اختلفت الاجتهادات في تحليل أسباب تخلف العالم الإسلامي, لكنها اتفقت علي أن السبب الرئيسي هو استسلام المسلمين للجمود وعدم سعيهم للاندماج في العصر.
ويمثل هذا الموقف الدكتور سليم العوا ويري أن المسلمين لكي يعيشوا في هذا العصر يجب أن ينشغلوا بقضاياه.. وقضايا هذا العصر ليست قضايا فقهية, ولا عقائدية, ولا تاريخية ومع أهميتها إلا أنه لايمكن أن يترك المسلمون ما يجري في الدنيا من حولهم من تطورات وانقلابات في العلوم والتكنولوجيا والحدود الدولية وموازين القوي السياسية, والاقتصادية ولا يجدون ما يشغلهم سوي قضايا النقاب والحجاب واللحية وغيرها من القضايا التي لايمكن حسمها لأنها مترتبة علي اختلاف العقول ولم تعد ضمن اهتمامات العصر ولا تدفع المسلمين للتقدم خطوة الي الأمام وسيبقي الخلاف فيها الي يوم القيامة!.. والمطروح علي الإسلام اليوم أمران: التحدي الحضاري الذي يسعي الي إبقاء العالم الإسلامي متخلفا وضعيفا ومشغولا بالقضايا الفرعية التي يقتل المسلمون بعضهم بعضا بسببها, والأمر الثاني هو استسلام العالم الإسلامي لحالة الضعف وكأنها قدر لا مهرب منه ولا مفر, وفي نفس الوقت فإن الإرهاب الفكري في العالم الإسلامي هو ذروة الخطأ دينيا وأخلاقيا وهو المسئول عن إصابة العقول بالشلل,
لقد تخلف العالم الإسلامي في الوقت الذي بلغت فيه الحضارة الغربية ذروتها اقتصاديا وعسكريا وفكريا وسياسيا وتريد الآن أن تسيطر علي العالم وأن تفرض علي شعوب العالم الثالث الخضوع للهيمنة الغربية وأن تصبح تابعة لها.
والرؤية السائدة في الغرب تتمثل في نظرية عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر, الذي أشاع أن الإسلام لا يتناسب مع مجتمع عقلاني, وسيبقي متجمدا عند العصور الوسطي يردد ما كان فيها من آراء ونظريات وأساليب الحياة ولا يدرك أن كل شئ قد تغير.. وعلي الجانب الآخر, فإن عالم الفيزياء الباكستاني برويز بيود, يري أن عقيدة الإسلام قوة للعمل والتغيير والتقدم وأن العيب في المسلمين الذين استسلموا للكسل وفقدوا إرادة التغيير وفيهم جماعات تريد أن يعيش المجتمع الاسلامي كما كان عليه في القرن السابع!, وهناك ثلاثة تيارات تتجاذب المسلمين:
تيار يقاوم التحديث ويكتفي بالدعوة الي ترميم ما هو قائم والإبقاء علي كل ما تركه الأقدمون باعتبار أنه هو الحق والصواب وليس بعده مجال للاجتهاد في أي أمر من أمور الدنيا والدين, والتيار الثاني يطالب بوضع الخطط لاقامة مجتمع إسلامي جديد بمواصفات العصر والإبقاء فقط علي ما يصلح من التراث لهذا العصر وايداع ما لا يصلح في ذمة التاريخ, أما التيار الثالث فهو تيار عملي براجماتي يمثل الأغلبية الصامتة من مسلمي اليوم الذين يؤدون الفروض الدينية ولديهم شعور بعدم وجود تناقض بين الاسلام والحداثة, ولكنه شعور مبهم وسطحي دون تعمق في بحث شروط ومتطلبات التحديث.. التيار غير العقلاني الذي يعيش أسيرا للفكر التقليدي المنغلق في تراث الأقدمين هو صاحب الصوت العالي اليوم, كان الأفغاني ومحمد عبده وقبلهما ابن سينا وابن الهيثم ومئات غيرهم من علماء المسلمين في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية يؤمنون بأن العلم هو سر قوة الدول وسر تقدم المسلمين الأوائل,
بينما يحرض الدعاة المسلمون علي ترك الدنيا وشئونها لغيرهم.. والعالم الإسلامي اليوم في مرحلة صراع بين هذه التيارات ولم يحسم الصراع بينها بعد, وقطار التقدم ينتظر حسم هذا الصراع لكي ينطلق الي الأمام أو الي الخلف.
ولا ننسي أن في العالم الإسلامي شريحة مهمة من المثقفين تري الاسلام والشعوب الاسلامية بمنظار القوي الكبري, ويصفون الشعوب الإسلامية بما يصفهم به الاعلام والسياسيون في الغرب, وهؤلاء المثقفون يخضعون لإغراءات كبيرة ـ بالأموال والأضواء والمناصب والدعم السياسي ـ لكي يتنكروا لأهلهم ويتكلموا بلسان الأجنبي ويبرروا سياساته, ونحن نعيش اليوم في عصر تحل فيه مختلف صور القهر النفسي والعقلي وغسل المخ وتلويثه محل القهر المادي الذي كان في العصـر الســـابق, ونتيجــة لذلك أصبحت أعداد متزايدة من المسلمين والعرب أنفسهم يسقطون ضحايا لهذه الحملة فيقبلون ويرددون ما يقال ضدهم كحقيقة.
ولذلك تخلف المسلمون!