كان الرئيس أوباما واضحا في خطاب المصالحة بين الولايات المتحدة والاسلام, واختار كلمات محددة ومباشرة اعترف بها ـ فيما يمكن اعتباره اعتذارا ـ بأن السياسات الاستعمارية( الغربية) حرمت المسلمين من الحقوق والفرص, وكان قاطعا بالتزامه ـ كرئيس للولايات المتحدة ـ بأن يحارب الأحكام ـ والأفكار ـ السلبية ضد الاسلام في الولايات المتحدة.
وهذه الكلمات الاعتذارية كافية للدلالة علي صدق النية لدي الرئيس أوباما علي فتح صفحة جديدة بين أمريكا والمسلمين بعد حملات الكراهية والعداء التي قادها اليمين المتطرف وساندتها ادارة بوش وسياساته, وأدت إلي اشعال الأزمة بين الجانبين, وقد أشارت داليا مجاهد عضو المجلس الاستشاري لأوباما إلي صعوبة اقناع المسلمين بأن الولايات المتحدة( والغرب عموما) تحترمهم وتحترم دينهم, وهذه المهمة تبدو شديدة الصعوبة في ظل مشاعر العداء للمسلمين السائدة في الاعلام الأمريكي خاصة محطات الاذاعة التابعة للمحافظين التي يسمعها العالم, مما يعني ضرورة العمل بجدية علي تجفيف منابع العنصرية الهدامة, لأن التحيز ضد المسلمين لايمثل فقط عقبة في طريق بناء علاقة أفضل بين أمريكا والدول الاسلامية, ولكنه يهدد ايضا الأمريكيين بشكل عام.. وقد توصلت داليا مجاهد مستشارة أوباما للعقيدة والحوار إلي ان المشاعر المعادية للمسلمين في أمريكا يغذيها التضليل, وأن تحليل مضمون الاعلام الأمريكي أظهر أن أغلب التغطيات الخيرية التي يقدمها التليفزيون الأمريكي عن الاسلام سلبية للغاية وتصور للأمريكيين ان الخطاب في الدول الاسلامية يتولاه متطرفون مسلمون, وتتجلي نتيجة هذا الشحن الاعلامي العدائي في نتيجة الاستفتاء الذي قال فيه أغلبية الأمريكيين(66%) بأن لديهم بعض الاحكام المسبقة تجاه المسلمين, وقال25% من الامريكيين انهم لايريدون أن يكون لهم جيران مسلمون.
في هذا المناخ العدائي السائد في الولايات المتحدة تجاه الاسلام والمسلمين, ومع استغلال المحافظين الجدد ورجال الدين المتطرفين لاحداث11 سبتمبر لادانة الاسلام والحديث عنه علي أنه دين يدعو المؤمنين به إلي الارهاب ومعاداة الآخر, فإن مبادرة الرئيس أوباما تبدو بالغة الأهمية, بل انها فرصة ذهبية يجب البدء فورا بتحويلها من مجال الدعوة والارادة إلي مجال الفعل, وهناك مجالات عديدة للعمل بالتوازي علي تحسين صورة الاسلام في الولايات المتحدة( وفي دول الغرب طبعا) وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الاسلامي.. مع ملاحظة ان العبء الأكبر في ذلك سيكون علي الادارة الأمريكية, لأن العداء للاسلام والمسلمين في أمريكا لم يكن فقط نتيجة للنزعة العدائية في الاعلام والثقافة ومناهج التعليم والخطاب الديني, ولكنه كان في الأساس نتيجة لما فعلته أمريكا في العالم الاسلامي من حروب وتدمير وتعذيب واستغلال وضغوط, فالعداء من الجانب الأمريكي كانت له وجوه عديدة عسكرية, وسياسية, واقتصادية, واعلامية وثقافية..
لكن ذلك كله لايمنع من العمل علي فتح صفحة جديدة علي ان يتم علي وجه السرعة توفير الشروط الموضوعية لهذه البداية الجديدة, فالعالم الاسلامي ـ بعد خطاب أوباما العاطفي والبليغ ـ ينتظر ماذا ستفعل أمريكا لتحويل هذه الرؤية إلي واقع. ماذا ستفعل أمريكا بالعراق والشعب العراقي؟ وماذا ستفعل لترشيد الخطاب الاعلامي والتوجه الثقافي وبخاصة في أفلام هوليود التي لاتصور المسلمين علي أنهم بشر كسائر البشر, وتكرر تقديمهم كارهابيين ومتخلفين ورافضين للحضارة والحداثة ولحقائق العلم وغارقين في الإيمان بالخرافة والدوران في دوامة الماضي.
الولايات المتحدة هي الأقوي, والأكثر تأثيرا في العالم في الفكر وفي السياسات, وعندما تبدأ السير علي طريق جديد نحو العالم الاسلامي, فسوف يسير معها العالم, وحين تبدأ في العمل بجدية علي ازالة المظالم عن الشعوب الاسلامية, وتحقيق العدل لاقامة السلام في الشرق الأوسط, وحين تبرهن بالعمل ـ وليس بالكلام ـ علي انتهاء سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين وتتبع مع العالم الاسلامي سياسة اخلاقية تحترم الشرعية الدولية والقانون الدولي وحقوق الانسان.. وحين تتوقف السياسة الامريكية عن ممارسة الضغوط علي الدول الاسلامية لفرض القيم الأمريكية وأسلوب الحياة الأمريكية عليها وتقبل بوجود التنوع والتعددية والخصوصية الثقافية والاجتماعية.. وحين يكف السياسيون الأمريكيون عن استخدام لهجة التعالي في خطابهم إلي العالم الاسلامي.
صحيح أن حديث أوباما مس مشاعر المسلمين عندما تحدث باهتمام عن الدين الاسلامي وأفضاله علي الحضارة الانسانية وعلي تقدم العلوم والثقافة, وحاول بذلك أن يعالج المرارة والغضب في العالم الاسلامي.
ومن المؤكد ان العالم الاسلامي ينتظر خطوات عملية من أمريكا, وكل خطوة منها لتحقيق العدالة والانصاف للمسلمين سوف تقابلها خطوتان من المسلمين نحو استعادة صداقتهم مع أمريكا, فالمسلمون دينهم دين سلام وتسامح لمن يؤمن بالسلام, وبالعدل, وبالتسامح.