كيف تقدمت الصين؟

كان الدكتور علي الدين هلال معبرا عن الحقيقة المرة حين قال في لقائه مع طلبة الجامعات ان هناك دولا لاتدين بأي دين سماوي مثل الصين‏(‏ كونفوشيه‏)‏ والهند‏(‏ بوذية‏)‏ وهما أقوي اقتصادين صاعدين في العالم‏,‏ ومنذ عشرين عاما والصين تحقق معدل نمو يبلغ‏14%‏ ولابد أن نسأل‏:‏ كيف تقدمت بلاد كثيرة ولم تتقدم الدول العربية والاسلامية؟


وتجربة الصين هي النموذج الذي يمكن أن تتعلم منه الدول النامية‏,‏ فقد تحولت من دولة فقيرة متخلفة تعاني زيادة السكان إلي أن أصبحت مصنع العالم وتقدمت مائة سنة نحو المستقبل‏,‏ كما يقول عنها المراقبون الغربيون‏,‏ وفي أقل من عشر سنوات حققت تطويرا شاملا في التعليم والابحاث العلمية‏,‏ وفي الصناعة والتكنولوجيا‏.‏


‏وفي كل مرة أزور فيها الصين أجد كل شيء فيها يتغير وبسرعة مذهلة مما يدل علي قوة وكفاءة الادارة السياسية لعملية التغيير‏..‏ وفي آخر زيارة قيل لي ان انضمام هونج كونج إلي الصين كان التحدي‏,‏ لأن هونج كونج صارت قطعة من أوروبا‏,‏ واكتشف الصينيون الفجوة الحضارية والتكنولوجية بينها وبين الوطن الأم‏,‏ وكان ذلك حافزا اضافيا امام الارادة السياسية للتغيير


ولم يقتصر التغيير علي الصناعات والابحاث العلمية وجذب الاستثمارات‏,‏ لكنه شمل الثقافة والحياة الاجتماعية حتي أصبحت المدن الكبري قريبة الشبه بالمدن الأوروبية‏,‏ ووصل عدد مستخدمي الانترنت إلي‏90‏ مليون شخص‏,‏ وعدد المشتركين في التليفون المحمول إلي‏647‏ مليونا‏,‏ وازدحمت الشوارع بالسيارات بعد أن كانت تزدحم بالدراجات فقط‏.‏


حين سألت قادة الحزب الحاكم وكبار المسئولين في الحكومة وبعض من قابلتهم من الصحفيين والدبلوماسيين عن نقطة البداية لتحقيق ما يسميه البعض المعجزة الصينية كانت الاجابة واحدة‏:‏ التعليم والبحث العلمي‏,‏ وقبل ذلك الارادة السياسية ووضع الخطط والالتزام بتنفيذها بدقة ومحاسبة كل مسئول عن كل تقصير او افساد‏,‏ ولذلك نجح الانفتاح الاقتصادي في تحقيق طفرة في الانتاج والتصدير في خلال ثلاثين سنة فقط‏,‏


وحرصت الادارة الصينية علي أن يكون الانفتاح انتاجيا ولايجذب إلا المشروعات الصناعية والتكنولوجية المتقدمة لتساعد علي تطوير الصناعات الصينية‏,‏ ونجحت في جذب الاستثمارات في الصناعة من أوروبا‏,‏ وجذبت أيضا اموال الجاليات الصينية في الخارج للاستثمار في بلادهم‏,‏ ولم تمنح الأرض بالمجان ولم تسمح بتمليك الأرض للأجانب‏,‏ كما لم تمنح اعفاءات من الجمارك والضرائب إلا للمشروعات الصناعية التي تسهم في ادخال التكنولوجيا المتقدمة‏,‏


وجذبت أعدادا كبيرة من العلماء والخبراء الصينيين المهاجرين في الولايات المتحدة والدول الأوروبية‏,‏ وتوسعت جدا في ارسال البعثات الدراسية إلي أكبر الجامعات في العالم‏,‏ ونفذت سياسة ناجحة لغزو الأسواق العالمية بسلع تناسب كل بلد وبأسعار منافسة‏,‏ ويكفي أن الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة يميل لمصلحة الصين‏,‏ والولايات المتحدة مدينة لها بمئات المليارات من الدولارات نتيجة غزو المنتجات الصينية لأسواقها‏.‏


ويرفض الصينيون اعتبار نجاحهم في تطوير بلادهم معجزة‏,‏ ويقولون انه فقط نتيجة طبيعية للاجتهاد والجدية وتحمل المسئولية‏,‏ وهذا ما جعلها ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان‏,‏ وجعلها تتقدم بخطي واثقة لتكون دولة عظمي وقوة سياسية في النظام العالمي الذي يتشكل الآن‏,‏ وقد اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن الصين والولايات المتحدة سيكون لهما التأثير الأكبر في تشكيل العالم في المستقبل القريب‏!‏


ومع أن الصين تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية مثل كل دول العالم فإنها كانت أقل تأثرا من غيرها‏,‏ فقد استمر أربعة ملايين مصنع في الانتاج بالمعدلات نفسها وفي تصدير الجانب الأكبر من هذا الانتاج للخارج‏,‏ واعتبرت الادارة الصينية الأزمة الاقتصادية العالمية فرصة للصناعات الصينية لكي تبتكر وتتوسع في التصدير لقدرتها علي الصمود والمنافسة‏,‏ ويضربون المثل بشركة هواواي التي تملك أكبر مصنع في العالم لإنتاج المعدات السلكية واللاسلكية‏,‏


وتعتبر من الشركات العشر الأكثر تأثيرا في العالم‏,‏ وتبلغ قيمة مبيعاتها في أنحاء العالم‏18‏ مليار دولار في السنة‏,‏ ولها مراكز أبحاث في‏14‏ دولة‏,‏ وتفخر أن واحدا من كل‏6‏ أشخاص في العالم يستعمل معداتها‏,‏ ومن المدهش أن هذه الشركة بدأت برأسمال‏4‏ آلاف دولار في بداية التسعينيات من القرن الماضي كما ذكرت مجلة نيوزويك الأمريكية‏.‏


وليست هذه الشركة سوي واحدة من الشركات الصينية التي بدأت صغيرة وتحولت إلي قلاع صناعية‏,‏ فهناك مثل آخر مدينة تيانجين التي كانت صحراء مهجورة وأصبحت من أكبر المراكز الصناعية تضم عشرات المصانع للشركات العالمية ويصل حجم انتاجها إلي‏940‏ مليار يوان‏,‏ وحجم الاستثمارات‏3‏ تريليونات و‏3‏ مليارات يوان‏.‏


وبنفس العقلية نجحوا في مضاعفة اعداد السياح الأجانب ليصل عام‏2020‏ إلي‏167‏ مليون سائح‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف