الذين يرون أن الإسلام يضع المرأة في منزلة أقل من منزلة الرجل يعتمدون علي ظاهر النص في الآية(34) من سورة النساء: الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم, وما جاء في الآية(228) من سورة البقرة:... ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة.., ويؤسسون علي ذلك أن حكم الله في الآيتين يتضمن تفضيل الرجال علي النساء, وأن تكون القوامة بمعني السيادة والسيطرة للرجال, وهذا الفهم الشائع يحتاج إلي توضيح.
تقول الدكتورة زينب رضوان في بحثها الفقهي عن القوامة: إن الرجال قوامون علي النساء معناها تكليف شرعي للرجل برعاية أمور المرأة, ومبرر هذا التكليف هو تفضيل الخالق سبحانه بعض الرجال علي بعض النساء مما يستوجب الأهلية لهذه المهمة, ولفظ بعض يمثل الدقة المتناهية في أن بعض الرجال, وليس كل الرجال, فيهم صفات تجعلهم أفضل من بعض, وليس كل النساء, وذلك لا ينفي القاعدة, وهي أن الله خلق الذكر والأنثي وساوي بينهما مساواة مطلقة في القيمة الإنسانية بقوله: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها( النساء:1), فالناس خلقوا من نفس واحدة, ومن هذه النفس خلق الله زوجها, وكلمة زوج تعني نصفين يماثل ويكمل كل منهما الآخر بحيث يصنعان معا شيئا واحدا, أما التفضيل فهو في الصفات الأخري التي يتمايز بها الناس مثل الذكاء والتقوي والمال وقوة البنية.. إلخ, ووجود هذه الصفات أو بعضها عند بعض الرجال هو مناط التكليف بالقيام علي شئون المرأة, والأمر للرجال بتحمل مسئولية الإنفاق.
وتفضيل بعض الرجال يعني أن بقية الرجال خلاف ذلك, كما نقول حضر بعض الأعضاء الاجتماع, فيفهم دون تكرار الخطاب أن البعض الآخر لم يحضر, والقوامة إذن هي تكامل الطرفين ليرعي كل منهما الآخر, وليست القوامة سيادة أو سلطة قهر يمارسها البعض علي البعض الآخر, وهذا ما يتفق مع الواقع لأننا نري أن صفات الكمال التي يتفاضل بها الناس ليست مقصورة علي الرجال.. والنساء محرومات منها لكننا نجد أن للرجال نصيبا وللنساء نصيبا من هذه الصفات, كما أن لكل من الطرفين نصيبا في النقص, بحكم الطبيعة البشرية.
ولا علاقة للتفاضل بصفة الذكورة في ذاتها, والنقص لا علاقة له بصفة الأنوثة في ذاتها, وإلا فإن كل فاسق وغيي ومنحرف من الرجال أفضل من سائر النساء بمن فيهن السيدة مريم العذراء التي قال الله إنه طهرها واصطفاها علي نساء العالمين, أو من امرأة فرعون التي ذكرها القرآن علي أنها المثل الأعلي للمؤمنين كما في الآية(11) من سورة التحريم: وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون.., ولكان كل رجل, مهما يكن انحرافه, أفضل من أمهات المؤمنين, ومن فضليات النساء.
تقول الدكتورة زينب رضوان عميدة كلية دار العلوم: إن الأمر لا يستقيم إذا فهم النص القرآني علي أن جميع الرجال أفضل من جميع النساء, لأن ذلك يترتب عليه أن تتحول كل رذيلة في بعض الرجال إلي فضيلة لمجرد أنهم رجال, وتتحول كل فضيلة عند بعض النساء إلي نقص لمجرد أنهن نساء, وهذا لا يستقيم مع منطق العقل السليم.
وماذا عن طاعة النساء للرجال؟ تري الدكتورة زينب رضوان أن هذه الطاعة جاءت بمعني التزام صاحب المصلحة برأي من يقوم علي مصلحته وهو أهل لها, لأن الإسلام جعل قوامة الرجل في الأسرة قوامة أساسها المودة والرحمة, وقيدها بقيود تحفظ للمرأة كرامتها وحقوقها, وليست القوامة بمعني السيطرة ولا الاستبداد.
وماذا عن قول الله في الآية(228) من سورة البقرة:... وللرجال عليهن درجة..؟ تري الدكتورة زينب رضوان أن هذه الآية ضمن آيات من(221) حتي(242) تتناول بعض أحكام الزواج, والمعاشرة, والإيلاء, والطلاق, والعدة, والنفقة, والمتعة, والرضاعة, والحضانة, مما يشكل الدستور الإسلامي المنظم للأسرة, وقد ذكرت تلك الأحكام بدقة وتفصيل, أما الآية(228) فهي تحدد أحكام الطلاق وما يتبعه من آثار, فتأمر المرأة ألا تفكر في الارتباط بزواج آخر إلا بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق, وثبوت عدم وجود حمل, وتحرم الآية علي المرأة المطلقة أن تخفي الحمل, وفي فترة العدة يحق للزوج أن يردها إلي عصمته إن أراد إصلاحا, وللمطلقات في هذه الحالة حقوق, وعليهن واجبات, والزوج مكلف بأن تكون نيته في الرجعة الإصلاح وليس الإضرار بالزوجة, وعلي الزوج النفقة لزوجته المطلقة في فترة العدة, وللرجال عليهن درجة مقيدة في هذا السياق بحق الرجل في رد المطلقة إلي عصمته في فترة العدة, وليست هذه الدرجة مطلقة في كل الأحوال كما يفهمها الكثيرون ويستشهدون بها في غير موضعها.
تقول الدكتورة زينب رضوان: إن هذا الفهم هو ما يتسق مع مبدأ الإسلام الذي يقرر وحدة الجنس البشري الذي خلقه الله من نفس واحدة وجعل منها الذكر والأنثي دون تفرقة بينهما في القيمة الإنسانية.
ما رأي مجامع البحوث الفقهية في العالم الإسلامي في ذلك؟
الفكرة الأساسية التي تبني عليها الدكتورة زينب رضوان نظرياتها واجتهاداتها الفقهية أن المصالح تتغير بتغير الأزمان والأحوال, وعلي فقهاء كل زمان التسلح بالبصيرة حتي يمكن معرفة المصالح والمفاسد التي تغيرت أوضاعها وآثارها, وإلي أي مدي يستدعي هذا التغيير مراجعة الأحكام وما يحتاج المسلمون إلي تعديله منها, والحد الذي ينبغي أن يصل إليه ذلك التعديل, وذلك اعتمادا علي القواعد التي وضعها العلماء وأصبحت تمثل الإطار الذي يجب الالتزام به.
.