لماذا تخلف المسلمون 29

الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ـ وأنا منهم ـ يرون أن الغرب نفذ خططا متتالية لعرقلة محاولات تحديث العالم الإسلامي وإبقائه في حالة الجهل والفقر والتخلف لكي تسهل الهيمنة عليه واستنزاف ثرواته‏,‏ ثم أضيف إلي ذلك ضمان أمن إسرائيل وتفوقها‏!‏ والذين يرفضون نظرية المؤامرة لا يستطيعون أن ينكروا أن زيادة التبعية الاقتصادية والسياسية‏,‏ وزيادة حجم الديون‏,‏ وتخلف الصناعة والتكنولوجيا وعدم كفاية الإنتاج الزراعي‏,‏ وتزايد الاحتياج إلي الاستيراد من الخارج‏,‏ قد أدت إلي النتيجة التي نلمسها الآن وهي تقوية استراتيجيات الهيمنة والاستغلال والضغوط التي تمارسها الدول الكبري علي الدول الإسلامية‏,‏ ولا يستطيعون أن ينكروا التأثير المتبادل الذي يجعل الهيمنة الغربية تؤدي إلي التخلف‏,‏ كما يسهل التخلف للغرب ممارسة سياسات الهيمنة‏.‏ ولا يستطيعون أن ينكروا أن الغرب هو مصدر العدوان العسكري علي بعض دول العالم الإسلامي والتهديدات الموجهة إلي دول إسلامية أخري‏,‏ علي الرغم مما يقال عن أن هدف الحروب ضد الإرهاب وليست موجهة ضد الإسلام والمسلمين‏..‏ ولا يستطيعون كذلك أن ينكروا أن الفكر الغربي عموما يعطي لنفسه الحق في محاكمة الإسلام ويعتبر الغرب هو صاحب الحق في المحاكمة والحكم علي الآخرين‏,‏ وأن أحكامه تعلو علي الجميع‏.‏ والذين يرفضون نظرية المؤامرة هم الذين يقولون إن العلاقات الدولية قائمة علي الصراع للفوز بالمزيد من القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي‏,‏ ولو توقف الصراع تتوقف الحياة‏..‏ ويقولون أيضا إن وسائل الصراع مختلفة‏,‏ وإن كان استخدام القوة المسلحة أهم عناصر القوة‏,‏ إلا أنه آخر وسائل الصراع‏,‏ والسياسة تسبق السلاح وتمهد له وقد تحقق الأهداف وتغني عن استخدام السلاح‏,‏ وتستخدم السياسة وسائل عديدة‏:‏ الصحف‏,‏ التليفزيون‏,‏ الكتب والأفلام‏,‏ كما تستخدم بالطبع الجواسيس والمخابرات‏,‏ ولديها في كل بلد طابور خامس ممن يبيعون أوطانهم مقابل الحصول علي الأموال والامتيازات‏!..‏ وكل ذلك لا يمكن إنكار وجوده في أنحاء من العالم الإسلامي‏.‏ وهؤلاء هم الذين ينفخون في نار الخلافات الداخلية والفتن الطائفية تنفيذا للسياسة الاستعمارية التقليدية فرق تسد‏,‏ وفي الوقت نفسه فليس هناك من ينكر ـ أو يتجاهل ـ أن في الغرب مؤسسات سياسية وعسكرية ومراكز لصناعة القرار انشغلت بالبحث عن عدو ـ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ـ ورأت أن العدو التالي هو الإسلام‏,‏ وكان المبشر بهذه الاستراتيجية صمويل هنتجتون صاحب نظرية صراع الحضارات الشهيرة والمنذرة بالخطر‏,‏ والتي لم يتنبه المسلمون إلي أنها المبرر النظري للعدوان علي بلادهم بعد وصمهم بأنهم أصحاب دين يدعو للعنف والإرهاب‏.‏ ويكفي أن نشير إلي ظاهرتين من نتائج المؤامرة الغربية علي العالم الإسلامي‏..‏ الظاهرة الأولي هي استمرار الفجوة الحضارية بين الغرب والعالم الإسلامي‏,‏ وإجهاض الغرب لمحاولات بعض الدول الإسلامية لإقامة صناعات حديثة‏,‏ بحيث بقيت الصناعة في العالم الإسلامي مجرد صناعات تقليدية وتجميعية لأجزاء مصنوعة في الغرب أو صناعات لشركات غربية تسعي للاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة ومن تهافت الأسواق في العالم الإسلامي علي المنتجات الغربية‏,‏ أو صناعات محظورة في بلادها لخطورتها علي البيئة وعلي الصحة العامة‏..‏ ويضاف إلي ذلك استخدام كل وسائل الضغط لمنع دخول أي دولة إسلامية في مجال استخدام الذرة ووضع العراقيل أمام حصولها علي أسرار التكنولوجيا المتقدمة‏.‏ والظاهرة الثانية هي جذب الغرب لأصحاب المواهب العلمية في العالم الإسلامي بحيث لا يظهر عبقري أو مخترع إلا ويجد من يفتح له الأبواب في الغرب‏,‏ ويرتبط بذلك المساعي الغربية للإبقاء علي تخلف التعليم في دول العالم الثالث عموما‏,‏ لأن المدارس والجامعات هي مصانع العقول‏,‏ ولنا أن نستنتج كيف تتم صناعة العقول في المدارس والجامعات في الدول الإسلامية‏..‏ وهذا حديث آخر‏.‏ وإذا نظرنا إلي تعثر محاولات التكامل الاقتصادي بين الدول العربية أو بين الدول الإسلامية‏,‏ فسوف نجد بالطبع عوامل تتصل بمقاومة البعض في داخل الدول الإسلامية نفسها‏,‏ وسنجد في الوقت نفسه عوامل خارجية قوية لمنع تحقيق هذا الهدف طبقا لنفس المبدأ الاستعماري فرق تسد حتي يبقي العالم الإسلامي شظايا وتسهل السيطرة علي كل دولة علي حدة‏.‏ المؤامرة الخارجية موجودة‏..‏ هذه حقيقة‏..‏ والإرادة السياسية غائبة لمواجهة هذه المؤامرة هذه هي القضية‏.


.



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف