تجديد الفكر الإسلامى

 هل الاسلام يعادي الحداثة والحضارة والتعددية في الفكر أو في الفقه والسياسة‏..‏؟ وهل يحرض المسلمين علي العنف؟ وهل التعصب من لوازم الاسلام والمسلمين‏,‏ وهل العالم الإسلامي هو الذي يضخ الإرهاب ـ مع البترول ـ ويصدرهما الي الغرب؟

مثل هذه الأسئلة تتردد في كتابات غربية كثيرة وتعمق في الذهن الغربي تصورات مغلوطة‏,‏ وتقدم صورة مشوهة عن الاسلام والمسلمين‏,‏ ولاتزال المؤسسات الإسلامية علي تقصيرها أمام روح الكراهية والعداء في الثقافة والإعلام في الغرب‏,‏ ولايزال تقصيرها في تجديد الفكر والفقه‏,‏ لأن تغيير الصورة يستلزم تغيير الأصل أولا‏..‏ فالسؤال هو‏:‏ كيف ومتي يتحرر المسلمون من ثقافة الخرافة والتخلف والاستبداد‏,‏ وكيف يمكن ايقاظ الضمير واستعادة كرامة الانسان في العالم الإسلامي‏,‏ وكيف يلتزم المسلمون بروح الإسلام ويحيون حياة الفضيلة والأمانة والصدق والقيم العليا التي أمرهم بها الله؟ ومتي يؤمن المسلمون بأهمية الاحتكام الي العقل والمنطق؟

ولا شك أن دعوة الاسلام قائمة علي احترام العقل وقبول الاختلاف في التفكير والاجتهاد‏,‏ والتسامح بين المختلفين في اجتهادهم واعتبار اختلافهم رحمة‏..‏ ولأن فقهاء الزمن الأول كانوا يعرفون ذلك فقد وضعوا تعريفا للفقه يؤكد الايمان بالعقل‏,‏ وحرية الفكر‏,‏ فقالوا إن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها مستنبط بالرأي والاجتهاد وقائم علي النظر والتأمل‏..‏ ومعني ذلك أن الفقه اجتهاد وعمل بشري يمكن اعادة النظر فيه ومراجعته وتعديل مايري العقل والمنطق وظروف العصر تعديله‏,‏ وهذا ماطالب به الرسول صلي الله عليه وسلم حين سأل معاذ بن جبل قبل أن يسافر الي اليمن للافتاء‏:‏ ماذا تفعل في قضية لم تجد حكمها في كتاب الله؟ فأجاب معاذ‏:‏ أرجع الي سنة الرسول فإن لم أجدها أجتهد رأيي ولا آلو‏.‏ وهذا يعني أن هناك قضايا ستجد للمفتي والفقيه لا يكون القرآن والسنة قد تعرضا لها‏,‏ ويكون علي الفقيه أن يستخدم العقل ليفصل فيها‏..‏ ومعني ذلك أيضا أن باب الاجتهاد مفتوح‏,‏ وتجديد الفكر والفقه هو الاستجابة الطبيعية لتطور الحياة والمجتمع‏,‏ ولكل عصر ولكل مجتمع قضاياه ومشاكله‏.‏

وكان الفقهاء الكبار الأوائل يدركون ذلك وتتعدد اجتهاداتهم دون أن يكفر أحدهم الآخر‏,‏ ولم يكن أحد منهم يدعو الي الجمود أو التطرف والتشدد‏,‏ بل إن واحدا من كبار الفقهاء‏(‏ نجم الدين الطوقي الحنبلي‏)‏ له فتوي قال فيها‏:‏ إذا تعارض النص مع المصلحة قدمت المصلحة علي النص‏,‏ وعندما قيل له‏:‏ هذا افتئات علي النص قال‏:‏ المصلحة أقوي أدلة المشرع الحكيم‏..‏ وهذا ليس اجتهادا يعارض النص‏,‏ بل هو اجتهاد في فهم النص‏.‏

ولابد أن نضع في اعتبارنا أن الاسلام ينتشر في أنحاء العالم علي الرغم من العداء الذي يلاقيه وعلي الرغم من ضعف الدول والشعوب الاسلامية‏,‏ ولابد أن يراعي الفقه ظروف المسلمين الجدد في الغرب والشرق ودرجة التحضر والتقدم في مجتمعاتهم‏,‏ والقضايا والمشاكل التي يطلبون رأي الاسلام فيها‏,‏ وهي قضايا ومشاكل مختلفة عما يواجه المسلمون في بلادهم‏..‏ ولابد أن تكون تعاليم الاسلام برفض العنف والاكراه والإرهاب واضحة جدا امام الغرب‏,‏ وكذلك تأكيده الحرية الدينية والكرامة الانسانية‏,‏ وكما كان الداعية الراحل خالد محمد خالد يقول فإن الاسلام كالمصباح يمكن أن نشعل به حريقا‏,‏ ويمكن أن نضئ به الظلام‏..‏ وفي النهاية فإن الاسلام ضد الجمود والخمود وضد حالة الاستسلام التي عليها كثير من المسلمين‏..‏ ولابد من التفرقة بين أحداث في العالم الإسلامي تعبر عن الكبت السياسي‏,‏ وتدعي أنها غيرة علي الدين‏,‏ وبين التطرف الديني الذي يمثل انحرافا عن الاسلام ناتجا عن السطحية والقصور في فهم الدين‏..‏ فالدين عند البعض تقوي واستقامة أخلاقية وحافز للعمل للدنيا والآخرة‏,‏ وعند البعض الآخر جهالة ودافع للجريمة‏..‏ وعندما يفتقد الشباب الثقافة الاسلامية الصحيحة التي تعصمهم من الانحراف فمن السهل ان يقعوا في الغواية والانحراف بعيدا عن الدين ويقعوا في حبائل التدين الزائف‏,‏ أو في الغلو في العبادة مخالفين بذلك أمر الرسول إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ورفضه لما عزم عليه أحد الصحابة بأن يصلي ويصوم الدهر كله‏,‏ وهذه الثقافة الاسلامية هي التي تحمي الشباب من أن يقع في فخ تكفير المسلمين‏,‏ والرسول نهي عن الحكم بالكفر علي مسلم حتي ولو ارتكب معصية من الكبائر‏.‏ وكان يقول للمتشددين‏:‏ كل بني آدم خطاء ويقول‏:‏ كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه‏.‏

الفقه الذي يحتاجه المسلمون في هذا العصر هو الفقه الذي يدفعهم الي العمل والاتقان والتفوق تلبية لدعوة الرسول المؤمن القوي خير وأحب الي الله من المؤمن الضعيف‏..‏ وهو الفقه الذي يحرر المرأة ـ الأم والابنة والزوجة ـ ويدعو الي انهاء عزلتها عن المجتمع ويقنع برفض الدعوة الي اعادتها مكبلة بالنقاب في سجن الحريم وحرمان المجتمع من جهد وفكر نصف طاقته لمخالفة ذلك لأمر الله‏..‏ وهو الفقه الذي يرفض الأفكار والادعاءات التي فرقت المسلمين وغرست الخلافات والعداوات بينهم خلافا لأمر الله وأن هذه أمتكم أمة واحدة‏,‏ وهو الفقه الذي لا يحول الأطماع والخلافات السياسية الي خلافات دينية‏,‏ ويفرق بين الحكم بالكفر والايمان‏,‏ والحكم بالخطأ والصواب بين ماهو إلهي وما هو بشري‏,‏ وبين ماهو من عرض الدنيا وما هو من جوهر الدين‏..‏ باختصار نحتاج الي الفقه الذي لا يشغل المسلمين بسفاسف الأمور‏,‏ ويجعلهم أكثر قوة وتقدما وينظرون الي الامام أكثر مما ينظرون الي الخلف‏,‏ ويعملون للبناء‏,‏ وليس للهدم‏,‏ للتعمير وليس للتخريب‏,‏ للحياة واحترام كرامة الانسان كما كرمه الله‏.‏





جميع الحقوق محفوظة للمؤلف