لماذا تخلف المسلمون 2

المفكرون في الشرق والغرب انشغلوا بالبحث عن إجابة لهذا السؤال بعد أن خرجت أوروبا من عصور الظلام باستخدام المنهج التجريبي‏,‏ والاعتماد علي العقل‏,‏ والإيمان بقدرة الإنسان علي إدارة حياته وصنع مستقبله‏,‏ ودخلت الشعوب الإسلامية في عصور الظلام بعد أن كانت صانعة للحضارة ومتفوقة في العلوم‏.‏


وتعددت الإجابات عن السؤال‏,‏ المسلمون كانوا فريقين‏:‏ فريق قال إن هذه إرادة الله وسنته في خلقه‏.‏ وفريق ألقي التبعة علي القوي الخارجية ـ الاستعمار والرأسمالية العالمية وإسرائيل‏..‏ إلخ‏,‏ وإن كان قد ظهر أحيانا من يقول إن الشعوب الإسلامية هي المسئولة عن تخلفها باستكانتها وكسلها وتركها شئون الدنيا علي أنها زائلة ولا تستحق العناء والتفرغ للآخرة خير وأبقي‏,‏ وبذلك أصبح التفوق في الدنيا لشعوب الغرب والمهانة للشعوب الإسلامية علي أن يتم تبادل المكانة والتفوق في الآخرة‏.‏


لكن معظم المفكرين في الغرب‏,‏ وبعض المفكرين في العالم الإسلامي رأوا أن المسلمين تخلفوا ولم يلتحقوا بعصر النهضة والحضارة والعلوم والتكنولوجيا‏,‏ وأصبحوا ضمن العالم الثالث وانتشر فيهم الفقر ورغم ثراء بعض الدول الإسلامية إلا أن الثروة لم توظف للتحديث والتقدم‏,‏ وتحولت إلي صالح الحضارة الغربية‏,‏ فالمسلمون يعتمدون علي استيراد التكنولوجيا دون أن يفكروا في صناعتها‏,‏ حتي إن داعية مشهورا كان ضمن دروسه ذات التأثير الكبير إن الله جعل الغرب في خدمة المسلمين‏,‏ فالغرب يخترع الطائرة ويصنعها والمسلمون يشترون الطائرة ويستخدمونها‏,‏ وهكذا الحال مع جميع الاختراعات ابتداء من التليفون إلي السيارة والغواصة والأسلحة‏..‏ و‏..‏ و‏..‏ وقال أيضا إن حضارة الغرب حضارة شكلية‏,‏ وما قيمة أن يخترعوا مركبة فضاء تخترق الغلاف الجوي وتدور في الفضاء‏,‏ وبالنسبة له فإن‏(‏ منديل كلينكس‏)‏ أفضل من مركبة الفضاء لأنه يستخدمه استخدامات مفيدة‏(!).‏


هذا الفكر كان بمثابة أقراص منومة أو مخدرة جعلت فريقاكبيرا من المسلمين ـ في أنحاء العالم ـ في حالة من الاستسلام والرضا والقناعة بما هم عليه‏.‏ وأضيف إلي ذلك أن منهج الفكر الإسلامي في عصور التخلف قام علي اليقين وتقديم إجابات نهائية لكل مسألة‏,‏ واعتبر إعادة التفكير فيها نوعا من الفسق قد يصل إلي حد الكفر‏,‏ بينما قامت الحضارة الغربية علي الشك‏(‏ ديكارت‏)‏ وعدم اليقين‏,‏ وضرورة إعادة البحث في كل شيء دون أن يقف حائلا يمنع العقل من التفكير‏,‏ وبذلك كانت حرية التفكير هي بداية الانطلاق والإبداع‏.‏


مفكرون آخرون في الغرب يقولون إن المسلمين تخلفوا بسبب غياب الديمقراطية‏,‏ ففي العصر الحديث خضع العالم الإسلامي لاستعمار الامبراطوريات الأوروبية ولم يكن ممكنا أن تمارس الشعوب الإسلامية الحرية السياسية والديمقراطية وهي تحت الاحتلال‏.‏ وبعد الاستقلال تولي قيادة العالم الإسلامي رجال يؤمنون بأن التنمية وتوفير الغذاء للشعوب أهم من الحريات والديمقراطية‏,‏ وكان من سوء حظ معظم الدول الإسلامية أن ظهر فيها زعماء ديماجوجيون‏,‏ أو زعماء شبه ماركسيين‏,‏ أو زعماء لا هدف لهم سوي الاحتفاظ بالسلطة واستغلالها لصالحهم وصالح ورثتهم‏,‏


وأمثال هؤلاء لا يصنعون الديمقراطية ولا يصنعون نهضة أو حضارة‏,‏ وفي نفس الوقت ظهر في العالم الإسلامي نوع من رجال الدين اسهموا في تغييب وعي الشعوب‏,‏ وعارضوا الديمقراطية‏,‏ وقالوا إن الشوري هي النهج الإسلامي وليست الديمقراطية‏,‏ بينما كان تطبيق الشوري علي مر العصور تكريسا للحكم الفردي‏,‏ فكان الخليفة ـ ثم الحاكم ـ يستشير ولكنه لا يلتزم برأي الأغلبية ويتخذ القرار وفقا لما يراه هو وحده‏,‏ بدعوي أنه يري مالا يراه ملايين المواطنين‏,‏ ظهر رجال الدين الذين قالوا إنهم وحدهم الأعلم بمراد الله وبالحكم علي أفعال الناس‏,‏ وتفسير النصوص القرآنية‏,‏ وكل خروج علي رأيهم خروج من الملة ودخول في دائرة الكفر‏.‏ فالعالم الإسلامي ـ كما يقول هؤلاء المفكرون يعيش منذ قرون وإلي اليوم في عصر الأوليجاركية‏(‏ حكم الأقلية‏)‏ بينما تقدم الغرب عندما تخلي عن ممارسة فرض الرأي علي الآخر واعتباره الحقيقة المطلقة‏,‏ وعندما استقر الإيمان بأن الحرية الانسانية لا يمكن اغتصابها ولا التنازل عنها‏,‏ وأن كل إنسان مسئول أمام الله عن سلوكه وأعماله والمسئولية فردية‏,‏ أي أن كل إنسان حر ومسئول أمام الله كما هو حر ومسئول في المجتمع‏.‏


وهناك طبعا إجابات واجتهادات أخري‏.‏


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف