يوسف وهبى الأسـطـــورة
كل إنسان له جوانب إيجابية وجوانب سلبية ولا يوجد إنسان ليست له سلبيات، أبو المسرح الفنان الكبير يوسف وهبى كانت ايجابياته كثيرة أما سلبياته فكانت تتلخص فى مغامراته النسائية التى يستحيل حصرها، والقمار الذى ضيع فيه أمواله وأموال زوجته وحياة البذخ إلى حد تبديد ثروته والوصول فى بعض الأحيان إلى حد الإفلاس. كانت له مغامرات نسائية بعدد شعر رأسه، ولا يكاد ينتهى من قصة حتى يبدأ قصة أخرى، والتناقض الغريب فى شخصيته أنه كان كذلك وهو يعيش مع زوجته الأولى المليونيرة عائشة فهمى التى وضعت ثروتها تحت تصرفه وظلت تحبه حتى بعد أن انفصلا، وكان كذلك مع زوجته لويز مغنية الأوبرا الأمريكية، ثم مع زوجته الإيطالية التى استمر زواجهما أربع سنوات فقط، وكان كذلك أيضاً مع زوجته الرابعة والأخيرة سعيدةمنصور يوسف بنت الباشا وزوجة ابن الباشا التى هربت من حياة القصور ومن زوجها، وضحت بأولادها الأربعة من أجل عيون يوسف وهبى وظلت إلى جواره تتحمل نزواته وتتغنى بحبه إلى آخر لحظة من عمره وعمرها، وكان هو أيضاً - رغم نزواته - يعلن حبه لها كل دقيقة.
ويقول إن هذا الحب يملأ كيانه ولا يستطيع أن يرد لها الجميل الذى تطوق به عنقه كل لحظة، ويحكى كيف كان يرسل إليها رسائل حب ملتهبة وهى فى بيت زوجها عن طريق الفنانة الكبيرة أمينة رزق التى دخلت قصر الزوج على أنها شغالة وبرعت فى تمثيل هذا الدور، وكانت أمينة رزق هى «مرسال الغرام» مع أنها كانت تحب يوسف وهبى، قيل إنه كان حبا بدون أمل ظلت وفية له إلى أن ماتت دون أن تتزوج وسجلت بذلك قصة حب نادرة.. وكان يوسف وهبى يطوف بقصر سعيدة فى المساء متنكرا إلى أن يرى شبح وجهها وراء إحدى النوافذ ويبكى.. وبعد أن هربت إليه وحصلت على الطلاق بعد معركة كبيرة وتزوجته لم تتوقف مغامراته النسائية.. ويبدو أن يوسف وهبى كان له قلب كبير جدا يسع كل نساء العالم.. أو كان له أكثر من قلب (!). عاش يوسف وهبى حياة الملوك وكان يفلس فيعيش حياة المفلسين، وفى فترات الثروة بنى القصور وكان يسافر بدعوة من الملوك والرؤساء والأمراء ويقضى سهراته معهم، وطاف العالم مع قصة حبه «سعيدة منصور» حتى إنها قالت للدكتورة لوتس عبد الكريم أقرب صديقاتها:(لقد منحنى أكثر مما أحب) وعن مغامراته النسائية قالت لها:(هو مثل كل فنان له نزوات ومعجبات ومشكلات كثيرة وكنت أتجاهل وأصفح وأنسى لأنه يعود دائما نادما مستغفرا مؤكدا لى أننى حبه الوحيد.. الشىء الوحيد الذى كان ينغص حياتى هو إدمانه لعب البوكر وسباق الخيل وخسائرة الفادحة التى بدد فيها أمواله فى أخريات حياته وكادت تفرق بيننا أكثر من مرة). تقول لوتس عبد الكريم فى كتابها المشوق عن يوسف وهبى إنها سافرت مع يوسف وهبى وزوجته سعيدة إلى أماكن كثيرة فى سويسرا وفرنسا ولبنان وانجلترا، وذهبت معها لترى يوسف وهبى فى حلبات السباق من باب الفضول، وكان هو لا يمل من لعب القمار والرهان فى سباقات الخيل والكلاب، وكانت - مع زوجته - تراقبه وهو يخسر الجولة بعد الجولة، ثم يكسب ثم يخسر إلى أن يخسر كل ما معه ويلعب بأموال زوجته.. وفى أخريات أيامه كان لا يملك شيئا من الثروة الكبيرة التى حققها، فكانت ثروة زوجته هى التى حفظت له مظهره حتى آخر يوم. وتكشف لوتس عبد الكريم سرا عن يوسف وهبى وهو أن آخر مغامراته الغرامية كانت مع الراقصة ببا عز الدين، وأنها جعلته يتعاطى الكوكايين وينفق عليها الكثير من أمواله المتبقية ووصل به الحال أن شقيقه إسماعيل خصص له مصروفا 160 قرشا كل يوم للإنفاق على بيته وزوجته سعيدة هانم منصور، وحين مات سنة 1982 كان قد فقد كل ثروته.
تراجيديا الحب والزواج
بدأت قصة زواجه من عائشة فهمى الثرية عندما أوشك على الإفلاس فتدخلت هى لإنقاذ مسرح رمسيس وساعدته على النهوض من جديد والقيام بجولات عرض فيها مسرحياته فى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وليبيا وتونس والسودان والبرازيل والأرجنتين ثم فى باريس وكانت عائشة فهمى تصحبه فى كل هذه الرحلات وكانت متزوجة من طبيب اضطرت إلى منحه خمسين ألف جنيه - فى ذلك الزمان تساوى أكثر من خمسة ملايين اليوم - وتنازلت له عن مساحة أرض كبيرة مقابل أن يطلقها لتتزوج يوسف وهبى، وفى باريس تزوجا وكانت أغنى سيدة فى مصر وتكبره بستة عشر عاما. وبفضلها استطاع إنشاء «مدينة رمسيس على مساحة 17 فدانا فكانت إحدى عجائب القاهرة فى ذلك الوقت عام 1932، وقال يوسف وهبى للدكتورة لوتس عبد الكريم عن هذه الفترة إن نجاحه كان فى صعود، ثم بدأت غيرة عائشة فهمى تخنقه إلى حد مراقبة كل تحركاته وبعد أن كانت تشجعه على مواصلة نشاطه الفنى أصبحت تضيق باهتمامه بقضاء الوقت فى التأليف والتمثيل والإخراج، ويضيف: حولت حياتى إلى جحيم لا يطاق عند هذا الحد هجر قصرها على النيل فى الزمالك دون أن يحمل معه شيئا من ملابسه، ولم يكن فى جيبه غير خمسين جنيها.. حاولت عائشة فهمى إعادته إليها وعرضت عليه أن تمنحه 500 فدان ليعود ولكنه رفض وقام برحلة إلى الخارج، وحين عاد منها وجد أن عائشة فهمى قد رفعت عليه دعوى نفقة وحصلت على حكم بمبالغ كبيرة وقام محاميها بالحجز على مدينة رمسيس، وظلت تلاحقه إلى أن اشهر إفلاسه، لكنه استطاع أن يبدأ نشاطه الفنى ويستعيد مجده ويسدد ديونه، ويحول دار سينما بيجال فى وسط القاهرة إلى مسرح يسع ألف متفرج وعادت فرقة رمسيس من جديد. وبدأت قصة الحب الرومانسية مع السيدة سعيدة منصور التى تفوق قصة روميو وجولييت وعاشا معا حياة اسطورية.. تصف لوتس عبد الكريم القصور التى كان يعيش فيها مع سعيدة فتقول إنها كانت كقصور الملوك مقامة على أرض واسعة فى الهرم محاطة بالأشجار والبوابات الضخمة، وفيها أربع فيلات.. إحداهما على الطراز الأمريكى الحديث، والثانية على الطراز الفرنسى وكل ما فيها مقتنيات أثرية وكان يوسف وهبى يقضى فيها أوقاته حين يريد أن يكون متفرغا للتأليف والإخراج، وكان يضع فيها لوحات مسرحياته، والفيلا الثالثة كانت على النظام الانجليزى القديم وهى للأسرة والزوار وما أكثرهم، أما الفيلا الرابعة فكانت للمعيشة.. وبين الفيلات الأربعة حمام سباحة كبير تظلله الأشجار والورود، وعلى البوابة الرئيسية يقف الحراس. وتحكى لوتس عبد الكريم عن الحفلات التى كان يقيمها يوسف وهبى فى أيام مجده، والموائد ممتدة بين الأشجار، والمأكولات الفاخرة والشراب والخدم يتحركون بين الموائد.. وكل هذا ذهب واندثر وانتقلت الأسرة فى السنوات العشر الأخيرة من عمره إلى الفيلا الصغيرة وبقيت الزوجة فيها حتى بعد أن تم قطع الأشجار، ونزع البوابة الحديدية الضخمة، وأنشئ مبنى كبير من عدة طوابق ليكون فندق «جرين بلازا» وكان أحد المستثمرين قد استأجر من يوسف وهبى فى أخريات أيامه هذه الأرض لمدة تسعين عاما، واستولى الفندق على الفيلا ذى الطراز الفرنسى واستغل لوحات المسرحيات الخالدة فى تجميل البار والصالون، أما بقية المبانى فقد هدمت، وعاش يوسف وهبى مع زوجته فى القصر الصغير ذى الطابع الأثرى، وبعد وفاته ظلت الزوجة تصر على البقاء فيه رغم إلحاح الكثيرين بالانتقال إلى شقة فى عمارة تؤنس وحدتها بدلاً من الحديقة الموحشة والأشجار المقطوعة وتحولت منطقة الهرم من منطقة سكن أبناء الذوات إلى ساحات للمجارى والقمامة ومرتعا للناموس والذباب والقطط الضالة، ظلت الزوجة تعيش فى هذا المكان المقفر مع ذكريات الحب والمجد والأضواء، وصور يوسف وهبى حولها فى كل مكان وفى الشرفة مقعدان تجلس هى على أحدهما ويظل الثانى شاغرا إلى أن رحلت وقد بلغت الثمانين، ولكن هذه السيدة التى عاشت حياة البذخ والفقر والحب والوحدة عاشت أيضاً مأساة فراقها لبناتها الأربع فلم ترهم إلا بعد أن مات المغازى باشا «جدهم» وابنه محمد المغازى «والدهم».. وكانت ابنتها «بثينة» الصغرى رائعة الجمال قد انتحرت فى لبنان أمام عينى الأم وزوجها فى مراحل زواجهما الأولى وتضاربت الأقوال عن أسباب انتحارها، والابنة الكبرى «عايدة» كانت تعانى من انهيارات عصبية متتالية وتزوجت عدة مرات وكانت تحتجز فى مستشفيات لندن وسويسرا وتوفيت فى إحدى نوباتها العصبية، والابنة الثالثة «سامية» الجميلة توفيت بعد معاناة مع السرطان، و«محاسن» الابنة الرابعة كانت متزوجة من السفير محمود حمزة ورحلت بعد أمها بقليل، أما ابنها «محمد» فكان يعيش معها وهو مصاب بشلل الأطفال.. هى قصة إنسانية فيها قمة السعادة وقمة الألم وقمة الحب وقمة التضحية.
هذا هو يوسف وهبى عميد المسرح المصرى والعربى ومؤسس أكبر وأشهر فرقة مسرحية «فرقة رمسيس» ومنشئ أول مدينة للفن «مدينة رمسيس» وأستاذ التمثيل الذى تخرج على يديه عمالقة المسرح، والذى قال عنه نجيب محفوظ إنه عرف المسرح وأحبه واحترمه عن طريق يوسف وهبى الأب الحقيقى للنهضة المسرحية الذى شهد الجميع بأنه كانت له كاريزما خاصة تجعل كل من يلقاه أسيرا لشخصيته. وكتب يوسف وهبى مذكراته ونشرها فى كتاب بعنوان «عشت ألف عام» فى خمسة أجزاء حكى فيها عن والده عبد الله باشا وهبى الذى كان مفتشا للرى، وجده الشيخ هديب قطب الذى كان قاضيا فى تونس قبل أن يهاجر إلى مصر، وجده لأمه سورى من أصول عراقية الحاج على البغدادى الذى كان يشغل منصب شيخ الإسلام فى دمشق، وجدته لأمه التى كانت تركية مسيحية أصولها من جزيرة كريت، وتحدث فيها بصراحة عن حياته ومغامراته. قصة حياة طويلة مليئة بالورود والأشواك لفنان غير عادى عاش حياة غير عادية.. وترك بصمته، وكتب صفحة فى تاريخ مصر الحديث.