يجري الآن الإعداد لقانون جديد للانتخابات يضمن للمرأة المصرية تمثيلا عادلا في مجلس الشعب والمجالس المحلية, تطبيقا للنص في التعديلات الدستورية الأخيرة الذي جاء تتويجا للجهود التي قام بها المجلس القومي للمرأة, والمنظمات الأهلية, ونتيجة للتطور الطبيعي للمجتمع المصري.
فقد أصبح للمرأة الآن وجود في السلطة القضائية, وزالت العوائق التي ظلت لعشرات السنين تحرمها من هذا الحق, وأصبحت الفرص مفتوحة أمامها للوصول إلي مواقع قيادية في السلطة التنفيذية, ولم تعد محرومة إلا من بعض المناصب فقط, لكنها علي الرغم من كل هذا التقدم لاتزال محرومة من التمثيل العادل في مجلس الشعب, ومن المشاركة بصورة مناسبة في المواقع القيادية في الأحزاب, وفي الحياة السياسية بشكل عام, ولايزال السياق السياسي لا يشجع المرأة علي الاندماج في العمل العام, وتمثيل المرأة في البرلمان المصري أقل بكثير مما هو في بعض البلاد العربية والإفريقية.
ولاتزال الثقافة السائدة تشجع علي حصر دور المرأة كزوجة وأم, ولاشك أن عدم إفساح المجال العام أمامها لا يمثل عائقا أمام تطور المرأة فقط, بل إنه يعوق تطور المجتمع في اتجاه الديمقراطية والمواطنة بمعناها الصحيح.
ولا ينكر أحد أنه حدثت زيادة نسبية في أعداد النساء المقيدات في جداول الانتخاب نتيجة لجهد كبير بذل لحشد النساء في القري ومواقع العمل للقيد, ولكن زيادة القيد في جداول الانتخاب في حد ذاته ليس دليلا علي إدماج المرأة في الحياة السياسية, لأن ذلك سيكون غالبا لمصلحة المرشحين الرجال من ذوي النفوذ والتأثير في الريف والأحياء الشعبية إما بالمال أو بالبلطجة, أو باستغلال النزعات القبلية, والتعصب العائلي, أو بتدخل الرجال, للضغط عليهن, وسطوة الزوج والأب وكبير العائلة معروفة, خصوصا خارج المدن الكبري, وعلي ذلك فإن إعطاء المرأة حقوقها السياسية يستلزم أن يكون لها وجود نشيط وفاعل في المجلس التشريعي, وليس مجرد المشاركة في اختيار أعضاء هذا المجلس, ومع هذا فإن أعداد المقيدات في جداول الانتخاب لاتزال أقل بكثير جدا ممن لهن الحق في ذلك. وأيضا لا يكفي أن يكون للمرأة الحق في المشاركة في اختيار أعضاء مجلس الشعب إذا لم يكن لديها الوعي بأهمية وأثر هذه المشاركة, وبأهمية أن تكون ممارسة هذا الحق باختيار حر, وللمصلحة العامة, ولا يتحقق ذلك إلا عندما يتكون في المجتمع رأي عام يعترف بحقوق المرأة السياسية, ولا يحول دون
وصول المرأة المؤهلة والقادرة علي القيام بكفاءة بدورها التشريعي والرقابي, وليس الهدف مجرد شغل مقاعد أكثر بالنساء كغاية في حد ذاتها, والاكتفاء بالشكل دون المضمون.
والأحزاب في النظام الديمقراطي هي أهم مجالات المشاركة السياسية, وهي المجال الشرعي للتعبير عن الرأي, وتقديم الحلول والبدائل والبرامج, وممارسة الحق في السعي للوصول إلي السلطة من خلال صندوق الانتخاب, وأيضا لمحاربة الفساد, وللضغط علي صناع القرار لتحقيق مصلحة عامة, لذلك فإن مشاركة المرأة علي نطاق واسع في الأحزاب من المستويات القاعدية حتي المستويات القيادية هي التي تعبر تعبيرا حقيقيا عن اندماجها في الحياة السياسية, فإذا نظرنا إلي واقع الأحزاب المصرية جميعها, دون استثناء, سنجد أن عضوية المرأة في الأحزاب المختلفة لا تزيد علي3% في بعض المحافظات, ولا تزيد علي15% في أكثر المحافظات, حرصا علي تشجيع المرأة علي الانضمام إلي الحزب الوطني, ولن نجد تمثيلا مناسبا للمرأة في المستويات القيادية للأحزاب, وقد يكون مفهوما تدني مشاركة المرأة في الأحزاب في محافظات الصعيد, ولكن ليس مفهوما تدني هذه النسبة في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وبقية محافظات الوجه البحري, حيث الجامعات ونسبة المتعلمات والعاملات المرتفعة, وقد يرجع ذلك إلي عدم اهتمام الأحزاب بمشاركة المرأة, وكذلك إلي عدم إيمان المرأة بجدوي هذه المشاركة.
وإذا كان من الممكن إصدار قانون يسمح بتمثيل أكبر في مجلس الشعب, فلا يمكن بقانون إدماج المرأة في الأحزاب والنقابات والأنشطة المحلية, لأن الأمر في النهاية مرتبط بنوعية الثقافة والقيم السائدة في المجتمع, كما هو مرتبط بسياسات ومناهج التعليم, والثقافة, والإعلام, وباستمرار أو توقف الأحزاب عن وضع العبارات الرنانة في برامجها عن محورية دور المرأة في العمل السياسي, بينما تعمل العكس في الممارسة العملية, وتعوق المشاركة الفعلية للمرأة, كذلك فإن الخطاب الديني من أهم العوامل المؤثرة علي موقف المجتمع من حرمان المرأة من المشاركة في العمل العام, بما يتناسب مع مفهوم المواطنة الذي تحول إلي شعار يستخدم في موضعه وفي غير موضعه!
هناك دعوة قوية إلي علاج هذا القصور بسياسة التمييز الإيجابي للمرأة بتخصيص عدد من المقاعد لها في مجلس الشعب أسوة بالتمييز للفلاحين والعمال في المجلس عندما كانوا أكثر الفئات المستبعدة المحرومة من حقوقها السياسية, ومن التمثيل في السلطة التشريعية, وإن كان هذا التمييز بالقانون ممكنا فهل من الممكن بالقانون ضمان تمثيل المرأة في الأحزاب والنقابات والمجالس المحلية باعتبارها مجالات أساسية للعمل العام, وللمشاركة في القضايا العامة؟
إن وجود المرأة ضروري في كل هذه المجالات لكي يعتدل الميزان, ويسير المجتمع علي ساقين وليس علي ساق واحدة, وضمان سلامة واستقرار المجتمع يفرضان أن يكون ذلك بأسلوب طبيعي, وأن يحظي بالقبول العام, ويكون ذلك بطرح القانون المقترح للمناقشة علي أوسع نطاق, ولا يصدر إلا بعد التأكد من أنه أصبح متسقا مع الرأي العام, ويحظي بالقبول والرضا العام, فهذا القانون بالذات, وغيره من القوانين التي تغير الواقع, يجب ألا تكون ولادتها بعملية قيصرية! وألا تصدر بين يوم وليلة وفي غفلة من المواطنين وهم أصحاب البلد!