القضية ليست المآذن

كما هي العادة‏,‏ تجاهل العالم الاسلامي البدايات والتطورات التي مر بها الاستفتاء بحظر بناء المآذن في سويسرا‏,‏ فلم تتحرك جهة رسمية أو شعبية أو دينية ولم تصدر كلمة تحذير أو رفض أو استنكار‏,‏ مع ان القضية كانت موضوعا لحوارات ساخنة في المجتمع السويسري منذ أكثر من عامين ونصف العام‏.‏


الغريب أن فقهاء القانون الدستوري في سويسرا هم الذين اعترضوا علي اضافة الفقرة الخاصة بحظر بناء المآذن الي المادة‏72‏ من الدستور وهي بعنوان الدولة والكنيسة وأبدوا اعتراضات فنية منها مثلا ان إدخال منع بناء المآذن في هذه المادة من الدستور يخطئ الهدف‏,‏ لأن هذه المادة مخصصة لتحديد الاختصاصات بين الحكومة الكونفدرالية والمقاطعات ولا تتناول العلاقات بالمجموعات الدينية‏,‏ وادخال هذه الفقرة لا ينسجم مع القانون الدستوري السويسري والقانون الدولي الانساني لأن مواد الدستور السويسري تنص علي الحرية الدينية والمساواة في المعاملة‏,‏ وهذه المادة تعبر عن حالة من عدم التسامح وتدل علي التشدد ضد المسلمين ـ يتعارض مع الديمقراطية والليبرالية السويسرية‏,


‏ وعلي الرغم من ان المئذنة ليست شرطا من الشروط الشرعية لصلاحية المسجد لاداء الشعائر فإن المئذنة وسيلة للإشارة الي وجود المسجد‏(‏ مثل برج الكنيسة‏)‏ وهي جزء من الهوية الثقافية للمسلمين‏..‏ وبالاضافة الي ذلك فان احكام المحكمة الأوروبية استقرت علي أن انتهاك الحرية الدينية يتم بالاعتداء علي المشاعر الدينية‏,‏ ولذلك أعلن الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب منذ أيام أنه سيخاطب البرلمان السويسي والبرلمانات الأوروبية والدولية وتم وضع هذه القضية علي جدول أعمال البرلمان الأورومتوسطي في انعقاده في مارس المقبل‏,‏ وفي رأي الدكتور سرور انه يجب رفع دعوي امام المحكمة الأوروبية لكي تصدر حكمها بإلزام الحكومة السويسرية بوقف تنفيذ نتيجة الاستفتاء لأنه مخالف للاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان‏,‏ وطالب أعضاء مجلس الشعب باتخاذ موقف عربي وإسلامي موحد بشرط ان يكون موقفا موضوعيا وايجابيا وجادا علي أساس ان نتيجة الاستفتاء تعبر عن توجه بغيض‏,‏ واقترحت النائبة الدكتورة جورجيت القليني استاذة القانون رفع الدعوي أمام محكمة العدل الدولية ومن المؤكد انها ستحكم بإلغاء نتيجة هذا الاستفتاء‏.‏


حتي سفير سويسرا في القاهرة أعلن في حديثه مع المصري اليوم أن هذا الاستفتاء خطر علي الديمقراطية والتعددية‏,‏ وقال نحن جميعا مصابون بنوع من خيبة الأمل وانه يتوقع ان يؤدي هذا الاستفتاء الي مشكلات مع العالم العربي والاسلامي وانه يتفهم احتجاجات المسلمين وان السيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية تحدث معه في موضوع اللجوء الي المحكمة الدولية‏,‏ وقال إن هناك مجموعة من المسلمين طلبت بناء المئذنة الخامسة وحصلت علي موافقة الحكومة قبل ظهور نتيجة الاستفتاء‏,‏ ولكن بعد إضافة حظر المآذن الي الدستور فإن طلبهم معلق وقد قرروا عرض الطلب علي القضاء السويسري ثم علي المحكمة الاتحادية واذا لم تستجب لطلبهم سيلجئون الي محكمة حقوق الانسان الأوروبية في ستراسبورج‏,‏ وسويسرا تحترم قرارات هذه المحكمة‏.‏


أما الذين يقولون لنا في العالم الاسلامي ان القضية لا تستحق كل هذه الضجة لان الاستفتاء لم يمنع بناء المساجد ولا الصلاة فيها‏,‏ وان المآذن ليست من المعلوم في الدين بالضرورة‏,‏ فيكفي هؤلاء ان يطالعوا موقع الاستفتاء علي الانترنت‏(Minarets-ch)‏ ليشاهدوا شكل المئذنة حادة تخترق قلب الصليب السويسري‏,‏ وصورة رئيس وزراء تركيا مع حشود مسلمي تركيا يؤدون الصلاة علي باب البرلمان احتجاجا علي الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول‏,‏ وتصريح اوسكار فرايزنجر مستشار حزب الاتحاد الديمقراطي للوسط صاحب المبادرة وقوله‏:‏


يجب أن تتوحد أحزاب اليمين في أوروبا لمحاربة الأسلمة‏(!).‏


هذه هي القضية‏,‏ المئذنة أداة للاستخدام السياسي لإثارة مخاوف الغربيين عموما من الاسلام‏,‏ وكما قال الباحث السويسري ستيفاني لايتون فانها خطوة أولي نحو الأسوأ‏.‏


وهذا الاستفتاء يمثل بداية جديدة للمواجهة بين الغرب والاسلام والهجوم علي الاسلام من كل جانب‏,‏ الثقافي والديني والانثربولوجي والسياسي ويتهمون الاسلام بانه يخلط بين السياسي‏(‏ الانساني‏)‏ والديني‏(‏ الالهي‏),‏ وانه دين ذو طبيعة توسعية‏,‏ وقائمة المفكرين الذين يهاجمون الاسلام بضراوة قائمة طويلة جدا تضم استاذ الصحافة السويسري بول بيرمان مؤلف كتاب الارهاب والليبرالية‏.‏


ومن الملاحظ ان هناك محاولات سويسرية لتضليل المسلمين بادعاء ان المبادرة نتيجة تحرك حزب واحد مع اغفال نتيجة الاستفتاء التي تدل علي ان العداء للإسلام وصل الي قطاع كبير من الشعب السويسري‏.‏


ومن المراوغات أيضا الادعاء بأن الحكومة السويسرية اعلنت عدم علاقتها بالمبادرة مع ان الحكومة كانت تستطيع عدم اجراء الاستفتاء علي اساس انه يتعارض من الحرية الدينية والقانون الدولي وميثاق حقوق الانسان‏.‏


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف