حقيقة الإسلام السياسي‏7

للمفكر محمد عابد الجابري رأي في الإسلام السياسي ملخصه ان السياسة اذا تلبست بالدين فإن الاحزاب السياسية ستتحول الي مذاهب دينية وتختلط الأمور علي المسلمين وعلي أحوالهم‏.‏


فالسياسة هدفها الوصول الي السلطة وتداولها والتنافس الطبيعي عليها‏,‏ وهي ـ ككل عمل بشري ـ معرضة للخطأ والنقد والمعارضة‏,‏ والاختلاف فيها وارد بل هو واجب ومطلوب ولا غني عنه‏,‏ وهي تعبير عن مطالب ومصالح‏,‏ فإذا تم توظيف النصوص والمبادئ الدينية لخدمة هذه المطالب والمصالح فإن ذلك يحول السياسة من دائرة الخطأ والصواب الي دائرة الحلال والحرام‏,‏ ويجعل كل معارض كافرا يستحق ان يقام عليه الحد‏,‏ وتتحول الاحزاب السياسية الي مذاهب غير قابلة للمراجعة والتعديل ويصبح اعضاؤها متعصبين‏,‏ بينما الاوامر الدينية مصدرها حكم الله أما التصرفات السياسية فإن مصدرها ارادة البشر‏..‏ ولذلك فإنه في الحكم الديني يستحيل ان تتحقق الديمقراطية ويستحيل أن تقام احزاب سياسية تختلف فيما بينها‏,‏ ولابد ان تكون العواقب وخيمة علي الشعب الذي يخضع لحكم ديني يقوده تيار ديني او مذهبي متعصب‏,‏ وفي التاريخ الاسلامي ـ بل وفي الحاضر ايضا ـ نماذج لهذا النمط من الحكم‏,‏ أشعل الصراع واستباح القتل باسم العقيدة‏,‏ ولايزال حيا الي اليوم ذلك الصراع علي الحكم الذي بدأ منذ قرون وتحول الي خلاف مذهبي توارثته الاجيال التي لا علاقة لها بأصل الخلاف‏,‏ وغاب عنها الفرق بين

ثوابت العقيدة الدينية وقدسيتها وبين التغيرات والأطماع السياسية التي لا قداسة لها‏.‏


 والالتباس الحاصل اليوم والذي أدي الي الخلط بين ما هو ديني إلهي وما هو سياسي بشري يرجع الي ان المفكرين والفقهاء وعلماء السياسة في العالم الاسلامي لم يبلوروا نظرية سياسية قائمة علي المصالح البشرية ولا تتعارض مع القيم الدينية‏,‏ وتحقق قول الله‏:‏ وأمرهم شوري بينهم مما يعني أن شئون الحكم من الأمور التي يختص بها البشر‏,‏ وقد كان المسلمون الأوائل مدركين لهذه التفرقة وكانوا يسألون الرسول عند الإعداد للقتال هل ما أمرهم به هو الحرب والخديعة أم هو الوحي لأنهم كانوا يدركون ان للرسول تصرفات شخصية كبشر قل إنما أنا بشر مثلكم وتصرفات من وحي السماء إن هو إلا وحي يوحي‏,‏ ولكن المسلمين بعد ذلك اغفلوا هذه التفرقة وجعلوا الاختلافات السياسية خلافات دينية وساعد الفقهاء علي ذلك‏,‏ وبذلك حدثت الفتنة الكبري التي استمرت ومازالت مستمرة بتعصبها السياسي ـ الديني‏,‏ وهكذا فإن أخطر ما أصاب المسلمين وأضعفهم حتي لم تعد أمتهم أمة واحدة كما أمر الله هو تلبس السياسة بالدين والتباس الدين بالسياسة‏,‏ واستغلال شعار الاسلام دين ودولة وهو شعار لا يعني توظيف الدين واستغلاله في لعبة السلطة وفرض الرأي السياسي لجيل واحد وعصر واحد‏,‏ وجعله عقيدة والتزاما ديني لكل العصور والاجيال‏,‏ مع ان ظروف كل مجتمع اسلامي تختلف عن ظروف غيره‏,‏ والمبادئ السياسية التي تصلح في زمان لا تصلح في زمان آخر مع تغير القوي الاجتماعية في الداخل وتغير القوي الدولية‏,‏ ولذلك فإن المفكر البحريني يدعو فقهاء ومفكري المسلمين الي التصدي للمسألة المسكوت عنها كشرط لنجاح أي مشروع سياسي لادارة الدولة في المجتمعات الاسلامية وذلك بوضع القواعد والضوابط وصياغة نظرية متكاملة في الفقه الاسلامي المعاصر تميز بين السياسي والديني أي بين البشري والالهي وتلتزم بالشريعة كمصدر للتشريع‏.‏


ومن أمثلة ما يصيب الاسلام من المتغيرات السياسية ما قام به الفقهاء في مرحلة من اقناع الشعوب الاسلامية بأن الاسلام يدعو الي الاشتراكية ثم اضطروا في مرحلة اخري الي مسايرة التغير في الاتجاه السياسي فقدموا الادلة الشرعية علي ان الرأسمالية هي جوهر الاسلام‏,‏ وقبل ذلك حاول بعض المفكرين الماركسيين ان يضعوا نظرية مؤداها ان مبادئ الشيوعية مستمدة من مبادئ الاسلام وان ابي ذر الغفاري كان داعية الشيوعية الاول في الاسلام‏..‏ وفي مرحلة من المراحل ظهر اليسار الاسلامي واليمين الاسلامي وهكذا تحول الدين الاسلامي الي سلاح لكل ذوي المصالح السياسية‏,‏ مما جعل بعض اعداء الاسلام في الخارج يدعون ان الاسلام ذاته من صنع البشر‏.‏


وهناك حقائق لا يمكن تجاهلها اولها‏:‏ ان العمل السياسي مسموح فيه ـ بل مطلوب فيه ـ المناورة والخداع لتحقيق المصالح والدين علي عكس ذلك عقيدة إلهية ومبادئ ثابتة ترفض المناورة والمساومة‏,‏ وثانيها ان الدين ليس حكرا علي فئة من المسلمين دون فئة أخري‏,‏ وليس لجماعة معينة ان تدعي ان لها وحدها الحق في ان تتكلم باسم الدين‏,‏ الاسلام ملك لجميع المسلمين‏,‏ والجماعات التي ترفع شعارات الاسلام هي جماعات سياسية واهدافها اهداف سياسية وليست أهدافا دينية‏,‏ وهي تسعي الي ان تستدرجنا للدخول معها في حوار ديني يستخدم المفاهيم والنصوص الدينية وتحاول ان تخدعنا بالوعود المستحيلة وبالحلول الخيالية التي تعتمد علي أحلام وتصورات ولا تعتمد علي الواقع‏.‏


ومن الحكمة أن نحذر من العواقب الوخيمة إذا انخدعنا وصدقنا أن هذه الجماعات قادرة علي اعادة الفردوس المفقود‏!‏


.



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف