المفكرون في الشرق والغرب انشغلوا بالبحث عن إجابة لهذا السؤال بعد أن خرجت أوروبا من عصور الظلام باستخدام المنهج التجريبي, والاعتماد علي العقل, والإيمان بقدرة الإنسان علي إدارة حياته وصنع مستقبله, ودخلت الشعوب الإسلامية في عصور الظلام بعد أن كانت صانعة للحضارة ومتفوقة في العلوم.
وتعددت الإجابات عن السؤال, المسلمون كانوا فريقين: فريق قال إن هذه إرادة الله وسنته في خلقه. وفريق ألقي التبعة علي القوي الخارجية ـ الاستعمار والرأسمالية العالمية وإسرائيل.. إلخ, وإن كان قد ظهر أحيانا من يقول إن الشعوب الإسلامية هي المسئولة عن تخلفها باستكانتها وكسلها وتركها شئون الدنيا علي أنها زائلة ولا تستحق العناء والتفرغ للآخرة خير وأبقي, وبذلك أصبح التفوق في الدنيا لشعوب الغرب والمهانة للشعوب الإسلامية علي أن يتم تبادل المكانة والتفوق في الآخرة.
لكن معظم المفكرين في الغرب, وبعض المفكرين في العالم الإسلامي رأوا أن المسلمين تخلفوا ولم يلتحقوا بعصر النهضة والحضارة والعلوم والتكنولوجيا, وأصبحوا ضمن العالم الثالث وانتشر فيهم الفقر ورغم ثراء بعض الدول الإسلامية إلا أن الثروة لم توظف للتحديث والتقدم, وتحولت إلي صالح الحضارة الغربية, فالمسلمون يعتمدون علي استيراد التكنولوجيا دون أن يفكروا في صناعتها, حتي إن داعية مشهورا كان ضمن دروسه ذات التأثير الكبير إن الله جعل الغرب في خدمة المسلمين, فالغرب يخترع الطائرة ويصنعها والمسلمون يشترون الطائرة ويستخدمونها, وهكذا الحال مع جميع الاختراعات ابتداء من التليفون إلي السيارة والغواصة والأسلحة.. و.. و.. وقال أيضا إن حضارة الغرب حضارة شكلية, وما قيمة أن يخترعوا مركبة فضاء تخترق الغلاف الجوي وتدور في الفضاء, وبالنسبة له فإن( منديل كلينكس) أفضل من مركبة الفضاء لأنه يستخدمه استخدامات مفيدة(!).
هذا الفكر كان بمثابة أقراص منومة أو مخدرة جعلت فريقاكبيرا من المسلمين ـ في أنحاء العالم ـ في حالة من الاستسلام والرضا والقناعة بما هم عليه. وأضيف إلي ذلك أن منهج الفكر الإسلامي في عصور التخلف قام علي اليقين وتقديم إجابات نهائية لكل مسألة, واعتبر إعادة التفكير فيها نوعا من الفسق قد يصل إلي حد الكفر, بينما قامت الحضارة الغربية علي الشك( ديكارت) وعدم اليقين, وضرورة إعادة البحث في كل شيء دون أن يقف حائلا يمنع العقل من التفكير, وبذلك كانت حرية التفكير هي بداية الانطلاق والإبداع.
مفكرون آخرون في الغرب يقولون إن المسلمين تخلفوا بسبب غياب الديمقراطية, ففي العصر الحديث خضع العالم الإسلامي لاستعمار الامبراطوريات الأوروبية ولم يكن ممكنا أن تمارس الشعوب الإسلامية الحرية السياسية والديمقراطية وهي تحت الاحتلال. وبعد الاستقلال تولي قيادة العالم الإسلامي رجال يؤمنون بأن التنمية وتوفير الغذاء للشعوب أهم من الحريات والديمقراطية, وكان من سوء حظ معظم الدول الإسلامية أن ظهر فيها زعماء ديماجوجيون, أو زعماء شبه ماركسيين, أو زعماء لا هدف لهم سوي الاحتفاظ بالسلطة واستغلالها لصالحهم وصالح ورثتهم,
وأمثال هؤلاء لا يصنعون الديمقراطية ولا يصنعون نهضة أو حضارة, وفي نفس الوقت ظهر في العالم الإسلامي نوع من رجال الدين اسهموا في تغييب وعي الشعوب, وعارضوا الديمقراطية, وقالوا إن الشوري هي النهج الإسلامي وليست الديمقراطية, بينما كان تطبيق الشوري علي مر العصور تكريسا للحكم الفردي, فكان الخليفة ـ ثم الحاكم ـ يستشير ولكنه لا يلتزم برأي الأغلبية ويتخذ القرار وفقا لما يراه هو وحده, بدعوي أنه يري مالا يراه ملايين المواطنين, ظهر رجال الدين الذين قالوا إنهم وحدهم الأعلم بمراد الله وبالحكم علي أفعال الناس, وتفسير النصوص القرآنية, وكل خروج علي رأيهم خروج من الملة ودخول في دائرة الكفر. فالعالم الإسلامي ـ كما يقول هؤلاء المفكرون يعيش منذ قرون وإلي اليوم في عصر الأوليجاركية( حكم الأقلية) بينما تقدم الغرب عندما تخلي عن ممارسة فرض الرأي علي الآخر واعتباره الحقيقة المطلقة, وعندما استقر الإيمان بأن الحرية الانسانية لا يمكن اغتصابها ولا التنازل عنها, وأن كل إنسان مسئول أمام الله عن سلوكه وأعماله والمسئولية فردية, أي أن كل إنسان حر ومسئول أمام الله كما هو حر ومسئول في المجتمع.
وهناك طبعا إجابات واجتهادات أخري.