حكـــايات عن يوسف وهبى


الدكتورة لوتس عبدالكريم كاتبة وصاحبة مجلة شموع كانت تربطها صداقات وعلاقات عائلية بكبار الأدباء والفنانين مما جعلها مصدرا مهما لمعرفة ما خفى من أسرار حياتهم الشخصية، ومن حسن الحظ أنها أفرجت عن بعض هذه الأسرار وقالت بعض ما لديها عن الملكة فريدة فى كتاب شائق بعنوان «الملكة فريدة وأنا» وقالت الكثير عن مصطفى محمود فى كتاب لا يستغنى عنه من يريد أن يعرف عن قرب هذا الكاتب والمفكر الصوفى الكبير، وأخيراً أصدرت فى سلسلة كتاب اليوم كتابا عن يوسف وهبى أسطورة المسرح الذى أنفق على الفن كل ما تركه له أبوه «الباشا» من أطيان وأموال..وعاش حياته الطويلة بالطول والعرض. يوسف بك وهبى قدم أكثر من 300 مسرحية أخرج منها 185 مسرحية وكانت 60 مسرحية من تأليفه وشارك فى بطولة 70 فيلما سينمائياً، وارتبط بعلاقات خاصة مع عدد من بطلات مسرحياته ومع نساء آخريات بعدد شعر رأسه، ولكن أكبر وأعمق قصة حب ظلت مؤثرة فيه العمر كله كانت مع سعيدة منصور على الرغم من أنه كان متزوجا من المليونيرة عائشة فهمى التى وقفت إلى جانبه كثيراً، وتزوج بعدها سيدة إيطالية استمر زواجهما أربع سنوات ثم تركها لارتباطه ببطلة فرقته عزيزة أمير التى كانت أشهر ممثلات المسرح وقتها.
وكانت الفنانة الكبيرة أمينة رزق قصة وفاء نادرة لأستاذها يوسف وهبى وظلت تحمل له حبا من نوع غريب حتى آخر عمرها تقول لوتس عبدالكريم إنه كان حبا بلا أمل، وربما كان ذلك هو السبب فى أنها لم تتزوج على الرغم من جمالها فى شبابها.. لوتس عبد الكريم زوجة لدبلوماسى كويتى شغل عدة مناصب دبلوماسية وسياسية فكان سفيرا ووزيرا، وكان أول لقاء لها بيوسف وهبى فى لندن حين كان زوجها وزيرا مفوضاً فى سفارة الكويت، وتكررت لقاءاته هو وزوجته الأخيرة (سعيدة منصور) مع لوتس عبدالكريم وزوجها وكان أعضاء السلك الدبلوماسى العربى يحضرونها أيضاً ليستمعوا إلى يوسف وهبى وهو يتدفق فى الحديث بطريقته الخاصة عن ذكرياته وقصص حياته وآرائه، كان مثقفا يجيد عدة لغات، وارستقراطيا فى حديثه وملبسه وحركاته، كان «ابن ذوات» ولأنه خبير فى الاتيكيت كان هو الذى يملى على طباخ السفارة الكويتية قائمة الطعام فى الحفلات التى تقيمها. وتقول لوتس عبدالكريم إنه «كان رائدنا فى اختيار الملابس وأصول الاتيكيت ويقودنا إلى مسارح لندن وقاعات الموسيقى ومعارض الفنون»، عاش عمرا طويلا وظل محتفظا بلياقته الذهنية وذاكرته، ولكنه فى آواخر أيامه أصيب بالاكتئاب بسبب جحود أصدقائه وتلاميذه فلم يعد يسأل عليه منهم إلا عدد محدود جداً، فكان يجلس شاردا يستمع دون أن يعلق، وينظر دون أن يبدى اهتماما بشئ، وأصيب فجأة باختناق فى الحنجرة فلم يعد يتحدث إلا بصعوبة، وقال الأطباء إنها حالة نفسية، ونقل إلى مستشفى السلام فى المعادى، ونشرت الصحف الخبر بصورة مبالغ فيها فزادت حالته سوءاً، وأذيع نبأ وفاته وهو حى، فعاد إلى بيته ليتلقى الاتصالات التليفونية من كبار الفنانين للتعزية والبكاء على «المرحوم» فكان يقول:«طيب ما يزورونى وأنا عايش بدل ما يعيطوا علىّ وأنا ميت».
الحياة فى القصور الأربعة
كان يوسف وهبى يعيش فى قصر تحيط به حديقة كبيرة مليئة بالأشجار والأزهار وحول القصر ثلاثة قصور أصغر حجما باعها بعد ذلك وتحول أحدها إلى فندق.. وفى مرضه الأخير كان يقول إنه يرى فى الليل خيالات ويسمع تصفيق الجمهور، وتمر أمامه كل أحداث حياته، وفى هذه الخيالات يرى نفسه يلعب «البوكر» كعادته مع أصدقائه ويحكى عن ذلك ويقول كنت مرة أكسب ومرة أخسر.. ويقول: كانت سعادتى فى قراءة مسرحية باللغة الإيطالية كل ليلة، أو فى قراءة الكتب والمجلات الأجنبية، ولكن ضعف نظرى لم يعد يساعدنى على ذلك، لقد فقدت إحدى عينى الإبصار تماماً، وضعفت العين الأخرى إلى درجة لا تفيد معها أية نظارة. ويضيف: أصبحت أكره النهار لأنه لا يأتى بجديد ولذلك لا أكاد أغادر فراشى ولم أعد أشعر بطعم لأى شئ.. وهذه هى أعراض «اكتئاب الشيخوخة». تذكر لنا لوتس عبد الكريم بعض أقواله التى تعبر عن روح فيلسوف وأديب مثل:«كل زلة تغتفر إلا من خان بلاده فقد كفر»، و«المسجد والكنيسة هما حارسا البلد الأمينان وما أحلى قرية تتبادل فيها مئذنتها مع أجراس الكنيسة التحية.. نحن نولد على عقيدة آبائنا والهنا واحد فليس هناك فرق بين الجامع والكنيسة ما دام هناك إيمان بالله الواحد». وقع يوسف بك فى الحمام ونقل إلى مستشفى المقاولين العرب كانت إلى جانبه زوجته سعيدة وابنة أخيه سامية وهبى وهى زوجة المهندس عثمان أحمد عثمان مؤسس شركة المقاولون العرب، وتوفى بعدها بأيام قليلة وذلك يوم 17 أكتوبر 1982 وعمره 84 عاماً.
حكايات الشيخ سليم الطحاوى
وكان يوسف وهبى يؤمن بعلم الأرواح ويحضر جلسات الشيخ سليم الطحاوى لتحضير الأرواح، وكلما اشتدت عليه آلام المرض يقرأ القرآن والإنجيل، ويقول: لقد اقترفت ذنوبا استحق عليها عقاب الله ومهما تعذبت فإن ذلك لن يكفر عن ذنوبى، ولإيمانه بالعلاج الروحى كتب مقدمة كتاب «العلاج الروحى» للدكتور على عبدالجليل راضى استاذ الطبيعة فى كلية العلوم جامعة عين شمس. وقال فى هذه المقدمة: «حضرت عدة جلسات روحية لوسطاء مشهورين فى لندن وأجريت لى عملية جراحية لإزالة المرارة وقام بالعملية الجراح الإنجليزى الشهير (تانر) بمستشفى لندن كلينك المعروف، وبعد يومين أصيب الجرح بصديد وتسمم الجرح واصبحت فى شبه غيبوبة، وفجأة هدانى الله أن استدعى طبيبا روحيا مس الجرح بيده فشعرت بأنه مسنى تيار كهربائى ضعيف، وبعده لم يعد أثر للصديد فى مكان الجرح، وحكى يوسف وهبى حكاياته عن علاجه الروحى فى برنامج للتليفزيون المصرى عام 1964 وحكى عن كرامات الشيخ سليم الطحاوى، وروى لأصدقائه أن وسيطة روحية استحضرت روح ابنة زوجته التى ماتت فى شبابها، ويقول إن روح اسمهان زارته بعد العرض الأول لفيلم غرام وانتقام، الذى قامت ببطولته مع أنور وجدى ويوسف وهبى وماتت غرقا قبل أن تكمله.
لقد عاش يوسف وهبى عملاقا وحاول بعض الأقزام أن يصلوا إلى مكانته ولكنهم عجزوا وفشلوا ولهذا رأوا أن الطريق الوحيد أن يسقطوا العملاق فتطول قامة الأقزام، ولكن هيهات» ولكى تخفف زوجته عنه أرادت بناء مسرح يحمل اسمه لكنه رفض وقال لها: أحسن يؤمموه ويسموه باسم واحد تانى، واقترح بناء مسجد باسمه وفعلا تم بناء هذا المسجد فى حى الإمام الشافعى. وحتى اليوم لا أحد يعرف أين مسرحيات يوسف وهبى ومناظرها، وتقول لوتس عبدالكريم إنها سمعت أنهم فى التليفزيون يمسحون مسرحيات يوسف وهبى ليسجلوا على الشرائط مباريات كرة القدم ، ولم يهتم أحد بمذكراته التى نشرها فى كتاب. ولم ينفذ وزير الثقافة وعده بإنشاء متحف باسمه يضم مسرحياته ومقتنياته وباطلاق اسمه على أحد المسارح، كما تفعل الدول المتحضرة التى تهتم بتراث عظمائها وترى فى تخليد ذكراهم تخليدا لعظمة الوطن الذى أنجبهم.
وكان يوسف وهبى متزوجا من المليونيرة عائشة فهمى التى شيدت له مسرح رمسيس وصرفت أموالها عليه ولكنها كانت تخنقه بغيرتها الشديدة عليه، وقصر عائشة فهمى أصبح الآن مجمع الفنون بالزمالك المطل على النيل.. انقلبت مغامرة يوسف وهبى وسعيدة منصور إلى حب ملتهب حتى أنه حين طلب منها الهروب معه استجابت له فورا وقالت:«شعرت أن قوة مغناطيسية لا قبل لى بها تسيرنى وتسلبنى الإرادة والعقل حتى لم أعد أدرى ماذا أفعل وكيف أترك هؤلاء الصغار وأضحى بهم، وخرجت من البيت حتى لم آخذ معى المجوهرات والنقود.. هربت إلى بيروت حيث كان يوسف وهبى ينتظرها.. وعندئذ شعرت بأن أهلها أو أهل زوجها سيقتلوها.. وغامر يوسف وهبى وذهب إلى أهلها وقال لهم: نريد الزواج على سنة الله ورسوله وأرجوا أن تساعدونى.. وحصلت سعيدة على الطلاق كما حصل يوسف وهبى على الطلاق ولكنه كان يمر بضائقة مالية لأن طليقته أخرجته من قصرها وأخذت منه أموالها ولكن الحب جعل سعيدة تقبل أن تعيش فى غرفة فوق «جروبى» بعد أن كانت تعيش فى قصر زوجها الأول وقبله كانت فى قصر أبيها، ومع ذلك كانت تصف حياتها هذه بأنها تشعر كأنها انتقلت إلى الجنة وعرفت مع يوسف وهبى معنى السعادة التى لا تصل إلى خيال أية امرأة، وتقول: أنا معذورة، لقد رأيت عالماً من السحر لا قبل لى بمقاومته فنسيت كل شئ وعادت عائشة فهمى تعرض على سعيدة خمسين فدانا ومجوهرات ثمينة مقابل تنازلها عن يوسف وهبى لتستعيده ولكنها رفضت الفدادين والمجوهرات، ثم تغير الحال بعد ذلك وجنى يوسف وهبى ثروة من عمله فبنى القصور الأربعة، وعاش حياة البشوات مع قصة حبه التى استمرت حتى النفس الاخير.. وقصص يوسف وهبى لا تنتهى.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف