اعتدنا أن نستمع الي صوت واحد هو صوت المسئولين في الدولة, لنتعرف علي الإنجازات في مجالات الإصلاح السياسي والاقتصادي, ومع اعتيادنا علي الاستماع الي جانب واحد, تصور كثيرون أن الإصلاح يتم بناء علي رؤية أحادية دون مشاركة من المواطنين أصحاب البلد وأصحاب المصلحة في الإصلاح, والمفروض أن يكون رأيهم مؤثرا في السياسات والقرارات وأولويات الإصلاح والحكم علي ما تحقق منه..
وأخيرا جاءت مبادرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية بإجراء استفتاء عن اتجاهات الرأي العام ومدي الشعور بالرضا عما تم في مجالات الإصلاح, وما يجب عمله لترشيد القرار, وقد شارك في إجراء هذا الاستفتاء مركز المعلومات بمجلس الوزراء, مما يعني أن الحكومة أصبحت مدركة لضرورة الاقتراب من الناس والاستماع إليهم والتجاوب مع الرأي العام كما يحدث في الدول الديمقراطية.. ويبدو من نتائج هذا الاستفتاء أن هناك اختلافات واضحة بين رؤية المسئولين ورؤية الناس لما تحقق في مجالات تتعلق بحياتهم وبمستقبل أبنائهم.. فالمسئولون يعلنون عن إنجازات كثيرة, أولها: انخفاض الأسعار والسيطرة علي الأسواق ومحاربة الاحتكار وجشع التجار, وتحسن مستويات المعيشة, وتطوير التعليم, وتحسين خدمات العلاج والرعاية الصحية, وبناء المساكن لمحدودي الدخل, والعمل علي خفض البطالة, وتوفير الحماية للطبقة الوسطي, ومد شبكة الأمان الاجتماعي للفقراء.. بينما يري المواطنون أن ذلك لم يتحقق علي النحو الذي يتحدث عنه هؤلاء المسئولون, وأن أولويات الحكومة متجهة الي رجال الأعمال والي الخصخصة, وأولويات الناس هي البطالة, والغلاء, وتدهور مستوي التعليم والعلاج, واحتياجاتهم الإنسانية للمياه النظيفة والصرف الصحي والمسكن, وزيادة الاهتمام بمشكلة الفقر والفقراء.
وفي هذا الاستفتاء الذي أشرفت عليه الدكتورة نجوي حافظ سؤال: ما هو الدور الذي تتمني أن يقوم به مجلس الشعب؟ وهو سؤال يكشف بشكل غير مباشر عن رأي الناس في مجلس الشعب, وكانت إجابة62% أن يكون مجلس الشعب في خدمة مصالح الشعب فعلا, وقال21% أن يكون له دور أقوي في مساءلة الحكومة و34% قالوا أن تكون التشريعات التي تصدر عنه في مصلحة الشعب, و13% قالوا أن تدرس القوانين بدقة قبل الموافقة عليها.. وهذه الاجابات تكشف عن أن رأي الناس في أداء مجلس الشعب الحالي يختلف مع رأي المسئولين.
وسؤال آخر عن الدور الذي يجب أن تقوم به الأحزاب, كانت اجابة51% أن يكون للأحزاب وجود بين الناس وتحل مشكلاتهم, وقال38% أن تقوم بدور في محاربة الفساد والغريب أن16% أجابوا لا أعرف وفي هذه الاجابات ما يدل علي أن الناس لا تشعر بالرضا عن الأحزاب ولا تشعر بأن لها حضورا وفاعلية في حياتهم.
وعن الرأي عما يجب أن تكون عليه علاقة الحكومة بالمواطنين قال52% أن تهتم بمشكلاتنا أكثر, وقال42,8% أن تكون هناك ثقة أكبر بينها وبين الشعب, وتراوحت الاجابات بعد ذلك بين العمل علي خفض الأسعار, وتوفير فرص عمل, واحترام آدمية الإنسان المصري في وطنه.
أما بقية الأسئلة والاجابات فلا تخرج عن هذا السياق الذي يدل علي عدم الرضا ووجود فجوة بين الحكومة والناس, والشعور بأن تحقيق مطالبهم لن تتحقق في المدي القصير, ولن تتحقق قبل فترة لا تقل عن خمس سنوات, وقد تصل الي عشر سنوات, وهذا يعني أن الناس تشعر بأن عملية الإصلاح لا تسير بالسرعة المطلوبة.
وكان الرأي العام في قضايا السياسة الخارجية مؤيدا لتوجهات السياسة المصرية في استمرار الدور المصري لرأب الصدع العربي والعمل علي توحيد العرب, واستمرار السلام مع إسرائيل, وأن تكون علاقات مصر والولايات المتحدة في المرحلة المقبلة أقوي مما كانت عليه في السنوات الماضية, وإن كانت نسبة لا يستهان بها(38,5%) قالوا: هي كده كويسة.
في هذا الاستفتاء مؤشرات في غاية الأهمية يجب أن تكون أمام مؤسسات الدولة المشاركة في صنع السياسات, خاصة أن الجهتين اللتين قامتا بإجرائه لهما قدر كبير من الموضوعية, مما يجعل في نتائجه انعكاسا لآراء شرائح اجتماعية مختلفة وأعمار بين18 و60 سنة من الذكور والإناث ومن مهن ومجالات مختلفة فيهم أطباء ومهندسون ومحامون ومدرسون وأساتذة جامعات ورؤساء مجالس إدارات, وفيهم أصحاب وظائف متوسطة وتجار وفلاحون وعمال وعاطلون عن العمل وطلبة وربات بيوت وأصحاب معاشات, ومما يؤكد الثقة في مصداقية هذا الاستفتاء وأنه يمثل المجتمع المصري, وأنه يفيد في التعرف ـ بالأسلوب العلمي وليس بالانطباعات الشخصية ـ علي مدي التطابق بين القول والفعل, ولاشك أن مسار العمل الوطني سيكون أفضل كلما اعتمد علي الأسلوب العلمي لمعرفة ما يريده وما لا يريده الناس, وكلما كانت القرارات والسياسات متجاوبة مع الرأي العام كان ذلك ضمانا لاستمرارها ونجاحها لأن الاصلاح لا يتم بالحكومة وحدها ـ مهما كانت كفاءتها ـ وانما يتم بتعاون الناس وثقتهم في أن هذا الإصلاح لصالحهم وليس لصالح فئة معينة.. فالإصلاح ينجح عندما يكون للناس وبالناس.