بماذا يحلم المصريون

 بعض الحكومات تحدد المشاكل والأولويات علي أساس الانطباعات والآراء الشخصية‏,‏ وبعضها الآخر يحددها بناء علي دراسات علمية يجريها الخبراء بالنزول إلي الشارع واستطلاع آراء الناس بطريقة منهجية بحيث لا يقول أحد إن الناس يريدون كذا وهو جالس علي مقعده الوثير في الغرف المكيفة‏..‏ وهذا ما فعله المركز القومي للبحوث الاجتماعية حين قام بتشكيل فريق بحث من كبار خبرائه في البحوث الاجتماعية واستطلاعات الرأي العام بإشراف الدكتورة نجوي حافظ للتعرف علي رؤية المصريين في عشرين محافظة لمشاكلهم ولأولياتها‏,‏ ورأيهم في إمكان تحقيق أحلامهم‏,‏ ونظرتهم إلي هذه الأحلام ذاتها‏,‏ هل هي أحلام يقظة أم هي مصدر للطاقة وللعمل‏,‏ بحيث تكون أحلام اليوم هي حقائق الغد؟

كانت النتائج كما يلي‏:98,5%‏ قالوا إنهم يحلمون بأن يكون الغد أفضل من اليوم‏,‏ و‏55%‏ قالوا إن الحلم من وجهة نظرهم أمل في المستقبل‏,‏ و‏39%‏ قالوا إنه تعبير عن الرغبة في التغيير‏.‏

وهذا يعني أن الناس مشغولة بالمستقبل‏,‏ وأن تفكيرهم فيه تفكير واقعي وليس خياليا‏,‏ فلا هم يحلقون في السماء ولا هم يطلبون المستحيل‏..‏ وحين سئلوا عن العوامل التي تجعلهم يشعرون بالقلق علي الغد‏,‏ قال‏51%‏ ارتفاع الأسعار‏,‏ وقال‏40,5%‏ المرض‏,‏ وقال‏27%‏ منهم الفقر والبطالة‏,‏ وقال‏15%‏ فقدان الأمن‏,‏ وقال‏3,8%‏ إنهم يخشون ألا يجدوا سكنا لهم ولأولادهم‏..‏ وحين سئل كل منهم‏:‏ متي تشعر بالاطمئنان؟‏..‏ قال‏42,5%‏ عندما تتحسن ظروف البلد‏,‏ وقال‏25,2%‏ عندما تتحقق العدالة‏,‏ وقال‏23,3%‏ عندما تتوافر رعاية صحية جيدة‏,‏ وبطبيعة المصريين فإن أهم ما يحلمون به‏:‏ الستر والصحة‏.‏

كان السؤال‏:‏ ما هي الأحلام التي تتمني تحقيقها؟‏..‏ وكانت إجابة‏56,9%‏ أن أكون مستورا وقال‏41,4%‏ أن أعيش بصحة جيدة‏,‏ وقال‏36,5%‏ أن يكون أولادي حولي‏..‏ ولم يحلم بالثروة والغني سوي‏13%,‏ كما لم يحلم بأن يمتلك بيتا سوي‏9,2%,‏ كما لم يحلم بوظيفة متميزة أو بمنصب سوي‏12,8%‏ وقد يدل ذلك علي أن مستوي طموح المصريين محدود أو أن الأبواب ليست مفتوحة لكل الأحلام‏..‏ وقد يستدعي ذلك إلي الذهن قصة حلم أوباما بأن يصبح رئيسا للولايات المتحدة‏.‏

وأهم الأسئلة التي وجهها الباحثون كانت عن الأشخاص أو القوي التي يعتمد عليها الناس لتحقيق أحلامهم‏,‏ وكانت إجابة الأغلبية العظمي‏(77,5%)‏ أنهم يتركون تحقيق آمالهم وأحلامهم إلي الله‏,‏ وقال‏31,8%‏ فقط إنهم يعتمدون علي أنفسهم‏,‏ وقال‏1,5%‏ إنهم يعتمدون علي الدولة‏,‏ واعترف نصف في المائة بأنهم يعتمدون علي الواسطة‏..‏ وهذه نتائج تستحق وقفة من المسئولين عن تكوين الشخصية المصرية في الثقافة والتربية والتعليم والإعلام‏,‏ كما تستحق وقفة نتيجة السؤال عن الدور الذي يحلم المصري بالقيام به مع الناس‏,‏ فقد قال‏20%‏ إنهم لا يحلمون بالقيام بأي دور‏,‏ وقال‏7,7%‏ إنهم يريدون أن يكونوا دعاة للدين‏,‏ وقال‏5,8%‏ فقط إنهم يأملون في أن يكونوا أعضاء في جمعيات أهلية‏..‏ وهذا يشير إلي أن الرغبة في المشاركة المجتمعية والخدمة العامة محدودة جدا‏,‏ وأن الشعور الفردي والموقف السلبي لم يتم التخلص منهما‏.‏

ومما يدل علي انخفاض سقف الطموح إلي درجة مقلقة أن‏77,6%‏ قالوا إنهم لا يحلمون بالوصول إلي أي منصب و‏1%‏ فقط قالوا إنهم يرغبون في أن يكونوا أعضاء في حزب سياسي‏,‏ بينما‏1,4%‏ يحلمون بأن يكونوا من لاعبي كرة القدم‏..‏ أي أن لاعب كرة القدم يزيد في الأهمية لدي المصريين علي أعضاء الأحزاب بنسبة‏50%!‏

ومن اللافت للنظر أيضا‏,‏ أن السؤال عن كيفية تحقيق الأحلام في مصر أجاب‏45,2%‏ بأن الطريق للوصول هي العلاقات الشخصية‏,‏ وقال‏14,8%‏ إن الطريق للوصول هو الانضمام إلي الحزب‏..‏ ومن النتائج ذات الدلالة أن الغالبية العظمي‏(82,2%)‏ قالوا إنهم لا يرغبون في الهجرة‏,‏ وقال‏17,8%‏ إنهم يريدون الهجرة‏,‏ ومعظم هؤلاء‏(65,2%)‏ يريدون الهجرة إلي بلد عربي‏,‏ و‏20%‏ يريدون الهجرة إلي بلد أوروبي‏,‏ و‏8%‏ يريدون الهجرة إلي أمريكا‏..‏ وعن أسباب رغبتهم في الهجرة قال‏52,3%‏ إن فرص العمل في الخارج أكثر‏,‏ وقال‏47,7%‏ لأن الدخل أكبر‏,‏ وقال‏20,5%‏ لأن في هذه البلاد احتراما للإنسان‏!‏

ويدلنا هذا البحث علي أن أحلام المصريين لا تزيد علي الحد الأدني من ضرورات الحياة‏..‏ ففي الخدمات‏,‏ قال‏42,4%‏ إنهم يحلمون بمياه نظيفة للشرب‏,‏ و‏42,2%‏ يحلمون بإدخال الصرف الصحي‏,‏ و‏38,9%‏ يحلمون بمواصلات مريحة‏,‏ و‏38,2%‏ يحلمون بوصول الغاز الطبيعي إليهم‏(‏ قبل أن يصل إلي الناس خارج مصر‏).‏

أما عن التعليم‏,‏ فقال‏60%‏ إنهم يحلمون بتعليم حكومي جيد لأولادهم‏,‏ وقال‏0,7%‏ إنهم يريدون تعليم أولادهم في الخارج‏.‏

وأمام السؤال‏:‏ هل عندك أمل في تغيير مصر للأحسن في المستقبل؟‏..‏ قال‏69,2%‏ نعم إن لديهم أملا كبيرا‏,‏ وقال‏21%‏ إن لديهم أملا ضعيفا‏.‏

وإذا كان التفكير السياسي الرشيد والتخطيط للمستقبل يعتمدان علي حقائق الواقع‏,‏ وإذا كان هدفهما تلبية احتياجات الناس والتجاوب مع أحلامهم‏,‏ فإن هذا البحث يجب أن يكون موضوعا في أولويات مجالس الوزراء والشعب والشوري وبقية مؤسسات الدولة لكي يتم تحويل البوصلة في الاتجاه الصحيح بما يجسد الديمقراطية ويستجيب لإرادة الناس‏.

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف