منذ عشرين عاما, كتب أستاذنا الدكتور أحمد كمال أبوالمجد بحثا عن الحاجة إلي الإسلام في هذا الزمان, أشار فيه إلي رؤيته لأسباب تخلف المسلمين, وأولها اكتفاء المسلمين بتكرار الحديث عن عظمة الإسلام وشموله وكماله, وأنه الحل الذي لا حل غيره لمشاكل المسلمين وغير المسلمين, دون أن يتحول القول إلي عمل يغير الواقع ويقدم الدليل علي صحة هذه المقولات.
كذلك فإن الدعاة في العالم الإسلامي يهتمون اهتماما بالغا بقضايا جزئية هامشية, وهذا ما يجعل البعض يري أن ما يطرح عليهم باسم الإسلام لم يعد نافعا ولا صالحا للتعامل مع الواقع الذي يعايشونه.. ولم يتحدد بعد الشكل الاجتماعي والثقافي لأكثر المجتمعات الإسلامية, ولم يتحدد نظام القيم والصيغة الإسلامية ـ العصرية للعلاقات الاجتماعية.
وغيرها من القضايا الأساسية الخاصة بالثقافة, وأساليب المعيشة, وعلاقات الناس بعضهم ببعض, وعلاقتهم بالأمم الأخري.. كل هذه القضايا لم تتحدد بعد, والجدل حولها مستمر منذ قرون وحتي اليوم, وكأن المسلمين يمثلون ما حذر منه الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ: كثرة الكلام وقلة العمل!
ولايزال العالم الإسلامي عاجزا عن تقديم الصيغة العملية للتوفيق بين قيم الدين وصور الحياة الحديثة الوافدة علينا من حضارات أخري, وليس من المفيد الاستسلام للشعارات عن قيادة المسلمين لركب الحضارة, فقد كانت هذه القيادة في الماضي ولم يعد لها أثر اليوم, والواقع يشهد بأن المسلمين الآن يعيشون في حالة من الضعف والتفرق والرفض لشروط النهضة, وحتي في داخل كل مجتمع مسلم لا نجد القوة الذاتية ولا تماسك النسيج الداخلي, بل نجد انتشار العنف الفردي والجماعي.
والحل ليس كما يقول البعض بأخذ أدوات النهضة من المجتمعات الأخري, وليس أيضا بإغلاق النوافذ لمنع التيارات الوافدة من الدول التي سبقت في التقدم.
وللتخفيف من الآثار السلبية للتقدم السريع التي يخشي البعض منها ويتصورون أنها ضريبة لا فكاك منها يدفعها كل الراغبين في التقدم الحضاري, فإن مسئولية المثقفين اكتشاف المداخل الصحيحة للتقدم بروح الإسلام ومبادئه, كما أنهم المسئولون عن تجديد أمور الدين وإصلاح ما فسد في حياة المسلمين من أمور دنياهم.
هذه الدعوة للمثقفين في العالم الإسلامي تعيدنا إلي ما سبق أن دعا إليه المفكر الإسلامي الراحل الدكتور عبدالعزيز كامل في إطار مشروع متكامل للنهضة طرحه منذ عشرين عاما أيضا يبدأ بإنشاء بنك معلومات إسلامي يكون مركزا عالميا للتوثيق تشارك فيه الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي يضم وينظم المعلومات عن العلماء في أنحاء العالم الإسلامي, وعن الأبحاث التي يقومون بها, ومن خلاله يتم تبادل المعلومات بين الباحثين مما يؤدي إلي اختصار الزمن فلا يضيع جهد العلماء في بلد إسلامي نتيجة تكرار أبحاث أجراها علماء في بلد إسلامي آخر.
وتكون لهذا البنك فروع في عواصم الدول الإسلامية المهتمة بالبحث العلمي, وتربط الفروع بالمركز الرئيسي شبكة اتصال منتظمة بالاستفادة من الأجيال الجديدة من الحاسبات الآلية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.. وهكذا يتحقق التكامل في العالم الإسلامي للبدء بإقامة الأساس للنهضة والتقدم بالعلم والعلماء.
ومنذ عشرين عاما أيضا, نبه المفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي إلي أن العقبة الكبري أمام تقدم المسلمين هي حالة الانقسام وعدم الاتفاق علي رؤية إسلامية موحدة, وقد أدي هذا الانقسام إلي وجود طوائف وجماعات لا تسعي إلي توحيد الكلمة, بل تعمل علي العكس بإثارة مشاعر العداء والعدوان في المجتمعات الإسلامية, وكل فئة تعتقد أنها هي التي تملك الحقيقة والصواب, وأن الطوائف والجماعات الأخري وجموع المسلمين علي الضلال, وباستغلال تفسيرات ملتوية للنصوص واقتطاع بعض النصوص من سياقها وتوظيفها لأهدافهم تحاول هذه الجماعات اختطاف الإسلام وتدعي أنها الممثل الشرعي والوحيد للإسلام.
أخشي أن أقول إن بداية الخروج من الأزمة هي إدارة حوار يشارك فيه المثقفون والخبراء وقادة الرأي في أنحاء العالم الإسلامي من أجل تأصيل فكر إسلامي يعايش العصر ويقدم استراتيجية للنهضة ويكون جواز المرور إلي القرن الحادي والعشرين.. سيقول بعض المعوقين إن هناك مؤتمرات وحوارات كثيرة.. وهذا صحيح.. ولكنها مجرد لقاءات مظهرية وتبادل لكلمات مكررة ليس وراءها عمل.. وكلها انتهت إلي لا شيء.. ونحن نتحدث عن حوار حقيقي, الكلمة فيه تؤدي إلي عمل.