المفكر الفرنسي الشهير روجيه جارودي الذي اعتنق الإسلام بعد رحلة طويلة بدأها باعتناق الشيوعية وختمها بأن أعلن أنه علي الغرب أن يعترف بأنه مدين للحضارة الاسلامية, وأن يغير موقفه المتعنت من الاسلام.
وبعد سنوات من الدراسة المتعمقة للاسلام أصدر كتابه الشهير وعود الإسلام رد فيه علي الاتهامات الظالمة التي توجه للاسلام في الغرب, وعندما أراد تشخيص ـ وتلخيص ـ أسباب تخلف المسلمين رأي أن السبب الأول والأهم هو العقول المغلقة.
وأسس جارودي فكرته علي أن الاسلام نجح في عصوره الأولي في ادماج أفضل مافي الثقافات والحضارات الأخري في ثقافته وحضارته, ولم يرفضها ولم يغلق المسلمون الأبواب علي أنفسهم, ولم يرفضوا التجديد والأخذ والعطاء مع الآخر.. ولذلك رأي ان مايحتاجه المسلمون اليوم ليتخلصوا من حالة التخلف أن يبدأوا الانفتاح العقلي قبل الانفتاح الاقتصادي, لأن العقل المغلق عقبة تحول دون التقدم في أي مجال وتؤدي الي الجمود العقائدي والسياسي والثقافي.
العقل المغلق هو الذي فرض الظلام والجهل والتخلف في العالم الإسلامي, وأكبر مثال علي ذلك ما صار اليه حال أفغانستان وشعبها في ظل حكم طالبان, وهذا العقل المغلق هو الذي أدي بجماعات من الشباب المسلم الي الإرهاب بمفهوم منحرف عن الجهاد, يقول جارودي إن الجهاد في الإسلام له مفهوم أوسع من معني القتل والحرب, فهو يعني الجهد, فالعمل جهاد, ولو أن الله أراد الحرب لقال:( وحاربوا في سبيل الله), ولكن الرسول الكريم حدد الجهاد الحقيقي في الحديث:( رجعنا من الجهاد الأصغر( القتال) الي الجهاد الأكبر, جهاد النفس), وهذا درس لهؤلاء الذين يريدون تغيير كل شيء الا أنفسهم! ويدلل جارودي علي كراهية الإسلام للاعتداء علي الآمنين بالاشارة الي ماكان يفعله الصليبيون في القدس من المذابح الوحشية ضد المسلمين وهم يصيحون( إنهم كفرة)!, وكيف أقيمت المذابح بالجملة في إسبانيا( الاندلس) للمسلمين, وكيف كان المهاجرون الأوروبيون يرتكبون أبشع الجرائم لقتل الهنود الحمر في أمريكا, وكلهم كانوا يرفعون راية( الجهاد الديني) والدين المسيحي بريء مما كانوا يفعلون.. بينما كانت حضارة الاسلام في عصوره الأولي قائمة علي مبادئ أرسا
ها الرسول الكريم:( لا تقتلوا طفلا, ولا شيخا, ولا امرأة, ولا تقتلوا شاة ولا بقرة, ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه), فهل هناك سلوك أكثر رقيا وانسانية من ذلك( فأين ذلك مما تفعله أمريكا في العراق وماتفعله إسرائيل في فلسطين؟). وأين ذلك مما تفعله جماعات الارهاب باسم الاسلام الذين لم ينج من أذاهم المسلمون أيضا مخالفين بذلك تعاليم الرسول( صلي الله عليه وسلم):( كل المسلم علي المسلم حرام, دمه, وماله, وعرضه).
ويضيف جارودي الي أسباب تخلف المسلمين أنهم تخلوا في الاقتصاد عن مبادئ الاسلام التي تقوم علي التوازن في توزيع الدخل, وتحريم الاحتكار, وجعل الملكية الفردية في صالح الفرد والجماعة دون أن يطغي أحدهما علي الآخر, واعتبار آليات السوق وسيلة وليست غاية, وبدلا من ذلك وقع المسلمون في الفخ الغربي, وجري بعضهم الي تقليد النموذج الغربي في جشع أصحاب الأعمال وسعيهم الي جمع الثروات والأرباح دون كوابح أخلاقية, واغراء الناس علي المزيد من الاستهلاك ليحقق الرأسماليون والمحتكرون المزيد من الأرباح, مع أن القرآن يكرر التحذير من اكتناز الأموال, لأن المال له وظيفة اجتماعية والرسول ينهي المسلمين صراحة عن الاحتكار وينذر بان جزاءهم جهنم, ولو أن المسلمين اتبعوا دينهم لوجدوا العلاج للمشكلة الكبري في النظام الرأسمالي الذي يؤدي الي الاحتكار والتحكم في الأسعار, ويؤدي في النهاية الي الأزمات الاقتصادية.. وقد تخلف المسلمون أيضا بانسياقهم مع التيار الوافد من بلاد غير اسلامية, والذي يحرض علي ترك الدنيا وشئونها لغير المؤمنين, وان يتفرغ المؤمن للعبادة, مع أن القرآن يرفع شأن العلم والعلماء.
وفي الحديث:( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله طريقه الي الجنة) والحديث:( يوزن مداد العلماء يوم القيامة بدماء الشهداء) والقرآن يوجه المسلمين الي المنهج العلمي القائم علي الملاحظة والتجربة ويأمرهم بأن ينظروا في الآفاق وفي أنفسهم, وباختصار فإن المسلمين أسسوا نهضة بالمعني الكامل شملت الصناعات, والبحث العلمي, والثقافة, وهم أول من طبق سياسة الانفتاح علي العالم, وأخذوا من القديم والحديث, ومن الشرق والغرب, وتفاعلوا مع الحضارات والثقافات, ووضعوا العلماء في أعلي مكانة, بينما كانت أوروبا تحكم بالاعدام علي العلماء لأنهم اكتشفوا أن الأرض كروية وأنها تدور حول نفسها وليس حول الشمس كما كانت الكنيسة تفرض ذلك.. والعقول المغلقة هي التي أنتجت التعصب والتشدد مخالفة تحذير الرسول( صلي الله عليه وسلم): هلك المتنطعون.
باختصار, تقدم المسلمون عندما كانوا مسلمين بحق, وتخلفوا عندما شوه مبادئ الاسلام أصحاب العقول المغلقة.