مصر اضطهاد للأقباط باعتبارهم أقلية تعاني من التمييز ضدهم, ويومها وقف البابا ضد هذا التوجه, ورفض هذا الادعاء, وقال للجنة: إنكم تتحدثون عن الاقلية وفي ذهنكم وضع السود والمهاجرين من الاسبان والمكسيك, وهذه أقليات من أصول عرقية مختلفة عن أصول الأغلبية وهي اقلية مهاجرة وافدة, ولكن الأقباط في مصر لهم وضع مختلف, فهم أبناء هذا الوطن, وليس لهم وطن غيره, وهم لا يختلفون عن الأغلبية في الجنس أو اللون أو اللغة, والمسلمون والاقباط يعيشون معا في كل مدينة وفي كل شارع, وتحدث مشاكل واحتكاكات لا تمثل نوعا أو درجة من الصراع الطائفي.. هناك متعصبون كما في الولايات المتحدة وبقية دول العالم.. وهناك جهلاء يسهل استثارتهم.. وفي النهاية فإن المصريين شعب واحد, ومايجمعه الرب لا يفرقه انسان.
وطبعا لم تعجب اللجنة هذه الاجابة, ولم يعجب البابا هذه الروح المتربصة التي لا تخفي سوء النية وتسعي الي وضع عبارات علي لسان البابا والشخصيات القبطية المعروفة لتضمنها تقريرها ومطلوب أن يكون التقرير مؤكدا لوجود تمييز واضطهاد ضد الأقباط ليكون سلاحا للضغط الأمريكي ولترسيخ الانطباع بأن أمريكا هي السند والحماية, ومنذ سنوات جاءت لجنة من فريدم هاوس وحضرت جلسة معها حضرها أيضا القطب الوفدي منير فخري عبدالنور ورجل الأعمال الدكتور لويس بشارة وكان اللقاء في مصنع الدكتور لويس في العاشر من رمضان, وكنا كلما قدمنا لهم دليلا علي وحدة المصريين يقللون من أهميته, نقول إن الأقباط والمسلمين يعيشون معا في كل المدن وكل الاحياء ولا يعيشون في جيتو وحدهم فيقولون: لأنهم مضطرون لذلك, ونقول إن الوظائف الكبري ليس فيها تمييز بدليل وجود وزراء ووكلاء وزارات وأعضاء برلمان ورؤساء هيئات قضائية.. الخ فيقولون إن وجودهم أقل مما يجب ولمجرد تحسين الصورة, ونقول إن البابا ووزير الأوقاف يقيمان مآدب افطار في رمضان يلتقي فيها الوزراء والمحافظون وقيادات البلد ورجال الدين الاسلامي والمسيحي فيقولون هذا اجراء شكلي وليس دليلا علي مايحدث في كل مكان في الحياة اليومية, ونقول إن البابا وشيخ الأزهر صديقان يلتقيان في كل مناسبة ويدعي البابا كل سنة للمشاركة في افتتاح المؤتمر الاسلامي العالمي الذي تنظمه القاهرة ويجلس علي المنصة الي جانب شيخ الأزهر ويلقي معه كلمة الافتتاح فيقولون إن هذه مسألة بروتوكول والقادة الكبار يظهرون معا في المناسبات وما في القلب في القلب! وأخيرا حكي لهم منير فخري عبدالنور أن والده كان من زعماء الوفد ومن كبار الأقباط, وكان صديقا شخصيا لشيخ الأزهر, وعندما تزوج حضر شيخ الأزهر الي الكنيسة التي جرت فيها مراسم الزواج وكان هو الشاهد عليه, فقالوا هذه حادثة فردية لا يقاس عليها.
وهكذا تأتي هذه اللجنة بمهمة محددة, وتخرج لكتابة تقرير معروف سلفا تعطي فيه للاحداث حجما أكبر من حجمها, وتفسيرا من عندها لا يخطر علي بال أحد من المصريين, أما شيخ الأزهر فقد استقبل اللجنة لأنه يري ان بابه يجب أن يكون مفتوحا لكل من يقصده حتي ولو كان سييء النية, ومن واجبه أن يشرح الحقائق, ويبلغ حقيقة الاسلام لكل من يلتقي به, ويرفع يديه هامسا بعد كل لقاء: اللهم قد بلغت, اللهم فاشهد.
البابا شنودة أشد حرصا وذكاء من أن يقع في الفخ, وشيخ الأزهر أشد حرصا علي ان يبلغ بحقيقة الاسلام لكل من يقصد بابه.