جاءت نتيجة الاستفتاء الذي أجري في سويسرا صدمة لكثيرين في العالم العربي والإسلامي, فقد قال57,5% ممن أدلوا بأصواتهم إنهم يوافقون علي منع بناء مآذن للمساجد, وبذلك ظهرت الحقيقة التي تجاهلها المسلمون, وتصدي البعض في العالم الإسلامي باتهام من يحاولون الكشف عنها, ويطالبون بتحرك إسلامي جاد في المجتمع السويسري, بدلا من الاكتفاء بالشجب والاستنكار, خاصة أن بعض الأصوات في أوروبا تطالب بإجراء استفتاء مماثل.
وقد ظهرت في العالم الإسلامي آراء ومواقف مختلفة, تحدث البعض عن المعايير المزدوجة في الغرب الذي يطالب المسلمين, ويمارس الضغوط عليهم بحجة نشر ثقافة الحرية الدينية, وروح التسامح بينهم, بينما تنتشر وتتغلغل في الغرب روح التعصب الديني والعداء للإسلام.
كان الظن لدي أكثرية المسلمين أن صناعة العداء للإسلام لم تصل إلي سويسرا, وصورة سويسرا في الذهن العربي والإسلامي أنها بلد يمثل أرقي ما وصلت إليه الحضارة الحديثة من تسامح وقبول الآخر, ورفض ثقافة الكراهية.. والحقيقة التي تعمد البعض في العالم الإسلامي إخفاءها عن المسلمين في العالم أن موجة العداء للإسلام وصلت إلي سويسرا منذ عهد بعيد.. وأمامي كتاب سبق أن أشرت إليه دون أن يهتم أحد بمعرفة ما فيه, الكتاب بعنوان الإسلام في سويسرا من تأليف اثنين من أكبر الأساتذة السويسريين, كريستوفر باومان, وكريستيان ياجي, وترجمة الدكتور ثابت عيد الباحث المصري المقيم في سويسرا, ويشير الكتاب إلي حساسية السويسريين من المسلمين, وكيف تواجه السيدات المحجبات في سويسرا مشاكل عديدة ويتعرضن في الطريق للسباب والشتائم وقد تمتد الأيدي إلي الحجاب لتمزيقه مع أن في سويسرا مسيحيات محجبات مثل الراهبات والممرضات, لا يتعرضن للمضايقة, كما يشير الكتاب إلي أنه من العسير حصول سيدة مسلمة محجبة علي مسكن, وأن الهجوم علي الإسلام يتضح من الكم الهائل من الكتب والمقالات وبرامج التليفزيون,
ويبدأ الهجوم بالإشارة إلي أن المسلمين يتشاجرون دائا فيما بينهم ويتهم بعضهم بعضا بعدم فهم الإسلام أو بالبعد عن الإسلام, وكل جماعة تدعي أنها تمثل الإسلام الصحيح وغيرها من الجماعات الضالة, ويضاف إلي ذلك الجهل بالإسلام في سويسرا الذي يبدأ بتسمية المسلمين( المحمديين), وبعض الباحثين السويسريين يفرقون بين لفظ الله بالألمانية(GOTT), ولفظ الله عند المسلمين(ALLAH), وكأن إله المسلمين ليس إله العالمين!.
ومصادر معرفة الإسلام في سويسرا كتب غير موضوعية في الغالب ومتحيزة ضد الإسلام من عنوانها مثل:( سوف يفترسنا الإسلام), و(التحدي الإسلامي), و(سيوف الإسلام), والمناهج الدراسية المقررة في كثير من دول الغرب أسهمت في تضليل العقول, ويظهر العداء عندما يسعي المسلمون في سويسرا للحصول علي قطعة أرض لبناء مسجد فيواجهون بالاعتراض دائما, وتنتشر فكرة أن المسلمين يعني طعنات سكين, وقد تأثر السويسريون بمسلسل تليفزيوني من أربعة أجزاء عرضته القناة الثانية الألمانية كتبه الصحفي الألماني بيتر شول لاكور بعنوان سيف الإسلام, وكانت الفكرة التي غرسها هذا المسلسل في أذهان من شاهدوه أن المسلمين لا يعرفون إلا العنف ضد المخالفين لهم,
مع تركيز علي فتوي الخوميني بإهدار دم سلمان رشدي مؤلف رواية آيات شيطانية دون إشارة إلي أن إيران رجعت عن هذه الفتوي, ويقول المؤلفان إن الذين يتحدثون فقط عن العنف الإسلامي عليهم أن يتذكروا محاكم التفتيش والأحداث المخزية في تاريخ الكنيسة الغربية قبل أن يعلنوا استنكارهم للإسلام, وعليهم أن يتذكروا أن البابا يوحنا بولس الثاني أصدر أمرا بابويا في يناير1991 بتكثيف حملات التبشير, ومع ذلك فإن الإسلام لايزال أكثر الأديان انتشارا, وهذا ما يثير مخاوف الغرب عموما.. وإن كان معظم المسلمين في سويسرا من العمال البسطاء, غير المثقفين, أو من طالبي اللجوء السياسي, ولا يحصل المسلمون بسهولة علي تصاريح لبناء مساجد في سويسرا, ويشير بعض السويسريين بغضب إلي أن75% من الأطفال في الحضانات من الأجانب ونسبة كبيرة منهم من أطفال المسلمين.
ولاتزال كلمات الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش تفعل فعلها في العقول حين قال عن المسلمين إنهم يكرهون ديمقراطيتنا.. وإنهم أعداء حضارتنا.. وهناك مصادر للخوف من المسلمين غير كل ذلك تتمثل في الأفلام والروايات وآخرها رواية بعنوان( ليس بدون ابنتي) كتبتها مسلمة أمريكية الجنسية اسمها( بيتي محمودي) بيع من الترجمة الألمانية وحدها ثلاثة ملايين نسخة, تحكي عن مأساة المؤلفة بسبب زواج فاشل بمسلم إيراني, وتتحدث عن مشاعر المرأة المسلمة عن الوضع المهين للمرأة في البيت والمجتمع الإسلامي.
الأسباب كثيرة لتعبئة الرأي العام في سويسرا وغيرها من دول الغرب, وفي العالم الإسلامي لاتزال المؤسسات والحكومات في العالم الإسلامي تشجب وتستنكر وتظهر الغضب وتحدث نفسها وكأنها في حالة من حالات المرض النفسي ولا تبادر بالتحرك, وتتعلم من غيرها الذين يجيدون التأثير في الرأي العام في العالم كله.