فلنبدأ من جديد

هناك قاعدة يرددها العلماء عندما تختلط عليهم الأمور وتغيم الرؤية تقول‏:‏ عندما تضل طريقك عليك أن ترجع الي نقطة البداية وتبدأ من جديد .‏ وهذه القاعدة يحتاج المسلمون إلي تطبيقها في علاقاتهم مع إخوانهم في الدين‏,‏ ومع العالم الخارجي حتي يخرجوا من التيه الذي ورطوا أنفسهم فيه ولا يضلوا الطريق الصحيح بعد ذلك‏.‏

فالمسلمون يشعرون بالظلم تحت وطأة الحروب التي تشنها الأطماع الاستعمارية‏,‏ ويرون أن الغرب يستهين بهم وبحقهم في الاستقلال والحرية والحياة الآمنة في أوطانهم التي تنتهك بالهيمنة والاغتصاب‏,‏ ونتيجة للإحباط والغضب تصور بعض المسلمين أن الإرهاب هو سلاح الضعفاء والمظلومين لإسماع صوتهم للعالم‏,‏ واعتقد بعضهم أنهم نجحوا في ذلك بعملياتهم التي دمرت وقتلت أعدادا من الأبرياء ليسوا طرفا في هذا الصراع‏,‏ وبحساب الربح والخسارة خسر الإسلام والمسلمون جميعا من هذه العمليات الارهابية‏,‏ لأنها قدمت المبرر لأعداء الإسلام‏,‏ وللطامعين في القضاء علي مصادر القوة في العالم الإسلامي لفرض مزيد من القيود والضغوط علي المسلمين‏,‏ ولشن حملة للإساءة إلي الإسلام ذاته والادعاء بأنه دين يحرض أتباعه علي العدوان العشوائي والاستهانة بالحياة الانسانية‏,‏ ثم أصبح هذا الارهاب حجة لغزو وتدمير بلاد إسلامية واحتلالها‏,‏ وفرض الوصاية والضغوط وتوجيه التحذيرات والتهديدات الي بلاد أخري‏..‏ وفقد الآلاف من المسلمين أرواحهم في هذا الصراع مع العدو الخارجي‏,‏ وآلاف أخري فقدوا أرواحهم نتيجة اتهامهم في إسلامهم‏..‏

ولم يحقق المسلمون شيئا من الارهاب واراقة الدماء سوي التنفيس عن الغضب‏,‏ وكما يقول مهاتير محمد فإنه يبدو أن المسلمين لا يجيدون التخطيط ووضع الاستراتيجية حتي أن هجماتهم الارهابية عشوائية ايضا ولا تحقق فائدة للإسلام أو المسلمين وهذا ما جعل مفكرين وسياسيين في الشرق والغرب يرون أن المسلمين قد ضلوا طريقهم مع تعميم الاتهام علي المسلمين جميعا وعدم تخصيصه علي الفئة الشاردة‏.‏

تبدو أحوال المسلمين في الوقت الراهن مثيرة للقلق‏,‏ فقد أرسل الله إليهم دينا واحدا ليوحدهم ويؤلف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداء‏,‏ ولتكون أمتهم أمة واحدة‏,‏ ويكون جميع المسلمين إخوة‏,‏ ولكنهم اليوم علي عكس ما أمرهم الله وأصبح لديهم أكثر من اسلام وكأن الاسلام أديان متعددة ومختلفة وليس دينا واحدا والانقسام بين طوائف المسلمين ليس مقصورا علي معسكرين‏:‏ السنة والشيعة‏,‏ ولكن الانقسام قائم داخل اهل السنة وداخل الشيعة وفي كلا المعسكرين فرق وجماعات بينها خلافات واختلافات تزداد مع الزمن عمقا‏,‏ ولكل فرقة إمام وفقه ومفاهيم وعبادات وطقوس مختلفة عن الآخرين‏,‏ ووصل الخلاف والاختلاف إلي حد اتهام بعض الفرق لغيرها بأنهم ليسوا مسلمين بل ويحكمون عليهم ببساطة بأنهم كفار مثل كفار مكة ولا يشفع لهم أنهم ملتزمون بأركان الإسلام الخمسة‏,‏ وبسبب اختلاف التفسيرات إلي حد التناقض وادعاء أنصار كل جماعة بأنهم هم المسلمون حقا وغيرهم‏..‏ حزب الشيطان‏..‏ كانت النتيجة انحرافا عن جوهر الإسلام الذي يقرر أن المسلمين إخوة وأن أمتهم أمة واحدة وأن دعوة الإسلام هي السلام‏,

‏ وتحيتهم في الدنيا والآخرة هي السلام‏,‏ ولو عادت الجماعات المختلفة إلي حقيقة الاسلام فلابد ان تراجع مواقفها وتعود إلي الصواب وتتوقف عن السير في هذه المتاهات التي تقود إلي الضلال‏,‏ وتستجيب لدعوة الله بإعادة السلام بين المسلمين أنفسهم وأن يسعوا إلي السلام مع غيرهم‏,‏ وهذا ما أدركته بعض الجماعات مؤخرا‏.‏

ومما يدعو إلي البدء من جديد ما رأيناه من ادعاءات في الغرب بأن معسكر المسلمين هو معسكر الشر‏,‏ وأن الصراع الحتمي سيكون بين الغرب والاسلام‏,‏ ولا يكفي ادانة هذه الادعاءات بالخطب الحماسية‏,‏ ولكن يجب كشف بطلانها بالأعمال وليس بالأقوال‏..‏ وتوجيه الجهود للدفاع عن حقوق المسلمين ورفع الظلم عنهم وحشد الرأي العام العالمي لمواجهة الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه إسرائيل في فلسطين‏,‏ والعمليات الإرهابية التي قامت بها الادارة الامريكية في العراق وأفغانستان والتمييز ضد المسلمين في الغرب‏..‏

في السنوات الماضية قامت الجماعات بعملياتها الارهابية ولم تحقق من اهدافها إلا قتل المدنيين وكراهية العالم لها مما أدي الي اضعاف الثقة في قضيتها‏,‏ وكان الافضل تقديم نموذج الإسلام المعتدل المؤيد للسلام والداعي الي احترام انسانية وحياة الانسان وكان علي هذه الجماعات أن تتذكر أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يستخدم العنف لإرهاب الابرياء‏,‏ وحتي في الحروب أمر المسلمين بألا يقتلوا عشوائيا بل وألا يقطعوا شجرة أو يقتلوا حيوانا‏,‏ وكان عليها أن تتذكر أن الله لا يحب المعتدين‏.‏

ولو بدأ المسلمون من جديد فقد ينفتح أمامهم الطريق الصحيح بدلا من هذا التخبط في متاهات تؤدي بهم الي الضلال‏.‏

والمسئولية تقع اولا علي رجال الدين وعلي الجامعات ومؤسسات التعليم والثقافة والإعلام في العالم الإسلامي‏,‏ وبصراحة فإن هذه المؤسسات لم تقم بواجبها كاملا وتركت في الساحة فراغا ملأه أصحاب الفكر المنحرف‏.‏ ومع ذلك فإن الفرصة مازالت سانحة للإصلاح وتدارك الأمر والبدء من جديد‏.‏





جميع الحقوق محفوظة للمؤلف