المرأة فى مواقع القيادة

 اختار المجلس القومي للمرأة أن يكون مؤتمره الدولي الأول عن موضوع المرأة في مواقع القيادة,‏ وهذه القضية مثارة علي المستوي الدولي‏,‏ وليس في مصر وحدها‏.‏ وفي هذا المؤتمر قدمت دراسات ميدانية عن الواقع الحالي للمرأة المصرية في مجالات العمل والنشاط السياسي والاجتماعي‏,‏ وعن التحديات التي تواجه المرأة في هذه المجالات والتي تعوق تحقيق مبدأ المواطنة ومبدأ المساواة بين المواطنين دون تفرقة أو تمييز بسبب الجنس أو الدين‏,‏ وهما من أهم مباديء الدستور ومباديء حقوق الإنسان‏.‏


والقضية تتعلق بتحديث المجتمع وتطوير القيم والمفاهيم السائدة منذ عصور التخلف التي فرضت علي المجتمع المصري ما يخالف القيم الحضارية وروح الاسلام‏.‏ ومع ذلك فقد تحقق للمرأة المصرية تقدم كبير في السنوات الأخيرة‏,‏ وقد أذاع الجهاز المركزي للاحصاء أن المرأة تمثل‏24%‏ ممن يشغلون وظيفة مدير عام‏,‏ و‏40%‏ من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات‏,‏ و‏32%‏ من عدد السفراء بالخارجية المصرية‏,‏ و‏28%‏ من قيادات النقابات‏,‏ وأن المجالس المحلية زاد فيها عدد النساء في انتخابات‏2005‏ والتغير الجوهري الذي طرأ علي المجتمع المصري هو حسم الجدل الطويل الذي استغرق أكثر من نصف قرن حول صلاحية المرأة وقدرتها علي تولي القضاء‏,‏ فدخلت المرأة إلي أعلي محكمة في مصر وأصبحت مستشارا في المحكمة الدستورية‏,‏ ثم أصبحت تمثل‏24%‏ من عدد وكلاء ورؤساء النيابة الادارية‏,‏ ووصلت إلي درجة نائب رئيس الهيئة‏,‏ بل وصلت مرتين إلي منصب رئيس الهيئة‏(‏ بدرجة وزير‏),‏ أما في الاذاعة والتليفزيون فإن المرأة تشغل‏63%‏ من وظائف الإدارة العليا‏,‏ ووصلت أكثر من مرة إلي منصب رئيس التليفزيون ورئيس الاذاعة‏.‏


وخلال فترة قصيرة دخلت المرأة سلك القضاء الجالس‏,‏ وبلغ عدد القاضيات‏32‏ قاضية تجلس علي منصة الحكم‏,‏ واحدة منهن ترأس الدائرة الجنائية‏..‏ بالاضافة إلي عشرات الآلاف من النساء يمارسن مهنة المحاماة‏,‏ وبعضهن لهن شهرة أكبر من شهرة كثير من المحامين الرجال ولعلنا نذكر كيف كانت الاستاذة مفيدة عبد الرحمن محامية لا يشق لها غبار‏,‏ والدكتورة فوزية عبدالستار أستاذة لجيل من المحامين المشاهير الآن بل استاذة للعديد من القضاة‏..‏ بعد ذلك لم يكن غريبا أن تصل المرأة إلي منصب العمدة ورئيس القرية‏,‏ ثم إلي وظيفة المأذون الشرعي‏.‏


كل ذلك دليل علي أن المرأة ليست أقل كفاءة من الرجل في تولي المناصب العليا‏,‏ فهي الآن وزيرة في الحكومة‏,‏ ومساعدة للوزير‏,‏ ووكيلة وزارة‏,‏ وفي هذه المواقع تثبت جدارة تؤهلها إلي أن تطالب بحقوقها كاملة‏,‏ لانه إذا كان في المجتمع المصري تيار تقدمي يتبني القيم الحضارية التي نجد جذورها في شريعة الاسلام وفي التاريخ والحضارة الاسلامية‏,‏ فإن في المجتمع المصري تيارا آخر يعارض بصوت عال أن تحصل المرأة علي حقوقها التي كانت تحصل عليها في صدر الاسلام كما هو مسجل في كتب السيرة والأحاديث الصحيحة‏..‏ هذا التيار يختار من التراث الاسلامي أسوأ ما فيه من نتاج عصور التخلف والظلام حين سيطرت نزعات الاستبداد بصوره المختلفة‏,‏ وحين كان الظلم الاجتماعي مبررا بادعاء أنه ارادة الله وليس من ظلم البشر‏.‏


هذا التيار الرجعي لا يستهان به‏,‏ وأصحابه يرفضون رؤية ما يحدث من تطور في الفكر وفي الحياة‏.‏ فالمرأة المصرية تشغل منصب وكيل مجلس الشعب‏,‏ وتجلس علي منصة المجلس المسئول عن التشريع والرقابة علي أعمال الحكومة‏,‏ وهي تشغل في مصر موقع رئيس اللجنة التشريعية‏,‏ وهي اللجنة التي تناقش التشريعات التي تحكم المجتمع‏.‏ وفي العالم نماذج تؤكد مقدرة ونجاح المرأة في القيادة‏..‏ كانت انديرا غاندي رئيسة وزراء وزعيمة أكبر حزب في الهند‏,‏ وبناظير بوتو رئيسة وزراء وزعيمة أكبر حزب في باكستان‏,‏ وانجيلا ميركل تقود المانيا الآن‏,‏ ومارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا القوية كانت رئيس وزراء بريطانيا وزعيمة حزب غيرت مسار الاقتصاد البريطاني‏,‏ وأصبح أقوي اقتصاد في أوروبا وكان العالم يعرفها بلقب المرأة الحديدية‏,‏ وشغلت المرأة منصب وزير الحربية في فرنسا واسبانيا‏,‏ وليس هناك من يجهل مدي خطورة هذا المنصب‏,‏ وشغلت المرأة منصب وزير العدل في فرنسا‏,‏ وهو أيضا منصب لا يجهل أحد خطورته‏,‏ ولا أنسي ما رأيته في اسبانيا منذ سنوات حيث وجدت رئيس مجلس النواب امرأة‏,‏

وكذلك كانت رئيس مجلس الشيوخ امرأة‏,‏ وعدد كبير من الوزراء من النساء‏,‏ وأمامنا مفوضة الاتحاد الأوروبي امرأة وأكثر من رئيس وزراء ورئيس دولة في أوروبا من النساء‏.‏

ومع كل ما وصلت إليه المرأة المصرية فإنها مازالت تناضل من أجل الوصول إلي مواقع القيادة وصنع القرار‏..‏

المرأة المصرية اليوم سيدة أعمال ناجحة في السوقين المحلية والخارجية‏,‏ وفي مصر للطيران أكثر من‏14‏ كابتن تقود الطائرات إلي جميع أنحاء العالم‏..‏ فإذا كانت المرأة قادرة علي قيادة طائرة‏..‏ فكيف لا تصلح للقيادة في أي موقع آخر؟

المناقشات والدراسات التي تناولها هذا المؤتمر جديرة بالاهتمام‏,‏ لأن حرمان المرأة من الحق في العمل في مختلف المواقع هو في الحقيقة حرمان للمجتمع من نصف طاقة الانتاج والتنمية والتقدم‏.‏ وإن كانت المرأة قد حققت قدرا لا يستهان به من هذه الحقوق فلاتزال هناك أبواب ومجالات مغلقة أمامها بحجة عدم القدرة أو عدم الصلاحية وهي حجة ثبت بالدليل العملي عدم صحتها‏,‏ كما ثبت عدم صحة الادعاء بأن الاسلام دين يميز بين خلق الله ويحرم نصف خلقه مما يسمح به للنصف الآخر‏,‏ والله خلق البشر متساوين في المواهب والذكاء‏,‏ والدراسات العلمية تؤكد ذلك‏.

اذا كنا نشكو من أن مفكري الغرب يرددون في هجومهم علي الاسلام أن شريعته تجعل للمرأة في كل الأحوال نصف نصيب الرجل في الميراث‏,‏ وينطلقون من ذلك إلي ان الاسلام يظلم المرأة ويسلبها حقها الطبيعي الذي تكفله حقوق الانسان‏,‏ إذا كنا نلتمس العذر لمن يجهل حقيقة الاسلام ـ فماذا نقول عن المسلمين ـ وبعض العلماء ـ الذين يكررون هذه الفرية؟‏!.‏ هي فرية لأن شريعة الإسلام إذا كانت تعطي المرأة نصف ميراث الرجل في حالة‏,‏ فإنها تساوي بينها وبين الرجل في حالة أخري‏,‏ وتعطيها ضعف الرجل في حالة ثالثة‏,‏ وفي حالة رابعة ترث المرأة ولايرث أحد من الرجال‏!..‏ هذه الحقيقة مقررة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا‏,‏ فكيف تخفي علي البعض الي اليوم؟‏!‏ وللدكتورة زينب رضوان دراسة مفصلة عن المواريث تشير الي أن الاسلام في تحديد الأنصبة في المواريث يراعي اعتبارات لا دخل للذكورة والأنوثة فيها‏,‏ والاسلام هو الذي أنصف المرأة بعد أن كانت محرومة من الميراث في الجاهلية ويحصل الرجال علي الميراث كله‏,‏ والدليل علي انصاف الاسلام للمرأة أن القرآن والسنة حددا حق ثمان من النساء في الميراث أربعة من الذكور‏,‏ وهؤلاء هم الذين يسمون في الفقه أصحاب الفروض والنساء هن‏:‏ الأم والجدة والزوجة والابنة وابنة الابن والأخت الشقيقة والأخت من الأب والأخت من الأم‏..‏ والرجال هم‏:‏ الأب والجد والزوج والأخ للأم وكان محروما من الميراث قبل الاسلام لأنه ينتمي الي المرأة فقررت شريعة الاسلام مساواة الأخ من الأم بالأخ من الأب‏.‏ تحصل المرأة علي نصيب مساو للرجل بالنسبة للأخوة من الأم‏.‏ وتحصل علي نصيب أكبر من الرجل إذا كانت هي ابنة المتوفي وكان الرجل شقيق المتوفي‏.‏ ففي هذه الحالة تحصل علي نصف التركة إذا كانت واحدة‏,‏ وإذا كانتا اثنتين أو أكثر فلهن الثلثان وللزوجة الثمن وللأم السدس وللأب ايضا السدس‏,‏ هنا يرث الرجل مثل المرأة والباقي للعم أو الأعمام وبذلك يكون نصيب الانثي‏(‏ الابنة‏)‏ أكبر بكثير من نصيب الرجل الأخ الشقيق‏.‏ وتتساوي في الميراث الجدة للأم مع الأب مع أن صلتها بالمتوفي أبعد‏,‏ مما يدل علي اكرام الاسلام للمرأة‏.‏ وتتساوي الأخت لأم مع الأخ الشقيق مع أنها أبعد قرابة منه‏.‏ ومن حكمة التشريع الاسلامي أن يكون للأصغر سنا نصيبا أكبر من الميراث لأن حاجته للمال أكثر‏,‏ لذلك نجد أن نصيب الابنة أكبر من نصيب الجد وهي انثي وهو ذكر‏,‏ فلها النصف إن كانت واحدة والثلثان ان كانتا اثنتين أو أكثر‏,‏ أما الجد فنصيبه السدس فقط‏,‏ ونجد نصيب الابن أكبر من نصيب الجد وكلاهما ذكر‏.‏ وإذا توفيت المرأة ترث الابنة نصف التركة ويرث الزوج الربع‏,‏ فالانثي في هذه الحالة لها ضعف الرجل‏.‏ أما الحالة التي ترث فيها الانثي نصف الذكر‏,‏ ففي حالة توزيع الميراث بين الأخوة وفي حالة وفاة الابن غير المتزوج وليس له أولاد يكون للأب الثلثان وللأم الثلث‏.‏ وإذا ماتت الزوجة يرث الزوج النصف وإذا مات الزوج ترث الزوجة الربع وفي حالة وجود أبناء يرث الزوج الربع وترث الزوجة الثمن والحكمة من ذلك ان الرجل هو المكلف شرعا بالنفقة كاملة علي المرأة وليس علي المرأة ان تتحمل أي أعباء مالية‏.‏ ولذلك نجد أن المرأة ترث نصيبا مساويا للرجل في الحالة التي لايكون فيها علي الرجل أعباء مادية تجاه المرأة وكذلك في حالة الأخوة من الأم فإنهم يرثون السدس لكل من الذكر والانثي‏,‏ فإن كانوا أكثر من ذلك فإنهم جميعا يرثون الثلث علي التساوي ثم يرد الباقي اليهم‏,‏ والحكمة في المساواة بين الرجال والنساء في هذه الحالة أن هؤلاء الرجال غير ملزمين بالنفقة علي الاخت من الأم وانما النفقة علي الرجال من أقاربها من الأب وليس علي أقاربها من الأم‏.‏ والتفصيلات كثيرة في دراسة الدكتورة زينب رضوان وخلاصتها أن القول بأن نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ليس في كل الحالات وأن تحديد نصيب كل من الرجل والمرأة تراعي فيه الشريعة الاسلامية اعتبارات ليس من بينها الذكورة والأنوثة‏,‏ فالمرأة ترث مثل الرجل في حالة ميراث الأم مع الأب ووجود ابن ذكر وزوج‏.‏ فللأب السدس وللأم السدس ايضا‏.‏ ويتساوي في الميراث الأب والأم مع وجود زوج وبنت واحدة‏,‏ فلكل منهما السدس ويتساوي الأب مع الأم في حالة وجود بنتين‏.‏فلكل منهما السدس ايضا‏.‏ ويتساوي الذكر والأنثي فتحصل الجدة علي نصيب مثل الأب مع أنها جدة لأم وهي في القرابة أبعد من الأب فتحصل الجدة‏(‏ أم الأم‏)‏ علي السدس مثل الأب‏.‏ كذلك تحصل المرأة علي نصيب مساو لنصيب الرجل في حالة الاخوة من جهة الأم وتتساوي ايضا بالرجل عند انفراد أحدهما بالتركة‏,‏ فإذا كان للميت وريث واحد من الرجال أو واحدة من النساء فله ـ أولها ـ كل التركة سواء كان هو الأب أو الأم أو الابن أو الابنة أو الأخ أو الأخت أو الزوج أو الزوجة أو العم أو الخال‏..‏ وتتساوي الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق‏,‏ فإذا ماتت امرأة فلزوجها النصف ولابنها الوحيد النصف فإذا تركت ابنة وحيدة فلها النصف‏,‏ وبذلك تتساوي الانثي مع الذكر‏.‏ ولمن يريد المزيد يمكنه الرجوع الي كتب المواريث والي دراسة الدكتورة زينب رضوان التي تكشف ما تتعرض له الشريعة الإسلامية من اتهامات ظالمة‏.‏‏





 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف