لماذا تخلف المسلمون 8

يكفي أن نقرأ شيئا مما يشغل علماء المسلمين لنعرف لماذا تخلفنا‏,‏ حملت إلينا الأخبار أخيرا حوارات اشتد فيها الخلاف في مؤتمر لعلماء المسلمين عقد في ماليزيا‏,‏ لبحث كيف يصلي رواد الفضاء المسلمون وهم في الفضاء‏,‏ وكيفية الوضوء بالماء مع قلة المياه في مركبة الفضاء‏,‏ وكيف يمكن إعداد الطعام طبقا للشريعة الإسلامية في رحلة في الفضاء قد تستغرق عدة أسابيع‏.‏


واختلف العلماء وهم يبحثون عن الاجابات الشرعية لأسئلة مثل كيفية أداء رواد الفضاء الصلوات الخمس وهم في مركبة أو محطة فضاء تدور‏16‏ مرة حول الأرض كل‏24‏ ساعة‏,‏ بما يعني أن الشمس تشرق وتغرب عليهم عدة مرات في اليوم الواحد‏,‏ والمعضلة التي أعيت جمع العلماء هي كيفية تحديد اتجاه القبلة خلال التحليق حول الأرض‏.‏


هذا المؤتمر مجرد نموذج لما يشغل علماء المسلمين أنفسهم به‏,‏ فليست هناك دولة إسلامية صنعت مركبة أو محطة فضاء‏,‏ وبدلا من أن يدعو العلماء الأمة الي اقتحام ميادين علوم الفضاء وانشاء المعامل وجذب العلماء وتوفير فرص البحث العلمي الحقيقي أمامهم للدخول في سباق الدول علي امتلاك أسرار التفوق العلمي‏,‏ بدلا من ذلك يشغلون أنفسهم بالبحث في أمور فرعية ونظرية ليس وراءها طائل سوي تبديد الطاقة والظهور بمظهر الفقهاء المجددين الذين يقدمون الاجابات الشرعية لقضايا العصر‏,‏ والحريصين علي أمور الشريعة حتي في الفضاء الذي لا نعرف عنه شيئا‏!‏


في عام‏2001‏ نشر الأستاذ فهمي هويدي ثلاث مقالات في صحيفة الشرق الأوسط عن زيارته الي أفغانستان ولقاءاته مع عناصر من طالبان‏..‏ سألهم‏:‏ لماذا ترفضون الديمقراطية‏,‏ فكانت اجابتهم أن الديمقراطية بضاعة غربية‏,‏ وأنها مدخل للفساد والتحلل وتهديم قيم الإسلام‏,‏ وقالوا له‏:‏ أنتم أدري بما جرته الديمقراطية علي الغرب من فسق وفجور‏,‏ وقالوا أيضا إن الديمقراطية تصبح مصدرا لفتنة المسلمين وتهديد معتقداتهم‏,‏ وقالوا بعد ذلك إن التليفزيون حرام لأن التصوير حرام‏,‏ ولذلك هدموا تماثيل بوذا بناء علي فتوي علماء طالبان‏,‏ وللأستاذ فهمي هويدي سلسلة مقالات أخري عن أفكار ونظام حكم طالبان‏,‏ فيها ما يكفي لترديد القول المأثور‏:‏ أيها الشريعة الإسلامية‏,‏ كم من الجرائم ترتكب باسمك‏,‏ وكم من المصائب ستحدث لكل مجتمع يحكمه من يدعون أنهم مفوضون للحكم باسم الله‏.‏


فالإسلام السياسي الذي يسعي الي السلطة أثبت عمليا في أفغانستان وغيرها أنه يرتكب أخطاء لا تغتفر حين يصل الي الحكم‏,‏ وينطبق ذلك علي الماضي والحاضر وكل مراحل التاريخ التي ادعي فيها الحكام أنهم الممثلون للإسلام وأنهم يطبقون حكم الله‏,‏ وفي العصر الحديث ظهرت صور جديدة من الإسلام السياسي تجيد تعبئة عناصر من الشباب بالشعارات البراقة‏,‏ ولكي يحقق قادة الإسلام السياسي أهدافهم بالوثوب علي الحكم استخدموا سلاح التكفير علي أوسع نطاق ورفعوا شعار تطبيق الشريعة وكأن المجتمع ضد الشريعة الإسلامية‏,‏ بينما الشريعة الإسلامية مطبقة بالفعل في العبادات وفي كثير من المعاملات‏,‏ وهذا التيار السياسي هو الذي خرجت من عباءته جماعات التطرف والإرهاب والجماعات التي يطلقون عليها في السعودية الفئة الضالة‏,‏ وهذه الجماعات أباحت قتل الأبرياء وتدمير وتخريب وتفجير منشآت تعمل لصالح المجتمع‏,‏ والأخطر من ذلك أنها عملت علي تخريب عقول قطاع من الشباب‏,‏ وكان من الممكن أن تنجح هذه الفئة الضالة في تدمير وتآكل العالم الإسلامي من الداخل بحماقات الدعوة الي الطريق الدموي‏,‏ صحيح أن بعض علماء المسلمين حذروا من جعل القضايا الخلافية هي كل هموم المسلمين بدلا من توجيه الجهود لبناء المجتمعات الاسلامية وتأهيلها للدخول في السباق العالمي وامتلاك القوة‏,‏ وصحيح أن هؤلاء العلماء نبهوا الي أن مشكلة المسلمين ليست في تغطية أو عدم تغطية الوجه بالنقاب واليدين بالقفازين بل في انتشار الرشوة وخراب الذمم‏,‏ وسوء الإدارة وإلغاء العقل‏,‏ وتجميد الفكر‏,‏ وتخدير الإرادة‏,‏ وقتل الحرية‏,‏ وتجاهل الحقوق‏,‏ وتفشي الأنانية‏,‏ وإعلاء الحكام علي الشعوب‏,‏ والقوة علي الحق‏,‏ والمنفعة علي الواجب‏..‏ حرام أن يشغل المسلمون أنفسهم بمسائل مثل تحريك الأصبع في التشهد‏..‏ ولا ينشغلون بتحسين أحوال بلادهم وتقدمها‏!‏ لكن أصوات عقلاء الأمة وعلمائها ضاعت في غوغائية الفئة الضالة‏.‏


تخلف المسلمون لأن منهم من ساروا وراء شعارات عامة وغامضة عن الحل الإسلامي دون أن يقولوا بالتحديد ما هو هذا الحل الإسلامي وكيف يمكن تطبيقه في مجتمع لا يستطيع أن ينفصل عن تيار الفكر العالمي وعن الحضارة الحديثة السائدة؟ وما هو برنامجهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالتفصيل‏,‏ لأن الإسلام دعوة للقوة الشاملة وللتقدم ولبناء المستقبل‏,‏ وليس دعوة للجمود وعبادة الماضي‏.‏ والشعارات لاتكفي لحكم الشعوب‏.‏


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف