لماذا تخلف المسلمون 12

 لاشك أن المبادرة التي تمثلت في عدة كتب للقادة التاريخيين للجماعة الإسلامية‏,‏ وتضمنت الأحكام الشرعية القاطعة علي حرمة تكفير المسلمين وتسلط الأضواء علي ما وقع في الجهاد من أخطاء وإن كانت هذه الأخطاء ليست أخطاء الجماعة الإسلامية وحدها‏,‏ ولكنها أخطاء لها جذور في الفكر الإسلامي في مراحل الانحطاط التي أعقبت النهضة الحضارية الكبري للعالم الإسلامي منذ ظهرت مجموعات تعطي لنفسها حق اصدار الفتاوي الدينية بالحلال والحرام والحكم علي الناس بالكفر أو الإيمان‏,‏ واستحلال القتل والإرهاب‏,‏ وأخيرا عادت الجماعة الإسلامية بعد سلسلة طويلة من المآسي المؤلمة لتعلن أن أمة الإسلام لم تعان آفة نزلت بها مثل معاناتها من آفة تكفير المسلمين‏,‏ وأن فساد الفكر والعقيدة يفسد كل شيء وتستشهد بالحديث الشريف‏:‏ من قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله‏,‏ وتعيب انتشار موجة التكفير للمجتمع كله حتي سمعنا عن السوبر تكفير وتحولت جماعات التكفير إلي ما يشبه القنبلة الانشطارية وكلما اختلف فريق مع آخر في أي مسألة حتي لو كانت مسألة فقهية فرعية يكفر بعضهم بعضا‏.‏ 

إن مبادرة وقف العنف تشخص بدقة سببا من أسباب تخلف المسلمين وهو التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر في الأمور الاجتهادية والأمور المحتملة‏,‏ وجعل الأمور الاجتهادية أمورا مقطوعة ويقينية ليس فيها إلا قول واحد‏,‏ وفرض الرأي علي الآخرين واتهامهم بالكفر أو بأنهم من أصحاب البدع في الإسلام ويقرر القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية بأن هذا هو الإرهاب الفكري وبأنه أشد تهديدا لأمن المجتمع الإسلامي واستقراره وتقدمه من الإرهاب المادي‏,‏ هذا الإرهاب الفكري يفرض الزام الناس بما لم يلزمهم الله به‏,‏ ويميل إلي التشدد دائما وفي ذلك مخالفة لأمر الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ يسروا ولا تعسروا وهو تكرار لقول الله تعالي‏:‏ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر البقرة‏(185)‏ وفي تشخيص المأساة التي أصابت مجتمع المسلمين انتشار سوء الظن بالآخرين من المتشددين والأصل عندهم الاتهام والادانة والتفتيش عن العيوب واعتبار الخطأ خطيئة‏,‏ والخطيئة كفرا‏,‏ ولم يسلم من سوء ظنهم أئمة المذاهب الإسلامية‏,‏ وهم يتجهون إلي الهدم وليس البناء‏,‏ وهم ضحايا الاعتقاد بأن المجتمع المسلم ينبغي أن يكون مجتمعا ملائكيا فإذا وجدت فيه المعاصي بأي نسبة ـ حكموا عليه بأنه مجتمع جاهلي وأعلنوا عليه الجهاد مع أن عهد الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن خاليا من المعاصي والعصاة من الكبائر أو الصغائر‏,‏ وفي عهد الصحابة كان هناك من قتل ومن سرق ومن زنا ومن شرب الخمر ومن غش في تجارته‏,‏ وفي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم ارتد عن الإسلام بعض الذين لم يحتملوا التعذيب من المشركين في مكة وارتد عن الإسلام الذين لم يصدقوا حديث الاسراء والمعراج‏,‏ فلا يمكن أن يكون المجتمع المسلم في أي عصر سابق أو لا حق خاليا تماما من جميع الذنوب والاثام‏,‏ والرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي نبه مبكرا إلي ذلك كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

المصيبة التي أصابت مجتمع المسلمين منذ قرون وإلي اليوم هي ظهور الذين اعتبروا أنفسهم أهل العلم والاجتهاد وهم ليسوا كذلك والحديث إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد‏,‏ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‏,‏ حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا‏.‏ 

هذا بعض ما توصل إليه الزعماء التاريخيون للجماعة الإسلامية وأعلنوا معه بشجاعة اعترافهم بإساءة فهم احكام ومفاهيم الإسلام والعودة إلي الحق خير من التمادي في الباطل وما قدموه من أدلة شرعية علي تحريم الغلو في الدين وتكفير المسلمين وانكار الحرية الدينية وحرية التكفير يمثل اضافة بالغة الأهمية لمعرفة لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم‏.‏ 

لقد ظهرت في مجتمعات المسلمين‏,‏ الجماعات الضالة بما هي عليه من ضعف البصيرة بحقيقة الدين‏,‏ وانشغالهم بالمعارك الفرعية عن القضايا الكبري فهم يتجادلون في مسألة وضع اليدين في الصلاة علي الصدر أو تركها مرسلة‏,‏ كما يتجادلون في حكم من لا يقصر ثوبه بأكثر مما ينشغلون بكيفية تحديث المجتمعات الإسلامية بالعلوم والتكنولوجيا وهم مشغولون باطلاق الاحكام علي أمور كثيرة بأنها حرام مع أن الحكم بأن هذا الشي حرام يجب ألا يطلق إلا علي ما كان العلم بتحريمه واضحا وجازما واستنادا إلي نص في الكتاب والسنة علي أنه حرام انهم يستسهلون اتباع المتشابهات وغير منضبط الدلالة وذلك لأنهم لم يتعلموا علي أيدي العلماء واكتفوا بالاعتماد علي كتب معينة من كتب الاقدمين‏,‏ وهم يعانون من ضعف البصيرة بالواقع وبالحياة وبالتاريخ‏,‏ وبأمثالهم تخلف المسلمون‏.‏


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف