لم يسبق أن حظي رئيس أمريكي بمثل هذه الثقة والمصداقية في العالمين العربي والإسلامي. ليس فقط بسبب لونه وأصوله والشعور بزوال الكابوس الذي كان يمثله الرئيس السابق بوش الابن وأركان إدارته من المحافظين الجدد الذين لم يخفوا مشاعر الاستهانة بحقوق ومصالح العرب والمسلمين, ولكن أيضا بسبب شخصية أوباما, وتاريخه, وما يوحي به من الصدق في رغبته في بناء جسور الثقة من جديد.
أسباب الكراهية لبوش وسياساته معروفة والأخطاء الجسيمة التي ارتكبها في حق العرب والمسلمين لن ينساها أحد منهم والتي وصلت الي حد ارتكاب جرائم حرب, وجرائم ضد الإنسانية, وضد القانون الدولي.
جرائم سوف يحاسبه التاريخ عليها, ولن ينسي أحد خداعه للعرب في وقفته في شرم الشيخ وقوله في مشهد تليفزيوني مؤثر: أنا جورج دبليو بوش أعد بالعمل علي اقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية ولايتي( الأولي) ثم وقفته ليتعهد باقامة الدولة قبل نهاية ولايته الثانية, ثم خروجه من البيت الأبيض ـ غير مأسوف عليه ـ دون أن يحقق شيئا سوي إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لكل جريمة من جرائم الحرب التي ارتكبتها, ولإقامة الأسوار التي جعلت الشعب الفلسطيني يعيش في سجون مغلقة, ولبناء المستوطنات علي أراض فلسطينية تغتصبها إسرائيل كل يوم.. وبعد كل ذلك يلقي اللوم علي الفلسطينيين. في كل عدوان إسرائيلي عليهم, ولا يقول كلمة إنصاف واحدة في حقهم.. ثم يستخدم سلاح الفيتو في مجلس الأمن ويمارس الضغوط علي أعضائه لمنع صدور قرار يدين جرائم إسرائيل.
ليس غريبا بعد ذلك أن يتعمق لدي العرب والمسلمين الشعور بأن ما تعلنه الولايات المتحدة عن صداقتها لهم ليس إلا خداعا وجيوشها في العراق وأفغانستان تدمر البيوت وتقتل المدنيين عشوائيا.
وتلقي في السجون المسلمين بالجملة وتمارس معهم أنواعا من التعذيب لا تليق بدولة عظمي ترفع شعارات الحرية للشعوب والمساواة والديموقراطية, وتطالب غيرها من الدول باحترام حقوق الإنسان وهي لا تحترمها وتستثني جنودها من المحاسبة علي جرائم الحرب كما تستثني نفسها من المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية.. فأصبحت في نظر العالم دولة تمارس غطرسة القوة, ولا تتحدث مع العرب والمسلمين إلا بلغة القوة وبممارسة الضغوط وبالتهديد باستخدام أسلحتها الفتاكة..
لم يكن أحد يصدق أن بوش وإدارته يحترمون الدين الإسلامي وهم يشاهدون الرئيس الأمريكي يصف المسلمين بالفاشيين, والكارهين للحضارة وللديموقراطية, ويعلن أن ما أسماه الحرب العالمية علي الإرهاب هي حرب صليبية, ويصاحب ذلك اعتداءات علي المساجد في الولايات المتحدة, واجراءات تعسفية ضد المسلمين الأمريكيين والمهاجرين منها أبسطها الاعتقال, والتنصت علي المكالمات التليفونية, وعلي الرسائل الإلكترونية والبريدية, ومراقبة المساجد, بل لقد أصدر بوش الأمر التنفيذي الذي يعطي لأجهزة الأمن الحق في دخول البيوت وتفتيشها بدون إذن قضائي, ورفض تقديم أسباب اعتقال المعتقلين الي المحاكم, وقد أدي اعتداء الإدارة الأمريكية علي الحريات الأساسية وحقوق الإنسان الي إثارة مشاعر الغضب داخل أمريكا وفي دول العالم, حتي أن الرئيس الأسبق جيمي كارتر رأي أن ما تفعله إدارة بوش اعتداء علي القيم الأمريكية, كما نشرت الصحف الأمريكية مقالات ونداءات من شخصيات سياسية تطالب بالتحقيق مع بوش لإخلاله باليمين الذي أداه باحترام الدستور والقانون.
وشعور المسلمين بالظلم والاضطهاد وضياع الحقوق والغطرسة الأمريكية أدي إلي ظهور جماعات الإرهاب, والإرهاب ـ كما يقول علماء الجريمة ـ هو سلاح الضعيف المظلوم للتعبير عن الاحتجاج ورفض الظلم..
ويصدق العرب والمسلمون أوباما ويشعرون بأنه قادر علي استعادة الدور لأمريكا باعتبارها الحامي العظيم للحقوق الانسانية, ولهذا وجد الترحيب في القاهرة, وأحاطت به مشاعر عبرت عن الأمل في أن يحقق الوعود التي أعلنها.. أن يعمل علي إنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي بالتوصل الي حل عادل, والعدل هو الضمان لأمن إسرائيل وأمن الولايات المتحدة أيضا. وأن تعكس سياسات الولايات المتحدة ـ بالعمل ـ احترامها للاسلام وللثقافة الاسلامية وللحضارة الاسلامية التي كانت الأساس الذي قامت عليه النهضة الأوروبية.
إن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع في الشرق الأوسط, وأوباما يتفهم هذه الحقيقة, ولن يكون الطريق أمامه سهلا لتنفيذ رؤيته لحل هذا الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية خاصة في وجود أسوأ حكومة في تاريخ إسرائيل تمثل أقصي درجات الصلف وجنون القوة, ولكن الولايات المتحدة لديها من وسائل الضغط علي الأطراف مايجعلها قادرة علي التوصل الي الحل اذا توافرت لديها الارادة السياسية
وقد أصابني الفزع وأنا أعد مادة كتابي صناعة العداء للاسلام لأني قضيت سنوات أجمع مئات الكتب وآلاف المقالات وتصريحات القادة السياسيين في الولايات المتحدة وفي الغرب عموما, وشعرت بأن المسلمين يتعرضون لحرب ثقافية واعلامية تحتاج الي جهود كبيرة جدا من جانبهم ومن جانب الحكومات ووسائل الاعلام في أمريكا إذا كانت حريصة علي وقف هذا النمو الخطير لمشاعر العداء والكراهية علي الجانبين.
* ويبقي الجميع في انتظار ما تأتي به الأيام من الأعمال.. فالأقوال ليست سوي تعبير عن النيات وقيمتها الحقيقية أن تتحول الي أفعال, ودعونا ننتظر لنري.