يتساءل عالم الفيزياء الباكستاني برويز امير بيود: كيف تبدو الحضارة الإسلامية الآن ؟ ولماذا يبدو المسلمون عاجزين ورافضين للحداثة ويشعرون بالاحباط, ومتشبيثين بالماضي القديم.. ولماذا فقدت الحضارة الإسلامية قدرتها علي صناعة العلم منذ700 سنة باستثناء بعض المحاولات في ظل الدولة العثمانية وفي مصر في عهد محمد علي وكيف اصبح معظم المسلمين راضين بحالهم ولا يشعرون بالأسف علي ذلك. ولا ينشغل بالتحديث الا شريحة صغيرة تتابع ما يحدث في العالم المتقدم من غزو الفضاء والسفر بين الكواكب واكتشاف الخريطة الوراثية للانسان, وقد واصبحت القوة العسكرية, والسياسية, والانتعاش الاقتصادي يتوقف علي ما يحرزه كل مجتمع من تقدم في العلوم الحديثة, وهذا التقدم العلمي لا يتحقق بالفتاوي الدينية او بقيادة رجال الدين, ولكنه يتحقق بالعلماء وبمناهج العلم وبالمعامل والمختبرات, وبالمعادلات الرياضية والاجهزة الدقيقة, ولذلك لم يعتمد الاستعمار الغربي علي القوة العسكرية وحدها لهزيمة الدول الاسلامية في القرن الثامن عشر, ولم يعتمد علي الكثرة العددية.
ولكن كان اعتماده علي القدرات العلمية والتفوق التكنولوجي واساليب التنظيم والادارة الحديثة في مواجهة مجتمعات زراعية رعوية تقليدية فاشلة في تحقيق مؤسسات ديمقراطية وتهددها التيارات الاصولية, وعاجزة عن تجاوز التخلف في البنية العلمية, بسبب نخبة فاسدة متحجرة وليس بسبب قلة الكفاءات او الامكانات والمعدات كما يقال.
سبب التخلف ليس قلة الامكانات ولكن هناك اسبابا اخري اكثر اهمية مثل فساد النظام التعليمي والافكار والقيم التي ينتجها, وعدم وجود قوي اجتماعية مهتمة بالتقدم العلمي لانشغالها بنهب الثروات وابقاء الحال علي ما هو عليه لأن التقدم العلمي والتكنولوجي سيؤدي الي نمو نخبة جديدة تفرض اعادة توزيع السلطة السياسية والاقتصادية, ومن المضحك ان يحاول البعض اقناعنا بأن لكل مجتمع العلم الذي يناسبه, والحقيقة أن تلك مبررات للابقاء علي التخلف, بل إن البعض يردد نظرية عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر بأن العلم ناتج من الذكاء, ولذلك كان التفوق العلمي للغرب بسبب الذكاء في جينات الغربيين بينما عقول ابناء العالم الثالث لا تؤهلهم للوصول الي ما وصلت اليه عقول الغربيين من اختراعات, وهذه نظرية عنصرية يكذبها الواقع, فأبناء العالم الثالث يتفوقون في مجالات العلم الحديث عندما يعملون في الغرب مما يدل علي ان تخلف العالم الاسلامي ليس بسبب جينات التخلف او نقص الذكاء ولكن بسبب عدم كفاءة البيئة والمناخ والادارة العلمية, وعدم وجود الارادة السياسية,
وغياب استراتيجية للتقدم العلمي والاستسلام لسياسات الغرب بإبقاء العالم الاسلامي سوقا استهلاكية للمنتجات التكنولوجية الغربية ومصدرا لإمداد الغرب بالمواد الخام( البترول ـ الغاز الطبيعي ـ المطاط ــ زيت النخيل ـ القطن) وهذا ما جعل اهمية العلم وعلاقته بالانتاج في العالم الاسلامي علاقة هامشية, كما ان حجم المجتمع العلمي وانتاجية العلماء في الدول الاسلامية اقل بكثير جدا من بقية العالم. يعبر البروفيسور برويز امير بيود عن شعوره بالقلق لأن عدد الباحثين العلميين في اسرائيل وتعدادها6 ملايين ضعف عددهم في جميع البلدان الإسلامية وتعدادها1200 مليون والابحاث العلمية المنشورة للباحثين في بلد واحد مثل الهند تزيد علي ضعف الابحاث العلمية ذات القيمة في كل الدول الاسلامية ونسبة العلماء المسلمين في الفيزياء والرياضيات والكيمياء لا تصل الي واحد في المائة من اجمالي العلماء في العالم, وانتاج العرب العلمي يمثل واحدا في المائة من الانتاج العلمي في اسرائيل علي الرغم من ارتفاع الناتج القومي ارتفاعا كبيرا في الدول العربية مع ادراك العرب أن هزيمة1967 ترجع بشكل كبير الي الفجوة التكنولوجية الكبيرة التي كانت بين اسرائيل والعرب.
يذكر البروفيسور برويز امير بيود انه حضر مؤتمرا رفيع المستوي في احد البلاد الإسلامية شارك فيه عشرات من رؤساء الجامعات والعلماء والباحثين وكان موضوع المؤتمر تحديد المعوقات التي تعوق تطوير العلم والتكنولوجيا في الدول العربية والاسلامية فكانت وجهة نظر عدد من المشاركين ان العلم يتعارض مع المعتقد الاسلامي لأن العلم مخرب للعقيدة وكل علماني كافر!! لأنه علماني, وطالب هؤلاء باستبعاد البحوث في مجالات العلم الخالص ويكفي ادخال التكنولوجيا لمنافعها الواضحة.
هذا هو الجواب علي السؤآل: لماذا تخلف المسلمون!