لماذا تخلف المسلمون 20
في عصور التخلف واوقات الازمات الاقتصادية في العالم الاسلامي كانت دائما تظهر جماعات تمارس العنف وتستخدم النصوص الدينية لاضفاء الشرعية علي جرائمها, هذه الجماعات كانت تظهر في ظروف اجتماعية وسياسية معينة وليس لأسباب دينية, علي الرغم من انهم يزعمون أنهم الممثلون للإسلام والمفوضون من الله للتصرف باسمه وتطبيق شريعته.
وهذه الجماعات تعتمد في خداع اعضائها علي تفسيرات معينة لبعض الآيات والاحاديث لتبرير انحرافاتهم ويتعمدون انتزاع هذه النصوص من سياقها, وقد ظهرت أمثال هذه الجماعات في كل المجتمعات وفي كل الديانات وفي كل العصور, مما يدل علي انها ليست ظاهرة اسلامية. كذلك فإن ايديولوجية العنف التي تعتنقها هذه الجماعات لها جذور في المجتمعات الاسلامية وكلها تستخدم تقريبا نفس الادعاءات والحجج والشعارات مثل دفع الظلم واسترداد الحقوق المسلوبة, ومواجهة استبداد الحكام, وانصاف المظلومين, وقطع دابر الفساد, وتدل الدراسات الاجتماعية علي ان هذه الجماعات تستخدم الدين كغطاء وانهم يستغلون الظروف التي تعيش فيها الطبقات الفقيرة ويعاني منها الشباب بصفة خاصة مثل غلاء المعيشة والحرمان والبطالة, والمشكلة السكانية, بالاضافة الي اسباب لا يمكن انكارها سواء كانت تتعلق بقيم سياسية مثل الحرية والمساواة والعدالة او تتعلق بتعقيدات الاجهزة الحكومية وممارسات الشرطة.. وقد تكون التفجيرات التي نراها في باكستان نموذجا يستحق الدراسة تكرر في الماضي والحاضر.
وبالطبع هناك اسباب أخري, فمعظم البلاد الاسلامية تعاني من مشاكل زيادة السكان وما ينتج عنها من ضغط علي الموارد وعجز الدولة عن توفير المستوي المناسب للحياة لكل هذه الملايين, وعلماء الاجتماع يجمعون علي ان العلاقة مؤكدة بين تزايد السكان دون إمكان توفير فرص عمل كافية وبين تحول الشباب الي مجرد طاقات مكبوتة قابلة للانفجار وللانحراف, ان تهميش جماعات معينة يؤدي الي تولد مشاعر عدوانية لديها نتيجة تراكم الشعور بالاهمال وممارسة الحكومات للظلم والقهر السياسي واصدارها قرارات متعسفة دون مراعاة لظروف الناس وارادتهم او بسبب تخلي الدول عن بعض مسئولياتها الاساسية, أو شعور الناس بأن القيادات مشغولة بنفسها وليست مشغولة بهم, وتربط دراسات علماء الاجتماع بين تزايد العنف وبين السياسات الفاشلة التي تتبعها الحكومات وتمس الحياة اليومية والاحوال المعيشية أو سياسات القمع بدلا من اتباع سياسات لحل التناقضات وتخفيض حدة التوتر وتخفيف الضغوط والحد من انتشار الفساد, ووضع برامج للتثقيف في المدارس ووسائل الاعلام والثقافة لاعادة روح التسامح واحياء القيم الاسلامية الصحيحة, والرد بوضوح وبأسلوب بسيط يصل الي الناس العاديين علي ما يمكن تسميته فقه العنف وبيان التفسير لفكرة الحاكمية التي يساء فهمها واستغلالها, وبيان فساد الاساس الفكري الذي انحرف بها عن المفهوم الصحيح.. وأنها لا تؤدي الي نظرية التفويض الالهي التي تعطي لشخص او مجموعة الحق في الحكم نيابة عن الله ويكون حكمها هو حكم الله وارادتها هي ارادة الله.
وهناك وجهة نظر تري ان تخلف المجتمعات الاسلامية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا هو الذي أدي إلي ظهور فكر العنف والجماعات الممثلة له, ووجهة نظر أخري تري أن هذه ا لجماعات هي من أهم أسباب تخلف المجتمعات الاسلامية. في العصر الحديث, لأنها تستنزف طاقة وموارد هذه المجتمعات في مكافحتها بدلا من توجيه هذه الطاقات والموارد نحو التنمية والتفرغ للاصلاح ومواجهة ضغوط العولمة ومساعي القوي الكبري للهيمنة واستنزاف موارد وثروات العالم الاسلامي.. والخلاف ايضا في النظر الي العلاقة بين الاستعمار واطماع الدول الكبري في العالم الاسلامي وبين التخلف وأيهما السبب, وايهما النتيجة, وهل تحركت الدول الكبري لاستعمار العالم الاسلامي لأنه متخلف, أم ان العالم الاسلامي تخلف بسبب سيطرة القوي الكبري علي مقدراته واحباطها محاولات التقدم واستنزافها العقول وتجنيدها العملاء والاتباع والمدافعين عن سياسات ومصالح الدول الاستعمارية؟
لكي يتخلص العالم الاسلامي من التخلف ويجد مكانا في القرن الحادي والعشرين فإنه يحتاج اولا الي عقل جديد لهذا العالم الجديد ويحتاج ثانيا الي رواد للنهضة لاحياء روح الأمل وقيادة التحول من مجتمعات تقليدية الي مجتمعات تؤمن بالعلم والتجديد والديمقراطية.