في عام1917 نشر الأمير سعيد حليم باشا كتابا باللغة التركية بعنوان لماذا تأخر المسلمون وقد ترجمه أخيرا الدكتور عبدالرازق بركات الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عين شمس وأصدرته مكتبة الشروق الدولية.. وسعيد حليم باشا حفيد محمد علي وشقيق عباس حليم باشا, وقد درس العلوم السياسية في جامعات سويسرا وعاد إلي استانبول فأنعم عليه السلطان عبدالحميد الثاني برتبة أمير الأمراء ومنحه الوسام المجيدي, وعينه عضوا في مجلس الشوري, وثقة من السلطان عبدالحميد في كفاءته عقد العزم مرة علي تنصيبه خديو مصر بعد عزل الخديو إسماعيل, وعزم علي ذلك مرة ثانية بعد فساد أحوال مصر في عهد توفيق, ولكن حال دون ذلك تحفظات انجلترا وفرنسا عليه لميوله الوطنية ومعاداته للهيمنة الأجنبية علي البلاد, ولحماسته الشديدة للاصلاح والتجديد والحرية والدستور ودعوته إلي الثورة علي كل صور الحكم الاستبدادي.
كان سعيد حليم شديد الإيمان بضرورة اصلاح التعليم لمواكبة العصر, ولذلك كان دعمه القوي لفكرة إنشاء الجامعة المصرية عام1906, وتولي رئاسة لجنة الأمراء لجمع التبرعات.
ولكنه انشغل بالسياسة فشارك في اشعال الثورة ضد السلطان عبدالحميد وكان يؤمن في هذه الفترة بأن حكم السلطان عبدالحميد حكم استبدادي ووصفه في كتابين هما الحكم الدستوري والتقليد بأنه حاكم مستبد, وبعد خلع السلطان عبدالحميد عام1909 اكتشف أن الحكم الجديد أشد استبدادا ورأي أن الحكم الفاسد من أهم أسباب تخلف المسلمين.
وفي عام1917 استقال سعيد حليم باشا كوزير للخارجية ورئيس للوزراء وترك العمل السياسي وتفرغ للتأليف وترك8 كتب باللغتين الفرنسية والتركية ركز فيها علي أن الخطاب الإسلامي يجب أن يوجه أساسا إلي الغرب, وحذر مبكرا جدا من أن الغرب كان أسبق من المسلمين في الانتباه إلي قضية تآخ العالم الرسلامي, وأن المسلمين إذا أرادوا النهضة والتقدم فعليهم ألا يقحموا الدين في مناورات السياسة. ومؤلفات سعيد حليم باشا تدور حول أزمات العالم الإسلامي السبع
وهي في رأيه: أزمة الديمقراطية والحكم الدستوري, وأزمة الهوية والإغراق في التقليد, وأزمة اجتماعية( فشل الإدارة الاقتصادية وغياب سياسات لمعالجة الفقر وتحقيق العدالة) وأزمة ثقافية( فالنخبة إما تابعة للغرب في كل شيء وإما متشددون ورافضون للغرب ويدعون للانغلاق) وأزمة التعصب والتطرف, وأزمة الفشل في المواءمة بين الدين والعلم, وبين الماضي والحاضر والمستقبل, وأخيرا أزمة الفشل والعجز عن حل أي أزمة من هذه الأزمات!
والأفكار الأساسية في مؤلفاته تتلخص في أن العالم الإسلامي لن يتجاوز التخلف إلا إذا نجح في التخلص من الحكم المطلق وساد فيه الحكم الدستوري, وتتحمل النخبة المثقفة قدرا كبيرا من المسئولية لأنها انعزلت عن أمتها بالافراط في التغريب أو الاسراف في الجمود. وفي رأيه أن منح الحقوق السياسية للشعوب الإسلامية بينما يسودها الجهل والفقر لن يؤدي إلي قيام نظام سياسي ديمقراطي بل يؤدي إلي تأصيل الدكتاتورية ولهذا ليس في العالم الإسلامي دولة يمكن أن تمارس الديمقراطية بمعناها الحقيقي.
وفي رأيه أيضا أن فرض قوانين مستوردة لن يقضي علي التخلف, لأن التقدم لن يتحقق إلا بالنهوض بالشعوب وتحسين أحوال معيشتها, وتكوين الوعي والثقافة لديها.
ومن آرائه أن التغيير الاجتماعي والفكري يجب أن يسبق التغيير السياسي أو الايديولوجي, وأن الاصلاح القانوني في الدول الإسلامية يتم بنقل القوانين من الغرب مع بعض التعديلات, بينما يجب أن تكون القوانين نابعة من البيئة الثقافية والاجتماعية حتي تكون متوافقة مع المجتمع, فالألمان لايناسبهم القانون الفرنسي, والفرنسيون لا يناسبهم القانون الانجليزي رغم وحدة العرق, نظرا لاختلاف العادات والقيم والتقاليد.
وفي كتابات سعيد حليم باشا الحاح علي أن هناك فجوة تفصل بين النظام السياسي في العالم الإسلامي وبين النظام الاجتماعي, وأن رجال الحكم وطبقة الموظفين في معزل عن واقع المجتمع, وتتفشي فيهم البيروقراطية واللامبالاة وعدم الصلاحية لتحمل المسئولية, وإيثار المصلحة الشخصية والبون شاسع بينهم وبين البورجوازية في الغرب التي تتسم بالايجابية وحب العمل والمسئولية عن المجتمع ورعاية مصالح الشعوب.
ليس هذا كل ما دعا إليه سعيد حليم باشا عام1917, وكأنه يتحدث عن العالم الإسلامي اليوم, وفي هذا دليل علي أن العالم الإسلامي لم يختلف كثيرا عما كان عليه منذ مائة عام تقريبا!
.