لأن المرأة في جميع أنحاء العالم عاشت قرونا وهي تعاني الظلم الاجتماعي والتمييز ضدها, والنظم الحديثة تسعي إلي رفع بقايا وآثار الظلم عنها, فقد قرر الرئيس الأمريكي( مثلا) تشكيل مجلس تابع للبيت الأبيض لشئون المرأة ليعمل علي تحسين أوضاع النساء في الولايات المتحدة, بينما أعلنت تسيبي ليفني, وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة, قبل أن تترك منصبها وتصبح زعيمة للمعارضة, أن إسرائيل لاتزال بعيدة عن إنصاف المرأة الإسرائيلية, وفي مصر أنشأ المجلس القومي للمرأة مكتبا لشكاوي المرأة والسعي إلي حلها تشرف عليه الدكتورة نجوي الفوال ـ مديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية السابقة.
وفي آخر تقارير هذا المكتب, تحليل من منظور اجتماعي ـ ثقافي للشكاوي الواردة إليه في عام واحد, نجد مؤشرات للمشكلات التي مازال المجتمع المصري غير قادر علي التعامل معها, وأعلي نسبة للشاكيات في منتصف العمر, ومعظم الشكوي عن النفقة, والخلع, ونفقة الصغار, ويظهر من التقرير أن نسبة المشكلات لدي الأميات أعلي بكثير من نسبة المتعلمات, وأكثر تعرضا للتمييز والعنف, وبعدهن تأتي شكاوي المرأة الحاصلة علي تعليم متوسط, وأقل نسبة من الشكاوي من المرأة المتعلمة, ويلفت النظر أن7% من الشكاوي عبرت عن مشكلات للمرأة الحاصلة علي مؤهل فوق الجامعي( الماجستير والدكتوراه)!
مما يدل علي أن الظلم الاجتماعي يشمل المرأة المتعلمة وغير المتعلمة مع اختلاف في النسبة فقط, ونجد أن أكثر الشكاوي جاءت من المدن, مما يعني أن المرأة الريفية أكثر خضوعا لوضعها الاجتماعي وتسليمها بأن الرجل هو الذي يسير لها حياتها, ونصف الشكاوي تقريبا يتعلق بمشكلات لا يمكن حلها إلا باللجوء إلي القضاء لكي تحصل المرأة علي حقوقها المسلوبة, تليها الشكاوي من عدم حصول المرأة علي حقوقها التي نص عليها قانون العمل,
وبعدها تأتي الشكاوي من العنف الذي تتعرض له المرأة ولايزال وسيلة الرجال لإخضاعها.
بينما انتهت الشكاوي التي كانت تعانيها المرأة بسبب عدم حصول أبناء المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي علي الجنسية المصرية, وقد منح قانون منح الجنسية لهؤلاء الأبناء الاستقرار والأمان النفسي والاجتماعي لكثير من النساء.
شكاوي المرأة في إطار الأحوال الشخصية تعكس حالة عدم الاستقرار في نسبة غير قليلة من الأسر نتيجة تسلط الرجل ومحاولته التهرب من مسئوليته, مما ينتج عن ذلك تفكك وتشويه في العلاقات الأسرية, وتشتت الأبناء وتكلفة اقتصادية واجتماعية يتحملها المجتمع. أغلب هذه الشكاوي عن امتناع الزوج عن الإنفاق علي زوجته وأبنائه, إما لإخضاع زوجته والضغط عليها, أو بسبب الادعاء بعدم مقدرته المالية, والغريب أنه لاتزال هناك نسبة, وإن تكن ضئيلة, من الشكاوي عن إنكار الزوج نسب أبنائه إليه, إما بسبب جهل الزوجة في قيد ميلاد الطفل وإثبات العلاقة الزوجية بجميع الطرق, وإما بسبب تهرب الزوج من مطالبته بالنفقة, وإما بسبب امتناع وتعنت مكاتب الصحة في قيد المولود من قبل الأم, وهذه المشكلة الأخيرة لا تحتاج إلا إلي تعديل ولا يحتاج إلي تشريع جديد.
وشكاوي المرأة شكاوي بنسبة ليست كبيرة عن حالات يتم فيها استغلال ضعف المرأة وجهلها لإيقاعها في مشكلات قانونية قد تعرضها للسجن أو للضغط عليها للتنازل عن حقوقها مقابل تخليصها من هذه المشكلات, ومن أمثلة ذلك توقيعها علي إيصالات أو قروض كضامن للزوج وتهرب الزوج من الدفع فتتعرض هي للحبس, ويتعرض أطفالها للتشرد, أو التغرير بها للتوقيع علي إيصالات أمانة تستخدم للضغط عليها للتنازل عن حق من حقوقها, وبخاصة حقها في الميراث, وفي الشكاوي نسبة غير قليلة عن تعرض المرأة للخديعة في جريمة خيانة الأمانة, أو البلاغ الكاذب ضدها, أو تعرضها للنصب والتزوير, أو الاستيلاء علي حيازة أو عقار, ويستخدم العنف ضد المرأة في هذه الحالات من الزوج أو الأخ أو من غيرهما من الرجال.
96% من الشكاوي الاقتصادية تعبر عن معاناة المرأة في الحصول علي عمل, واحتياجها الشديد لذلك نتيجة عدم قبول القطاع الخاص غالبا لتشغيل النساء, وتقلص دور الدولة في النشاط الاقتصادي, وإعادة هيكلة الشركات والاستغناء عن النساء أكثر من الرجال في الشركات بعد الخصخصة, وسوف يزداد الاستغناء عن العمالة النسائية كما يتوقع التقرير.
وشكاوي المرأة العاملة تدور حول عدم الحصول علي المستحقات المالية المتأخرة, والتخطي في الترقية لاختلال المعايير الخاصة بالترقي, أو بسبب المحسوبية أو التحيز للرجال علي أنهم الأقدر في المناصب القيادية, وشكاوي عديدة من تعنت جهات العمل في نقل المرأة أو انتدابها للعمل في محل إقامة زوجها أو أسرتها علي الرغم من أن القانون يعطيها هذا الحق لجمع شمل الأسرة, إلا أن الحجة الدائمة للرؤساء هي عدم توافر درجات مالية, أو عدم احتياج العمل, مع وعدم صحة هذه الحجج.
طبعا ليست هذه كل الشكاوي, ولكنها نماذج تكفي للتعرف علي مدي ما تتعرض له المرأة المتعلمة وغير المتعلمة للتمييز والتحيز ضدها, ومحاولات حرمانها من حقوقها, وإن كانت نسبة غير المتعلمات أكبر, وفي النهاية فإن المرأة المصرية حصلت علي الكثير من حقوقها المسلوبة منذ قرون, ولاتزال لها حقوق مسلوبة, ولابد أن تحسن أجهزة الدولة الاستماع إلي توصيات المجلس القومي للمرأة لكي يعتدل الميزان, ويتحقق العدل, ويدخل مفهوم المواطنة حيز التطبيق الكامل.
.