نلوم الشباب.. أم نلوم أنفسنا؟
فى كل مناسبة- وحتى بدون مناسبة- يوجه الشيوخ إلى الشباب اللوم. ويقول الشيوخ إن شباب هذه الأيام لا يأخذ أموره بجدية، وإنه فقد الولاء والانتماء للآباء وللوطن، ولم يعد يتمسك بالقيم الأخلاقية والاجتماعية الأصيلة التى كانت تميز جيل الآباء. وانتشرت فيه قيم سلبية وسلوكيات ضارة به وبالمجتمع.
قائمة الاتهامات تشمل أيضًا ضحالة المعلومات، وعدم الاهتمام بالثقافة الجادة، بينما يتابع شباب الدول الأخرى كل جديد فى الفكر وفى العلوم، ويعيشون عصرهم.. عصر المعرفة الذى أصبحت فيه المعرفة قوة للفرد وللدولة، ليس استيعاب المعرفة فقط بل القدرة على إنتاج المعرفة.
وما أكثر الذين يستشهدون بما ينشر فى صفحات الحوادث كل يوم عن جرائم يرتكبها الشباب لم نسمع عنها من قبل، وما أكثر الذين يتحسرون على الأيام التى كان فيها الابن يقبل يد أبيه وأمه وجده، ويخفض لهم جناح الذل من الرحمة، وما أكثر الذين يتحدثون عن تمرد الشباب على كل سلطة ابتداء من سلطة الأب والأسرة، إلى سلطة المعلم والمدرسة، إلى سلطة المجتمع والقانون، وعن انحراف الشباب والفكر المتشدد والتعصب فى الرأى وضيق الأفق ورفض من يختلف معهم.. وغير ذلك اتهامات كثيرة يضيق بها المقام.
واحد من كبار علماء الاجتماع فى مصر هو الدكتور سمير نعيم يضيف إلى القائمة اتهام الكبار للشباب بأنهم يبتعدون عن العمل المنتج بكافة أنواعه سواء كان عملاً يدويًا أو فنيًا، ويبحثون عن مجالات للكسب السريع والسهل وإلى المناصب البراقة ولهذا يعانى المجتمع من نقص الكوادر الفنية والحرفية التى يحتاج إليها للتنمية.
لكن الكبار لا يسألون أنفسهم: من المسئول عن كل ذلك.. الصغار أم الكبار؟
إجابة العالم الاجتماعى أن اللوم لا يوجه إلى الشباب لأن الشباب هم نتاج البيئة الاجتماعية التى ينشأون فيها.. ولقد تغيرت البيئة الاجتماعية فتغيرت نوعية الشخصية التى تنتجها؟. وعلى ذلك فإننا بدلاً من أن نتساءل: ماذا حدث للشباب علينا أن نتساءل ماذا حدث فى المجتمع؟. ماذا حدث فى الأسرة.. وفى المدرسة.. وفى الجامعة.. وفى التليفزيون.. والسينما.. والفن عمومًا؟ وما هى النماذج التى يقدمها المحيطون بالشباب والتى يمكن أن تكون القدوة له فى حياته؟ هل يشاهد الأطفال آباءهم وأمهاتهم يعتمدون على أنفسهم ويمارسون أعمالاً يدوية فى البيت أو يشاهدونهم يعتمدون على الغير. فى البلاد المتقدمة يفتح الأطفال عيونهم على آبائهم وهم يمارسون العمل اليدوى ويندر أن تجد بيتًا يخلو من أدوات النجارة والميكانيكا والبناء ورعاية الحدائق، فيجد الطفل فرصة لمشاركة أبيه فى صنع وإصلاح الأثاث والأدوات المنزلية وزراعة حديقة المنزل وطلاء الجدران، وحتى بناء مسكن جديد أو إضافة حجرات جديدة.. بذلك يجد الطفل فرصة التدريب على العمل والاستمتاع به، وعلى الاعتماد على النفس، والتعاون والعمل الجماعى، وهكذا الحال فى المدرسة، ليس فيها نموذج أو قدوة، ولا فرصة لتنمية قيم العمل والتعاون والإنتاج.. المدرسة فى الدول الأخرى تنظم رحلات للأطفال- ابتداء من مرحلة الحضانة- إلى المتاحف والحدائق والمصانع لكى يتعرف على مواقع العمل وحقائق الحياة، والمدارس عندنا- باختصار- لم تعد مدرسة.. لا تربية.. ولا تعليم.. وبرامج التليفزيون وأفلام السينما فيها تحريض صريح على الجريمة وإغراء صريح على الانحراف.. وأنا شخصيًا لم أكن أعرف كيف يسرق اللصوص سيارة مغلقة بدون مفتاح وبدون كسر الأبواب إلى أن شاهدت فيلمًا فيه مجموعة شباب يفعلون ذلك بمنتهى الدقة كأنهم يقدمون درسًا عمليًا لغيرهم، وناهيك عن صور الانحراف الأخرى وما أكثرها.
وأمامى عشرات الأبحاث عن انحرافات الشباب وعن الجرائم والتعصب واعتناق التفسيرات الدينية والمذاهب المنحرفة وانتشار التدخين والمخدرات، والتمرد على الآباء وعلى المدرسين، وعدم المشاركة فى النشاط السياسى أو فى خدمة المجتمع. وكل الأبحاث تحذر من النتائج الوخيمة لضعف التعليم، وانخفاض مستوى خريجى الجامعة بالقياس إلى أقرانهم من خريجى جامعات الدول النامية مثل ماليزيا أو كوريا أو بعض الدول العربية، كما تحذر من غياب التوجيه التربوى والاجتماعى وغياب التربية الوطنية. وتشير البحوث إلى شعور سائد بين الشباب بعدم جدوى المشاركة فى أى نشاط اجتماعى أو سياسى، واعتقــادهم بأن الشــباب ليس لـه مكان ولا توجد أمامه فرصة حقيقية للمشاركة على الرغم مما يقال له كل يوم، عن ضرورة مشاركته واهتمامه بالشأن العام. وفى هذه البحوث يعبر الشباب عن شعوره بالخوف من التعبير عن رأيه بصراحة أمام الكبار، وبأنه لا يتحدث بصراحة وبحرية إلا مع (الشلة). ويعبر الشباب أيضًا عن عدم الثقة فى وسائل الإعلام وبحثهم عن (الحقيقة) فى الفضائيات أو الإنترنت أو من الشائعات التى يرددها الأصدقاء همسًا، وأكثر من ذلك يعبر الشباب عن مشاعرهم السلبية تجاه الكبار التى يضمرونها فى نفوسهم، وأنهم يرون الكبار عقبة أمام حصولهم على حقوقهم الطبيعية فى المجتمع، لأن الكبار حريصون على (التكويش) على كل شىء فى البلد واحتكار الفرص والغنائم لأنفسهم ولأبنائهم فقط، ولدى الشباب أمثلة كثيرة على ذلك تفوق الحصر.
ويشكو الشباب من قلة العناية بتدريس التربية الدينية بأسلوب يعمق الإيمان بالقيم والمفاهيم السليمة ويوفر للشباب التحصين من الفكر الدينى المنحرف، ويقولون إن التربية الدينية فى المدارس ليست أكثر من مقرر محدود يحفظه الطالب ويردده فى الامتحان دون أن تتاح له فرصة الفهم والحوار. ويقولون إن نماذج النجاح فى المجتمع أصبحت ممثلة فى الراقصات، ونجوم الغناء، ولاعب الكرة، ورجال البزنس، ولا مكان لغيرهم فى القمة أو تحت الأضواء.. أما العلماء والكتاب وكبار المثقفين فهم فى آخر الطابور!
وتكشف البحوث أيضًا أن الشباب أصبح يؤمن بأن الثروة هى الهدف الوحيد لمن يستطيع إليها سبيلا، وأن الحصول عليها ليس بالكفاءة أو المجهود، ولكن بالفهلوة والشطارة والدخول فى دائرة (الواصلين). ويقول الشباب إنهم فقدوا الثقة فيما يقال عن المشروعات الكبيرة التى يتم حشد الرأى العام حولها على أنها طوق النجاة والطريق إلى الرخاء ثم يكشف الستار بعد ذلك على العكس مما يؤدى إلى ترسيخ الشعور بالعشوائية وفقدان الثقة وعدم المصداقية.
لدى الشباب الكثير مما يكتمه فى صدره ولا يبوح به إلا سرًا على الورق فى هذه البحوث حين يطمئن إلى أن أحدا لن يتعرف على صاحب الرأى، ومن ذلك ما قاله الشباب سراً على الورق مثل: لا أحد يشجع الأفكار الجديدة. وهناك آلاف من براءات الاختراع مهملة وقيل الكثير عن (بنك الأفكار) وصدقنا ما قيل فأين هو هذا البنك وماذا فعل المسئولون بنتائج الأبحاث العلمية وبراءات الاختراع والرسائل العلمية التى تجيزها الجامعات؟ ولو كان أحمد زويل بقى فى مصر لكان الآن أستاذًا فى كلية العلوم على المعاش يحارب ليحصل على محاضرة لمدة ساعة واحدة فى الأسبوع لكى يطبع مذكرات أو كتاباً ويكسب بضعة آلاف.. ولم يكن أحدًا يسمع عنه حتى لو اكتشف الفيمتو ثانية عندنا!
أفكار الشباب كما يعبر عنها فى البحوث الأخيرة تحتاج إلى دراستها بعناية، وخصوصًا تعبيرهم عن الرغبة المتزايدة فى الهجرة. أبناء الريف يريدون الهجرة إلى المدن ويرون أن العاصمة تستأثر وحدها بالخدمات وفرص العمل ووسائل الترفيه. والجميع يريدون الهجرة إلى الخارج بحثًا عن العمل والنجاح والثروة، وليس لدى بعضهم مانع من المخاطرة بأرواحهم بالهجرة غير المشروعة فى قارب فى عرض البحر يتجه نحو المجهول!
فى بحث أجرته كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تبين أن نسبة الشباب فى جميع الأحزاب (25 حزبًا) 4%، وأن عدم الرغبة فى المشاركة ليس مقصورًا على الأحزاب والنشاط السياسى فقط، ولكن يشمل كل نشاط آخر. وفى تقرير للمجالس القومية منذ سنوات أن ابتعاد الشباب عن المشاركة الاجتماعية والسياسية يرجع إلى تآكل ثقافة الطبقة المتوسطة، وانضمام بعض شرائحها إلى قاعدة الفقراء، بالإضافة إلى تسرب العقول المفكرة من أبناء هذه الطبقة بالهجرة الدائمة أو المؤقتة.
قضايا كثيرة للشباب تحتاج إلى دراسة وعمل حقيقى وجاد لأن الشباب هم فعلا كل المستقبل، وليس هذا مجرد كلام.. فانظروا كيف سيكون المستقبل!