الشائع في الثقافة الشعبية أن المرأة تساوي نصف الرجل في الميراث وفي الشهادة أمام القضاء وفي كل شيء, وذلك بسبب التفسيرات التي يتبناها بعض رجال الدين من أصحاب الصوت العالي, ومن شيوخ الفضائيات الذين يبالغون في التشدد ويرون أن ذلك يظهرهم أمام المشاهدين والمستمعين وكأنهم الأكثر ورعا والأشد حرصا علي العقيدة.
علي الجانب الآخر نجد دائما من أهل الرأي والفتوي من لا يساير هذا التيار, ولا يبحث لنفسه عن الشهرة أو الشعبية أو المال الذي يتدفق علي المتشددين من أكثر من مصدر في الداخل والخارج لأسباب لا صلة لها بالدين والتقوي ولكن لها مآرب أخري في الدنيا, ويوما ما سوف ينكشف المستور!
والدكتورة زينب رضوان لها تفسيرات واجتهادات تجعلها من المجددين للفكر الديني, وهي بعلمها وامتلاكها لمناهج البحث في الفقه مؤهلة لذلك, كما أنها نموذج لكفاءة المرأة في مجالات التفسير والبحث في الفقه وأصول الدين, وفي السير علي الطريق الذي بدأته السيدة عائشة أم المؤمنين في عهد الرسول, وكانت السيدة نفيسة من أبرز الأمثلة علي تفوق المرأة واستحقاقها لمقعد الاستاذ في الفقه والشريعة.
في بحث للدكتورة زينب رضوان تناقش الرأي السائد بأن شهادة المرأة لا تساوي شهادة الرجل وتنتهي الي ان هذا الحكم جاء في حالة واحدة هي الشهادة في الديون, ففي سورة البقرة الآية282 تقرر مبدأ كتابة الدين, وأن يقوم بذلك كاتب وليس أحد المتعاقدين, وأن المدين هو الذي يملي علي الكاتب مقدار الدين وشروطه وأجله, وإن كان المدين سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل يتولي القيم عليه الاملاء نيابة عنه, ثم تقرر الآية وجوب شاهدين علي العقد ممن يرضي طرفا العقد بشهادتهما من الرجال فإن لم يتيسر فتكون الشهادة لرجل وامرأتين.
يستدل المتشددون من هذه الآية علي تفضيل الرجال علي النساء في الشهادة, بينما تقديم الرجال لأنهم في ذلك الوقت كانوا هم الذين يمارسون الأعمال التجارية ولديهم الخبرة في وثائق الديون وغيرها من المعاملات المالية, وخبرة الرجل في هذه المجالات أكبر من المرأة ـ ليس بسبب طبيعتها كامرأة ولكن بسبب طبيعة المجتمع ودرجة تطوره في ذلك الوقت, أما أن تكون الشهادة لرجلين أو لرجل وامرأتين فقد أوضحت الآية السبب: أن تضل إحداهما فتذكر إحداها الأخري وذلك لقلة خبرة المرأة بمثل هذه التعاقدات قد لا تستوعب دقائق العقد وملابساته, فلا تؤدي شهادة دقيقة فتحتاج الي الاخري لتذكرها.. ولدقة اللفظ القرآني فإن الآية تشير الي أن النسيان عارض قد يطرأ علي بعض النساء وليس علي كل النساء وبسبب نقص الخبرة وليس بسبب طبيعة المرأة, والآية تشير الي ان المرأة كانت أمية وشهادتها قائمة علي تذكر ماهو مدون في العقد ولذلك جاء الحكم لضمان أن ماورد فيه مطابق لما سمعته الشاهدة عندما أملاه المدين, ولو كانت المرأة تجيد القراءة والكتابة لكان توقيعها علي العقد دليلا علي صحة مافيه, بينما تقبل شهادة الرجل الأمي لأنه كان الأقرب الي مجتمع التجارة والمعاملات المالية من المرأة.
فشهادة رجلين أو رجل وامرأتين حكم مقصور علي كتابة الديون وأداء الشهادة عنها, ولم يرد في الأحاديث الصحيحة أو في أحكام الصحابة الصحيحة أو من الآيات القرآنية مايفيد عموم هذا الحكم بمعني ان شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل في كل الأحوال بل إن الآيات لا تفرق في الحالات الأخري بين شهادة المرأة وشهادة الرجل, وهذا ماجعل ابن القيم يقول إن النصوص القرآنية والآثار النبوية لا تقيد شهادة المرأة وإن شهادتها تصح في جميع الشئون واستند ابن القيم الي ماجاء في الآية الثانية من سورة الطلاق: وأشهدوا ذوي عدل منكم والآية106 من سورة المائدة: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم والمتفق عليه ان كل خطاب بصيغة الجمع المذكر في القرآن يشمل المؤمنين والمؤمنات إذا لم يكن فيه تخصيص مما يعني ان شهادة امرأتين هي شهادة تامة, وفي ضوء ذلك تكون شهادة المرأة كشهادة الرجل في كل الأحوال ـ فيما عدا حالة واحدة جاءت بالنص الصريح ـ بل إن الآيات ليس فيها استثناء للمرأة في الشهادة في الجرائم والحدود ففي الآية(15) من سورة النساء: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وفي الآية الرابعة من سورة النور: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء.. وهناك وقائع كثيرة في الشئون المالية وغير المالية تقع مفاجأة ومصادفة ولا يكون شاهدا عليها الا امرأة أو امرأتان, وعدم الاخذ بشهادة الواحدة أو الاثنتين قد يؤدي الي ضياع الدليل علي جريمة, أو الي عدم التحقق من حالة شرعية.. وليس في القرآن ولا في السنة الصحيحة مايمنع من الأخذ بشهادة المرأة أو الاثنتين لأن حكمة الله أعظم من الرضا بضياع حق أو جريمة أو حالة شرعية لمجرد أن الشاهد امرأة أو امرأتان, وقد قال الامام الشافعي إن الحكم بشاهد واحد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن, وبهذا قضي أبوبكر وعلي وعمر بن عبدالعزيز وجمهور السلف والخلف ومنهم مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وابن حنبل, وقد قبل الرسول صلي الله عليه وسلم شهادة امرأة واحدة حين تزوج عقبة بن الحارث من أم يحيي بنت أبي إهاب فجاءت امرأة وقالت: لقد أرضعتكما فقضي النبي بعدم صحة الزيجة وتزوجت ام يحيي برجل آخر.
مثل هذه الآراء بأسانيدها الا تستحق مناقشتها في مجمع البحوث الاسلامية في مصر والمجامع الفقهية في الدول الإسلامية؟