انصاف المرأة و الإصلاح الاجتماعى
جاء قانون تخصيص مقاعد للمرأة في مجلس الشعب أخيرا ليمثل خطوة تاريخية من خطوات انصاف المرأة والاصلاح الاجتماعي, ولإعادة التوازن والعدل في الساحة السياسية, وليفرض ـ بالقانون مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين رجالا ونساء.
ولم يكن ممكنا استمرار الوضع الحالي في ثقافة المجتمع المصري الذي يؤثر فيه أصحاب الصوت العالي الذين يريدون فرض قيم ومفاهيم تجاوزها الزمن بالنسبة لقضية حقوق المرأة. فالاصلاح الاجتماعي لايتحقق إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بمعناه الكامل والشامل, بما في ذلك عدم التفرقة بين أبناء الوطن بسبب الجنس, والمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة, ليكون أبناء الوطن كأسنان المشط لا فضل لأحدهم علي الآخر إلا بالكفاءة, ولكن أصحاب الصوت العالي يريدون العودة بالمرأة إلي عصر الحريم وفرض القيود عليها, وحرمانها من المشاركة في الحياة العامة, مستغلين في ذلك مفاهيم دينية أو سياسية أو قانونية مغلوطة.. لم تكن هناك وسيلة غير القانون ليكون الأداة الأكثر فاعلية في تغيير القيم والأفكار والثقافة المتخلفة, وليفرض قيم التقدم فرضا.
وأمام ما أفرزته الانتخابات من سيطرة أسلحة المال والبلطجة والغوغائية يستحيل أن يصل صوت المرأة إلي الناخبين, وهي بطبيعتها لاتستطيع أن تستعين بأسلحة المال والبلطجة خاصة بعد أن وصل العنف إلي درجة استخدام الأسلحة وسقوط القتلي في المعارك الانتخابية.. عند هذا الحد لابد أن يتدخل القانون لتوفير الحماية للمرأة في ممارستها حقها الطبيعي في الترشيح والتمثيل العادل في السلطة التشريعية, كضرورة من ضرورات الاصلاح السياسي والاجتماعي, خاصة بعد أن أثبتت المرأة المصرية كفاءتها في المجالات التي وصلت فيها إلي مواقع قيادية في الحكومة ووصلت إلي منصب وزير ومساعد وزير ووكيل وزارة ومدير عام.. إلخ وفي الجامعات وصلت إلي منصب رئيس جامعة ونائب رئيس جامعة وعميد كلية ورئيس قسم.. إلخ. وفي النقابات المهنية والعمالية وصلت إلي عضو مجلس نقابة, وأصبحت المرأة تشغل32% من عدد السفراء بالخارجية المصرية و24% من عدد وكلاء ورؤساء النيابة ووصلت إلي درجة مستشار في القضاء المدني والجنائي وإلي رئيس هيئة قضائية( النيابة الادارية) و63% من الوظائف القيادية في التليفزيون والاذاعة.
لم يكن معقولا مع كل هذا الذي وصلت إليه المرأة المصرية, مع وجود40% من المقيدين في جداول الانتخاب من النساء أن تقل نسبة تمثيل المرأة عن2% من أعضاء مجلس الشعب بينما تصل النسبة في بعض البلاد العربية والافريقية إلي أكثر من12% مما يتعارض مع مبادئ المواطنة, والعدالة الاجتماعية, وتكافؤ الفرص, وبعد تبني برنامج الأمم المتحدة الانمائي لمفهوم التنمية البشرية واعتباره تمكين المرأة من الحصول علي حقها في المشاركة الاجتماعية والسياسية أحد العوامل لتحقيق العدالة الاجتماعية, وبعد أن أصبح من المعايير الأساسية لقياس درجة تقدم المجتمعات أن يكون المواطنون جميعا لهم الحق علي قدم المساواة في التعبير عما يعرف الآن في الأدبيات السياسية بالغضب العادل, أو الغضب الذي له ما يبرره. وقد عبرت المرأة المصرية علي مدي سنوات طويلة عن الغضب العادل من استخدام الرجال وسائل غير مشروعة لحرمانها من حقها في التمثيل العادل في السلطة التشريعية, ولاتتحقق العدالة الاجتماعية بدون تحقيق الإنصاف للفئات المظلومة والمهمشة وأولها المرأة المحرومة مما يسميه علماء الاجتماع عدالة المشاركة وهي تعني العدالة وعدم الحرمان من الحقوق الاقتصادية والسي
اسية. هذه العدالة تعني اعطاء كل ذي حق حقه كانسان ومعالجة التفاوت غير العادل في الحصول علي الحقوق, وفي ذلك ضمانة للاستقرار وسلامة المجتمع لان العدالة الاجتماعية لاتتحقق إلا عندما يسود لدي المواطنين الشعور بالرضا عن أحوالهم وتتاح لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم واحتياجاتهم, وعدم حرمانهم من المشاركة في العمل من أجل تحقيق مصالحهم ومصالح المجتمع.
كل ذلك يقود إلي نتيجة لامفر منها وهي ضرورة التدخل بالقانون لتخصيص مقاعد للمرأة في مجلس الشعب لمعالجة هذا الظلم الاجتماعي المفروض علي المرأة المصرية.. وقد قيل ان في هذا التخصيص إخلالا بمبدأ المساواة بين المواطنين, وتمييزا لبعض المواطنين( النساء) علي بعضهم الآخر( الرجال).
وهذا النقد سبقت مناقشته علي المستوي الدولي من قادة الرأي في المجالات القانونية والدستورية والسياسية, وانتهت المناقشات إلي ان هذا التمييز لايمثل ميزة خاصة للمرأة وحرمان الرجل منها, وليس من اجل جعل المرأة في مركز اجتماعي أو سياسي, أو قانوني أفضل من الرجل, ولايهدف إلي أن تكون مقاعد مجلس الشعب مقصورة علي النساء وحدهن دون الرجال, ولكنه تمييز وتدخل بالقانون من اجل تحقيق الانصاف والعدالة, هو تمييز من اجل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص, وهو بذلك تعبير عن روح الدستور, ولاتتعارض العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل مع الدستور. وهذا التمييز في النهاية ضرورة من ضرورات تحقيق الديمقراطية التي لايختلف أحد علي أنها البداية لكل اصلاح ولكل خطوة لتقدم وتحديث المجتمع, والتخلص من آثار عصور الجهل والتخلف والمفاهيم الدينية التي تشوه الدين وتتعارض مع حقيقته.