يري محمد أركون ـ استاذ الفكر الاسلامي في جامعة السوربون ـ أن المثقفين في العالم الاسلامي شاركوا في صناعة التخلف في بلادهم, وكانوا ضحايا التخلف في نفس الوقت, ولايستثني من ذلك سوي قلة معدودة واجهت المتاعب والاتهامات وفرض علي فكرها النسيان!
وفي رأيه أن المثقفين في العالم الاسلامي لم يعد لهم تأثير كبير علي حركة مجتمعاتهم, وهم معزولون, ويعيشون بين فكي كماشة.. بين النخب السياسية التي تنظر اليهم نظرة اشتباه وعدم احترام ـ وربما نظرة ازدراء ـ وبين الجماهير الرافضة للنظريات والأفكار العلمية الجديدة, ونتيجة لذلك ظهر المثقفون المزيفون الذين يشاركون النخب السياسية في تزييف الوعي, والهاء الجماهير عن التطلع ـ والمشاركة ـ في بناء مجتمعات عصرية قائمة علي الايمان بالعلم وبالحرية وبالكرامة الانسانية, والنتيجة أن المثقفين الحقيقيين هم موضع اتهام دائما من السلطة السياسية ومن قادة تيار الجمود والتشدد في الفكر الاسلامي, ومن الداعين إلي الاسلام السياسي الذين لايريدون أن يكون في الساحة صوت يكشف حقيقة الخداع في دعوتهم.. المثقفون الحقيقيون الذين يدعون إلي تحديث مجتمعاتهم لتلحق بركب الحضارة العالمية هم في موقع الدفاع عن النفس, والسهام توجه إليهم بقوة من أصحاب الخطاب الديني الديماجوجي والمتشدد, ولذلك أصبح المثقفون الحقيقيون في حالة خوف من إعلان أفكارهم في نقد ما وصل إليه الخطاب الديني والفكر الديني من رجعية وجمود وترويج للخرافة واللا معقول.
وهذا ما يفسر لماذا يدور الفكر في العالم الاسلامي في حلقة دائرية, فيبدأ من حيث ينتهي, وينتهي من حيث يبدأ, حتي ظلت المسائل التي نوقشت بين القرنين الثاني والرابع( الثامن والعاشر) هي المسائل التي يناقشها المسلمون حتي الآن دون ان يتجاوزوها إلي ماهو مطروح في الساحة العالمية اليوم من قضايا تتعلق بحياة الانسان ومستقبله وامتلاكه لعوامل القوة التي تجعله قادرا علي انتزاع حقوقه والدفاع عن حريته وتحسين نوعية حياته.
وقد أدت سيطرة الفكر الديني المتخلف علي الساحة إلي أن أصبح الفرق ضئيلا بين المفاهيم الدينية لدي الطبقات المتعلمة والطبقات غير المتعلمة, وان كان الفرق واضحا في مستويات المعيشة والدخول واستخدام الأجهزة الحديثة, ولكنه ليس واضحا في المعتقدات الدينية, ونحن نري من بين رجال الدين والدعاة من ينخرط في جماعات تقدس زعيمها وتسبغ عليه صفات تجعله فوق البشر, ومنهم من يروج للتوسل بالموتي ويحكي عنهم خوارق الأعمال التي لم يأت بمثلها الأنبياء.
ويقول محمد أركون أن نتيجة الفكر الرجعي لمسها عندما التقي بكثير من المثقفين الحقيقيين من انحاء العالم الاسلامي وكلهم عبروا له إما عن رغبتهم في ترك أوطانهم والهجرة إلي حيث حرية الفكر, وإما أنهم فضلوا الاستكانة إلي الصمت, والنتيجة كما نراها هبوط مستوي الانتاج الابداعي والمبتكر في العلوم والفكر عموما.
وقد يري البعض أن هذه الصورة فيها مبالغة في التشاؤم, وقد يستشهدون بأسماء معدودة لمثقفين كبار في العالم الاسلامي رسالتهم التنوير وايقاظ العقول وشحذ الهمم للنهضة ولكن ماذا كان تأثير هؤلاء( رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ولطفي السيد وطه حسين والعقاد وامثالهم في العالم الاسلامي).. لقد القوا حجرا حرك سطح البحيرة الساكن ثم عاد إلي السكون بتأثير الفكر المضاد.. الفكر الرجعي الفكر الظلامي.. فكر التخلف والدليل علي الفقر في ساحة الثقافة الاسلامية أن العالم الاسلامي كله ليس فيه من هم في مستوي الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون والجرجاني والجاحظ وابو حيان التوحيدي والفخر الرازي وأمثالهم, وليس لدينا إلا الاستشهاد بهؤلاء الذين ابدعوا في القرون الماضية ابداعات أثرت في مسار التفكير الانساني, وكانت نقطة تحول في العلوم, والثقافة بفروعها المختلفة, لم يظهر في العالم الاسلامي مثقفون بهذا الحجم, لأن هؤلاء العمالقة ظهروا في مناخ يسمح بحرية الفكر والعالم الاسلامي يعيش الآن في مناخ الاستبعاد والادانة..
ويري محمد أركون ان حركة الاخوان المسلمين لعبت الدور الرئيسي في التنافس من أجل السيطرة علي العقول بشعارات براقة لكي تسيطر علي المجتمعات الاسلامية.. فالسيطرة عندها هي الحل.
وهذه قضية أخري.
.