يستخدم أصحاب الاسلام السياسي شعار تطبيق الشريعة لجذب قطاعات من المسلمين المتدينين الذين لا يفكرون بمنهج التحليل والنقد, وبالعاطفة الدينية يتقبلون كل ما يقال عن الاسلام من أي مصدر علي أنه امر لا يقبل النقاش, واصحاب الإسلام السياسي هم الاقرب الي هؤلاء وهم اصحاب الصوت العالي بينما صوت الطرف الآخر خافت أو غائب أو يعلو في المناسبات والاحداث فقط.
والذين يتمتعون بالوعي السياسي والثقافة الدينية الصحيحة في تيار الإسلام السياسي هم اقلية عددية, بينما أكثر الذين ينتمون أو يتعاطفون مع هذا التيار بدافع العاطفة الدينية والحلم بأن يسود في المجتمع العدل والحرية والكرامة لكل انسان.. وملايين الشعوب الاسلامية تشغلها هموم الحياة ومشكلاتها اليومية, وهذه الملايين مؤمنة بالاسلام وتلتزم بأداء واجباته وفروضه دون ان يشغلوا انفسهم بقضايا نظرية أو فلسفية, أما الذين يقودون هذا النيار فهم المتطلعون الي السلطة ويخاطبون العامة بشعارات ووعود تدغدغ مشاعر المحرومين والمهمشين والحالمين بمجتمع مثالي يبدو وكأنه الفردوس المفقود والمدينة الفاضلة او مدينة الله كما يقول البعض.. والغالبية العظمي من المسلمين لا يستوعبون الابعاد والاهداف والعلاقات الخفية لهذا التيار المغلفة بالشعارات الجميلة, ولا يدركون تداعياتها.
اصحاب الاسلام السياسي يستخدمون اسلحة الترهيب والتخويف والتكفير وتشويه آراء المخالفين لهم, ويدعون ان وصولهم الي الحكم هو استكمال الدين, وهو حق الله وامره, وهو فريضة واجبة علي كل مسلم أن يؤمن بها ويعمل بل ويجاهد ويضحي بروحه وارواح الآخرين لتحقيقها, وفي الوقت نفسه فإن اصحاب الرأي الآخر عندما يخالفون هذا التيار يفعلون ذلك بصوت لا يكاد يسمع, ولا يفصحون صراحة وعلنا عن مخاوفهم من أطماع وارهاب تيار الاسلام السياسي مخافة من التكفير أو التشهير أو التشكيك في العقيدة فلا يكشفون شبكة العلاقات والمصالح التي تربط هذا التيار بجهات معينة تعمل في الخفاء.. وبعض المفكرين يكتفي بترديد أن دعوة تيار الاسلامي السياسي الي تطبيق الشريعة غير ممكنة عمليا لعدم توافر الشروط الضرورية, لذلك ولابد من إعادة صياغة المجتمع صياغة جديدة لتتحقق فيه العدالة الاجتماعية وتكون التربية والتنشئة للفرد وبنية المجتمع المسلم ملائمة لهذا الهدف وفي الوقت نفسه فإن مخاوف المرأة المسلمة من استبداد تيار الاسلام السياسي بموقفه الظالم للمرأة والرافض لمنحها حقوق الانسان واعتبارهم المرأة فتنة هذا التيار يخفي نواياه في الانتكاس بالحقوق التي اكتسبتها المرأة المسلمة في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة والقوانين التي تحفظ لها كرامتها وآدميتها, ومن حق المرأة أن تشعر بالخوف من هذا التيار الذي يبني نظرته للمرأة علي اساس أنها ناقصة عقل ودين, وليس لها دور في الحياة سوي خدمة الرجل وطاعته.!
والاغلبية الساحقة من المعارضين لتيار الاسلام السياسي هم من المؤمنين الذين لا يمكن التشكيك في عقيدتهم, ملتزمون بما الزمهم به الله من الفروض والطاعات, يعملون بالاسلام علي ان الدين المعاملة, معاملة الانسان مع ربه ومع الناس, والذين يعارضون هذا التيار إما انهم يعارضونه من منطلق غير ديني وبفكر سياسي او منطقي, وإما من منطلق واقعي بأن صيغة الدولة الدينية قد تجاوزها الزمن وان المجتمع الحديث لا يمكن أن يقوم في هذا العصر علي اسس لاهوتية وإلا فإن ذلك يعني إمكان قيام نظم سياسية إسلامية, وأخري مسيحية ويهودية, وبذلك ينفتح الباب لصراع الاديان وللحروب الدينية بديلا عن الصراع السياسي والاقتصادي الذي يسود العلاقات الدولية.. وهؤلاء يرون أن الدول التي قام نظام الحكم فيها علي شعارات الحكم بالشريعة لم تتحقق فيها الشعارات والوعود بالتقدم والرخاء والعدالة, بل تحقق العكس وازدادت تخلفا ولم تنجح واحدة منها في أن تكون نموذجا لهذا الفردوس المفقود ولم يحكم في واحدة منها عمر بن الخطاب أو عمرو بن العاص وأمثالهما ممن تضرب بهم الأمثال وتقترن بهم الوعود بتحقيق المدينة الفاضلة في هذا العصر..
المعارضون للاسلام السياسي هم الأغلبية الصامتة ومن اصحاب الصوت الهادئ الذي لا يدوي في الساحة مثل صوت تيار الاسلام السياسي لأن المعارضين يدركون ما ينتظرهم من الابتزاز والتشهير والحقيقة هي فشل المؤسسة التعليمية في غرس الفكر الاسلامي الصحيح والرشيد منذ الصغر وفي جميع مراحل التعليم, وهذا الفشل التربوي, أدي الي وجود فراغ ديني, ولم يستطع القائمون علي الدعوة ملء هذا الفراغ بأساليبهم التقليدية وأحاديثهم المكررة والمملة, غالبا وبعدم وعيهم لطبيعة التطورات التي استجدت في العالم وأدت الي استحالة اعادة عجلة الزمن الي الوراء في عصر المعجزات العلمية والتحولات في بنية النظم الاقتصادية وفي العلاقات الاجتماعية والعلاقات الدولية.. الدعاة الذين يصرخون في مكبرات الصوت لا يخاطبون العقول بالمنطق الهادئ وبالحجة والدليل.. إنهم ايضا يمارسون لونا من الارهاب اللفظي والتخويف ولم يتم اعدادهم للتعامل مع التغيرات التي طرأت علي عقول وأفكار واتجاهات الاجيال الجديدة التي تعيش في عصر المعلومات ومتابعة ما يجري في العالم بلمسات من اطراف الاصابع علي الكمبيوتر وزوال الحدود بالانترنت والتليفون المحمول والفضائيات وإمكان التجول والتواصل في انحاء العالم واستحالة الانغلاق وتفادي التأثر والتأثير بين شعوب الارض.
مشكلة العالم الاسلامي تكمن في تخلف التعليم والإعلام والثقافة وفي عدم اعداد الدعاة الاعداد الواجب ليكون حوارهم مع تيار الاسلام السياسي علي أساس الحجة بالحجة ودون ارهاب الميكروفونات.. المشكلة هي قصور وعجز مؤسسات بناء العقول!.
والأمر المؤكد أن موضوع الإسلام السياسي وجماعاته يجب ألا يكون مجالا للمزايدة وللضغط والابتزاز او للإنتهازية كما يفعل البعض والأمثلة حاضرة علي الكوارث التي سببتها هذه الجماعات حين قفزت علي السلطة في بعض بلاد المسلمين.. موضوع الاسلام السياسي اخطر من أن يكون مجالا للمناورة, ولا يمكن أن يكون الحوار فيه بالسيوف والهراوات او بقنابل الدخان والتخريب والقتل العشوائي.. وكما يقول علماء السياسة والاجتماع, فإن العنف الذي تمارسه الجماعات التي تستخدم شعارات الاسلام السياسي لم يظهر إلا بعد ان اهتزت في المجتمعات الاسلامية القواعد الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية التي تضبط سلوك المجتمع جماعات وافراد.. وهذا ما جعل جماعات الاسلام السياسي تري ان هذه هي الفرصة لاستخدام العنف, واحيانا الارهاب ـ في الحوار بهدف حسم الخلاف لمصلحتهم خارج القواعد الشرعية والقانونية..
.