لماذا تخلف المسلمون 17

للشاعر والمفكر الإسلامي المشهور محمد إقبال ـ مؤسس دولة باكستان ـ كتاب مهم بعنوان تجديد الفكر الديني في الإسلام

يري محمد اقبال أن المعرفة الدينية يجب أن تكون في صورة علمية واعتمادا علي ما يسميه العقل الواقعي‏,‏ وأن ذلك لم يحدث في القرون الأخيرة‏,‏ إذ لم يتم بناء الفكر الإسلامي بناء جديدا في ضوء ما استجد علي المعرفة الانسانية من تطور في مجالاتها المختلفة ولذلك لم يتقدم المسلمون في العلوم لأنهم لم يدركوا أن ذلك واجب ديني يفرضه الإسلام عليهم‏.‏ ولم يتابع المسلمون ـ في يقظة وعناية ـ ما يحدث في الفكر الانساني من تقدم ويعيدوا علي أساسه النظر في طريقة تفكيرهم وأسلوب خطابهم بما يتناسب مع تقدم المعرفة‏,‏ وعلي سبيل المثال فقد جاء أينشتين بنظرية جديدة للكون فتحت آفاقا للنظر في المشكلات المشتركة بين الدين والفلسفة‏,‏ وبعده استمرت مسيرة الثورات العلمية من ثورة الذرة‏,‏ إلي ثورة غزو الفضاء‏,‏ إلي الثورة الرقمية والالكترونيات ثم اكتشاف الخريطة الوراثية للإنسان‏(‏ الجينوم البشري‏),‏ إلي ثورة الفمتوثانية‏,‏ والعالم الإسلامي في حالة سكون لم يشارك في هذه الثورات‏,‏ بل ولم يستفد منها‏,‏ علي الرغم من أن الإنسان كما صوره القرآن قوة مبدعة وقدرته علي الابتكار والتقدم بلا حدود وقد انعكس هذا الجمود العقلي والمعرفي علي الحياة الروحية والفكرية في

العالم الإسلامي فأصبحت جامدة وفاقدة للحيوية وأدي ذلك بدوره إلي توقف المسلمين عن السعي إلي حياة أرقي والرضا بما هم فيه من أمية وجهل وبداوة وقبلية‏.‏

يري اقبال‏,‏ أن الفكر الديني في الإسلام ظل راكدا خلال القرون الخمسة الأخيرة وكان الفكر الأوروبي قد تلقي وحي النهضة عن العالم الإسلامي‏,‏ وظهر في العالم الإسلامي من يدعو إلي رفض الجانب العقلي والمادي في الحضارة الأوروبية مع أن هذه الثقافة الأوروبية القائمة علي إعلاء قيمة العقل وتحكيمه في كل الأمور ليست إلا ازدهارا لبعض الجوانب المهمة في ثقافة الإسلام‏.‏ والمؤسف أن بعض الذين يدعون إلي تفاعل الفكر الإسلامي مع الفكر الغربي الحديث يكتفون بالمظهر الخارجي البراق له ولا ينتبهون إلي جوهر هذا الفكر الذي كان الدافع لتقدم الغرب‏.‏

وفي رأي اقبال‏,‏ أن القيود المفروضة علي الفكر في العالم الإسلامي أصابته بالجمود و التردد والعجز‏,‏ لأن الفكر ـ بطبيعته ـ لا يقبل القيود‏,‏ ولكن رجال الدين يفرضون علي الفكر كل يوم قيودا جديدة ويرون كل جديد بدعة وضلالة وخروجا عما هو معلوم لديهم عن الدين حتي أصبح الفكر‏.‏ في العالم الإسلامي سجينا داخل جدران حديدية‏,‏ وممنوعا من الخروج علي الاطار القديم لفكر القرون الماضية وليس أمامه إلا اجترار ما قاله القدماء مما تجاوزه الزمن‏,‏ وغاية ما يقدمه أن يردد ـ كالببغاء ـ قال فلان وقال فلان‏..‏ وكأن التفكير قد توقف عند فلان وفلان مع أن حدود الفكر ليست لها نهاية‏.‏ ولم يتقدم الغرب إلا عندما أطلق الحرية لممارسة نقد الأفكار والنظريات السابقة دون أن يبقي علي شيء منها كما هو وبذلك تمت المراجعة والتجديد‏,‏ والإضافة والتغيير والتقدم‏.‏ ولكن المفكرين الإسلاميين يحرمون إعادة النظر في أقوال القدامي من المفسرين والمحدثين والفقهاء ويسبغون عليها قداسة ليست لها‏,‏ لأنها عمل بشري وليست وحيا إلهيا‏,‏ ولا عصمة لأحد من البشر ـ إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه ولكن المشكلة ـ كما يقول إقبال ـ إنك كلما اختلفت مع أحد العلماء

رفع في وجهك فقرة أو صفحة من كتاب من الكتب الصفراء القديمة مهما تكن قيمة مؤلفها فهو في النهاية إنسان يخطيء ويصيب‏,‏ عاش في زمن معين‏,‏ وكانت لديه معلومات معينة شكلت نظره وفكره‏,‏ ونحن الآن في زمن آخر توافرت له معلومات وحقائق لم يسمع عنها الأوائل ولا خطرت بخيالهم‏,‏ فكيف نقيد فكرنا وحياتنا بفكر من لا يعيش حياتنا المعاصرة ويتابع المعلومات والعلوم التي غيرت كثيرا مما كان يعتبر في حكم اليقين؟ والإمام الغزالي سبق مفكري الغرب عندما اتجه إلي إقامة الدين علي دعائم من الشك الفلسفي أي الشك الذي يؤسس للايمان‏,‏ فكيف أهدرنا هذا المنهج الذي هو سر تقدم الغرب‏.‏

والقرآن يدعو إلي المنهج العلمي القائم علي الملاحظة والتجربة الحسية ولذلك يشير إلي معجزة السمع والبصر والعقل‏,‏ ويوجه الإنسان إلي دراسة الظواهر الطبيعية‏(‏ الليل والنهار ـ نزول المطر ـ حركة الرياح ـ نمو الزراعات ـ مراحل تطور ونمو الإنسان ـ دراسة الأرض والجبال واختلاف لغات البشر‏...(‏ الخ‏).‏

فالقرآن يوقظ الروح التجريبية لدي المسلم‏.‏

جمود الفكر الديني أدي إلي الجمود في سائر الميادين‏..‏ ومن لا يتقدم يتخلف‏


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف