سيناء مازالت تنتظر

ماتحقق في سيناء منذ تحريرها وإلي اليوم لايمكن إنكاره أو التقليل من حجم وأهمية مشروعات البنية الأساسية مثل كوبري السلام‏,‏ وخط سكة حديد وخط الغاز‏,‏ وتطوير ميناء العريش البحري‏,‏ ومطار العريش‏,‏ وخطوط الربط الكهربائي‏,‏ وخطوط نقل مياه النيل‏..‏ مشروعات كثيرة نفذت ولكن مع ذلك فإن ما لم ينفذ أكثر لأن سيناء تستحق ماهو أكثر وأكثر‏..‏ ومازالت سيناء تنتظر تنفيذ استراتيجية التنمية علي الأقل‏.‏

في تقرير لجنة الصناعة بمجلس الشوري عام‏2008‏ أن الحكومة لم تلتزم بقرار رئيس الجمهورية الخاص بالاعتداد بملكية المواطنين المصريين للأراضي في سيناء ممن يضعون أيديهم عليها منذ عشرات السنين‏,‏ وأن الحكومة لم تنفذ‏70%‏ من المشروعات المقررة للتنمية السمكية‏,‏ و‏66%‏ من مشروعات الصناعة والتعدين‏,‏ و‏83%‏ من مشروعات السياحة‏,‏ و‏95%‏ من مشروعات التنمية العمرانية‏,,57%‏ من مشروعات النقل والاتصالات‏,‏ و‏86%‏ من مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي‏,‏ و‏97%‏ من برامج البيئة‏,‏ و‏90%‏ من الخدمات التجارية والمصرفية‏.‏ ومعني ذلك أن المشروعات الموجودة علي الورق أكثر بكثير من المشروعات الموجودة الآن علي الأرض‏,‏ وأن التعبير عن الأهمية الاستراتيجية لتنمية سيناء‏,‏ وتكرار القول بأن هذه التنمية مسألة أمن قومي مثل جذب ثلاثة ملايين مواطن مصري للحياة فيها لاتزال تعبيرا عاطفيا بأكثر مما هو تعبير بالعمل والتغلب علي الصعوبات‏.‏

وفي التقرير أيضا أن العمل توقف في مشروع ترعة السلام بسبب الأخطاء في تحديد مسارها وعدم وجود التمويل اللازم للترع الجانبية‏,‏ ولكي تتم زراعة‏275‏ ألف فدان من مياهها في المنطقة الساحلية وان تستوعب مليونا ونصف مليون مواطن لكن ذلك لم ينفذ‏,‏ كما توقف العمل في مشروع القطار بسبب عدم تحويل الحكومة لمساره المقرر من بئر العبد إلي رفح مما عرض الخطوط الحديدية للسرقة والتلف مع أنه تكلف‏800‏ مليون جنيه وقد توقف عند نقطة غير مأهولة‏.

وفي حديث محافظ شمال سيناء إلي الزميلين حسين فتح الله ومحمد هندي قال ان كل ماتم استغلاله من ترعة السلام لايزيد علي‏1%‏ وهذه الترعة تكلفت عشرات الملايين لكي تمر تحت قناة السويس‏,‏ وكان المفروض أن تصل إلي وسط سيناء لزراعة‏400‏ ألف فدان صالحة للزراعة لإحياء هذه المنطقة التي تزداد الهجرة منها لعدم وجود فرص للعمل‏,‏ ولكن ـ لسبب غير مفهوم ـ تغير مسارها‏,‏ وتم حفرها في منطقة شديدة الملوحة تحتاج إلي سنوات لغسلها‏,‏ وقال المحافظ أيضا إن القطاع الخاص كان نصيبه من خطة التنمية‏80%‏ لم ينفذ منها غير‏10%‏ فقط‏,‏ والحقيقة التي توصل إليها المحافظ من خلال معايشته للواقع أنه من الطبيعي أن تبدأ قاطرة الاستثمار بالحكومة‏.‏

وكان أهم ما قاله المحافظ في حديثه ان الشرطة لابد أن تراعي العادات والتقاليد السيناوية وأن البعض يغذي التفرقة بين مواطن سيناء ومواطن الوادي وهذه الملحوظة يجب ألا تمر دون وقفة لأنها في حقيقتها ليست موجهة للشرطة وحدها ولكن للحكومة كلها‏,‏ وللاعلام‏,‏ ولأجهزة الثقافة‏,‏ ومؤسسات التعليم الغافلة عن دورها في التربية الوطنية‏,‏ وتنمية الانتماء وازالة الحساسيات بين أبناء الوطن الواحد لوقاية الأجيال الجديدة من المخططات الشريرة‏.

وفي ندوة ادارها الدكتور محمد إبراهيم منصور مدير مركز الدراسات المستقبلية بمركز المعلومات بمجلس الوزراء تكشفت حقائق مثيرة منها الانفصال القائم بين البحوث والدراسات وبين التنفيذ‏,‏ فالدراسات كثيرة‏,‏ والحلول معروفة‏,‏ ولايطبق منها إلا القليل جدا‏,‏ وبرامج التنمية التي تنفذ لاتراعي طبيعة وتكوين أبناء سيناء‏,‏ وقد تم انشاء طرق جيدة ولكن لاتوجد وسائل المواصلات والأغرب من ذلك أنه لايوجد مأذون لتوثيق الزواج ولذلك لايزال الزواج العرفي سائدا في سيناء‏,‏ وكان المشروع القومي يستهدف انشاء‏10‏ مناطق صناعية ومناطق حرة لاستثمار الفحم والكبريت والرمال البيضاء والرمال السوداء والجبس وخامات الأسمنت والرخام الجرانيت والكاوليـن وغيرها من الموارد الطبيعية المتوفرة في ســيناء‏,‏ ولم تنفذ هذه المشروعات‏.‏

ومن المدهش ان ارسال التليفزيون المصري والاذاعة المصرية لايصل إلي سيناء إلا عن طريق الأقمار الصناعية بينما يصل ارسال القنوات والاذاعة الاسرائيلية علي الموجات‏.‏

ان دراسة الدكتور محمد منصور تلخص لنا قضية سيناء بأن سيناء التي ظلت علي مدي التاريخ ممرا للبشر ومعبرا للخطر‏,‏ وكان لموقعها تكاليفه الباهظة التي تحملها أبناء سيناء‏,‏ وحتي بعد تحريرها ظلت مشاريع التنمية رهينة احساس بالخطر لم يسلم منه مستثمر خاص أو مشروع عام‏,‏ ولذلك انطلقت في سيناء مشاريع ثم توقفت‏,‏ فضلا عن الهدر والاسراف والتبذير الذي لايتفق مع ظروف منطقة كابدت شظف العيش واقتصاد الحرب وندرة الموارد‏.‏ والخلاصة ـ كما توصل إليها الدكتور محمد منصور ـ أن جهود الدولة في تنمية وتعمير سيناء ظلت قاصرة عن إيجاد مجتمع سيناوي متماسك اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ومتكامل وطنيا‏.‏

وليس من المنطق ان تتأخر التنمية في سيناء إلي الدرجة التي تضع الشريحة الأكبر من سكانها تحت خط الفقر ويتراجع ترتيبها لتكون أقل محافظات مصر حظا طبقا لمعايير التنمية البشرية‏.‏

المصارحة بالواقع هي البداية للاصلاح وهما التعبير عن الشعور الوطني والحب الحقيقي لمصر‏,‏ ولسيناء الغالية‏..‏








 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف