جريمة الإرهاب الأخيرة في حي الحسين تدعونا إلي إعادة طرح السؤال القديم: ماذا يحقق الإرهاب بجرائمه غير زيادة الكراهية والاستنكار والاصرار علي التصدي له واقتلاع جذوره؟
الإرهاب جريمة مهما ادعي أن هدفه نبيل, لأن الهدف النبيل لابد أن يكون تحقيقه بوسائل نبيلة, والإرهاب يلجأ إلي وسيلة خسيسة هي اغتيال الآمنين وترويعهم, وفي النهاية كما أن الجريمة لا تفيد فإن الإرهاب لا يفيد مهما بلغ حجمه وبلغت القوي التي تحركه.
لقد تعرضت معظم الدول للإرهاب لأسباب مختلفة ومن قوي مختلفة, ولم تنج منه الدول العظمي أو الصغري ابتداء من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلي اليابان والصين وأسبانيا والهند, حتي العراق وباكستان والسعودية ولبنان.
ولم تنج منه مصر أيضا, ومع اختلاف الدوافع في كل حالة فإن الهدف واحد هو اثارة الذعر بين المواطنين ومحاولة التأثير سلبا علي الاقتصاد والسياحة, وشغل أجهزة الدول عن قضايا معينة وفي أوقات معينة بالذات, وإن كان الإرهاب يتلون ويتلبس في كل حالة بفكر معين أو بأيديولوجية معينة كغطاء يسبغ عليه مشروعية مزيفة.. ففي العالم الإسلامي يرتكب الإرهاب جرائمه باسم الإسلام ومدعيا أن هذا جهاد, وفي فلسطين يدعي إرهاب الدولة الإسرائيلية أن جرائمه رد علي ما يدعي إنه إرهاب. وفي فرنسا يظهر الإرهاب علي أنه احتجاج علي التمييز ضد المهاجرين, وفي العراق يندس الإرهاب في عباءة المقاومة فيؤدي ذلك إلي الالتباس بين المقاومة الموجهة لقوات الاحتلال والإرهاب الموجه إلي العراقيين أنفسهم, وهكذا تتعدد أقنعة الإرهاب وتتعدد مصادره, أحيانا علي يد جماعات لها فكر وأيديولوجية دينية أو سياسية ضالة, وأحيانا تحركه دول وأجهزة مخابرات بطرق خفية وملتوية, وتستخدم عملاء بعضهم مأجور, وبعضهم ضحية عمليات غسيل المخ المنهجية.
وفي النهاية فإن الإرهاب لم يحقق شيئا في أي مكان ظهر فيه علي مدي التاريخ سوي قتل الأبرياء أو تدمير المباني, أو تعطيل مسيرة التقدم واستنزاف جزء من طاقة المجتمعات.. وهو ـ في النهاية أيضا ـ خارج علي الأديان جميعا وعلي القيم الأخلاقية والانسانية.. وبالنسبة للإسلام فإنه قاطع وصريح جدا في تحريم الإرهاب بكل صوره ومن مبادئ الإسلام ما كان يوصي به أبوبكر الصديق جنوده وهم متوجهون إلي ميادين الحرب فيأمرهم: لا تقطعوا شجرا, ولا تحرقوا نخلا, ولا تقتلوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا, ولا تتعرضوا لراهب ومن مبادئ الإسلام أيضا ـ حتي في الحروب ـ تحريم قتل الحيوان بغير مصلحة, أو تلويث المياه أو هدم المباني.. فالإسلام دين إصلاح وتعمير وليس دين إفساد في الأرض.. وحين شرع الجهاد وضع له شروطا وضوابط تدل علي مدي ما في هذا الدين العظيم من القيم النبيلة, فالجهاد المشروع في الإسلام يشترط الا يكون في غير ميادين الحرب, والا يكون اعتداء علي الآمنين وإنما يكون للدفاع ولرد العدوان, والا يكون موجها إلي الأعزل من السلاح فليس من الشرف أن تحمل السلاح علي من لا يحمل سلاحا, ولا يقاتل المسلمين, من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا المائدة32 ـ وفي الحديث الشريف: المؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم.. والأوامر صريحة للمسلمين في كتاب الله علي تحريم الإرهاب سواء كان موجها إلي المسلمين أو لغير المسلمين, بل إن الإرهاب محرم حتي ضد الكفار, ومن أخلاق الإسلام توفير الأمان للكفار ماداموا مسالمين. وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه التوبة6 ـ هل هناك دعوة إنسانية وأخلاقية بمثل هذا النبل والرقي الحضاري.. مسئولية المسلم عن توفير الأمن للكافر وحمايته إلي أن يصل إلي مكان يتوافر له فيه الأمن.
وهناك آيات وأحاديث عديدة تؤدي إلي الحكم علي المسلم الذي يقوم بعملية إرهابية خارجا علي الإسلام ومفسدا في الأرض, وإن ادعي أن ما يفعله جهاد فعليه أن يدرك أن الجهاد يجب أن يلتزم بشروط الجهاد كما حددها الله في كتابه.
وعلينا أن نعترف بأن أساليب التربية في المدارس والدعوة في المساجد, ووسائل الثقافة والإعلام في العالم العربي والإسلامي لم تحقق النجاح اللازم في غرس قيم الإسلام النبيل وأخلاقه, ولا يزال خطاب التشدد والتعصب والتحريض علي العدوان والعنف سائدا ومؤثرا.
وإذا كانت إسرائيل تعتقد أن أمنها بوسائل الإرهاب واستخدام القوة المفرطة يمكن أن توقف حركات المقاومة والرفض لاعتداءاتها علي أرواح وأراضي وبيوت المدنيين الفلسطينيين, فهي تسير في الاتجاه الخطأ تاريخيا, وهذا الاتجاه لن يحقق لها الأمن علي المدي الطويل, ولن يوفر لها المناخ الذي يجعلها تتعايش مع العرب في سلام, لأن التعايش والسلام لا يتحققان إلا بالعدل, وفي غياب العدل, وتحت ضغط الحصار والاعتداءات الوحشية لابد أن يكون رد الفعل الفلسطيني من نفس النوع, وكلما قتلت إسرائيل فلسطينيا من المقاومة سيظهر فلسطيني آخر أشد بأسا وأكثر إصرارا علي المقاومة. وهذا هو درس التاريخ.
.