لماذا تخلف المسلمون 5

من أسباب ما وصل إليه العالم الإسلامي من تخلف اعتماد رجال الدين والدعاة علي الأحاديث النبوية أكثر من اعتمادهم علي القرآن‏,‏ دون تمييز بين الحديث الصحيح والحديث الموضوع‏,‏ مع كثرة الأحاديث الموضوعة لأغراض سياسية للفرق والطوائف التي انقسم إليها المسلمون‏.‏

وإما الأحاديث التي وضعها الذين دخلوا في الإسلام لتخريبه من الداخل وهم المنافقون الذين حذرنا منهم القرآن‏.‏ وبعض الدعاة بل وبعض العلماء أيضا اعتبروا الأحاديث مساوية للقرآن في المنزلة والتشريع‏,‏ حتي إن الشيباني أحد رجال الفقه في القرن الثاني الهجري ـ رأي أن أحكام السنة يجوز أن تنسخ أحكام القرآن ولم يخالف ذلك تلميذه الإمام الشافعي‏,‏ وذهب ابن قتيبة إلي أن للحديث مصدرا إلاهيا‏,‏ وأمثال ذلك كثير مما ذكره حسين أحمد أمين في كتابه الشهير دليل المسلم الحزين‏,‏

ويضيف أن المسلمين أساءوا فهم الحديث‏:‏ شر الأمور محدثاتها‏,‏ وكل محدثة بدعة‏,‏ وكل بدعة ضلالة‏,‏ وكل ضلالة في النار فجعلوه سلاحهم لاغلاق الباب أمام الاجتهاد وحرية الرأي والتفكير ومحاربة كل جديد في أي مجال‏,‏ كما لجأ الفقهاء إلي تأييد كل رأي يرونه صالحا بحديث من عندهم وذلك بعد رحيل الصحابة الذين كان بوسعهم أن يقولوا إن هذه الأحاديث موضوعة‏.‏ بل إن بعض الفقهاء أقروا الأحاديث الموضوعة ـ مع علمهم بذلك ـ اعتقادا منهم بأن في ذلك خدمة للإسلام وتأييدا للدعوة إلي مكارم الأخلاق بخلاف أحاديث أخري موضوعة لخدمة مصالح سياسية‏(‏ مع أو ضد حكم الأمويين والعباسيين‏),‏ وقد شاع استخدام هذه الأحاديث في الدعاية السياسية والترويج لحكم الحكام‏(‏ والنفاق السياسي والديني ظاهرة قديمة‏).‏

وعلماء الأزهر يعلمون أن أبا هريرة أشهر رواة الحديث لم يصحب النبي إلا في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومع ذلك روي أكثر من‏5874‏ حديثا‏,‏ وينقل حسين أحمد أمين ما رواه عبدالله بن لهيع‏(‏ المتوفي‏174‏ هجرية‏)‏ عن أحد رواة الحديث قوله‏:‏ كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا وكان نقاد الحديث الكبار كما قال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ إذا روينا عن رسول الله في الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا في الإسناد‏(‏ أي في فحص سلسلة الرواة‏)‏ وإذا روينا عن الرسول في الفضائل والأعمال تساهلنا في الاسناد ولكن المحدثين توسعوا فنسبوا إلي الرسول أحاديث عن نبوءات عما سيحدث في الغيب وتجاهلوا الآية‏:‏ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب الانعام‏(50)‏ ـ ومن ذلك أيضا أحاديث للترويج لأصحاب المذاهب مثل‏:‏ سيقوم من أمتي رجل يدعي أبا حنيفة يكون سراج هذه الأمة وأسندوا هذا الحديث إلي أبي هريرة عن النبي‏.‏ ورد أتباع المذهب المالكي بحديث يقول‏:‏ أفقه أهل الأرض فقهاء المدينة‏.‏ وكان مالك من أهل المدينة وأبوحنيفة من أهل العراق‏.‏

في الدولة العباسية كان الخليفة المهدي يهوي سباق الحمام وكان فقهاء السنة يحرمونه‏,‏ فأطلق غياب‏(‏ من أشهر أهل الحديث‏)‏ حديثا عن النبي يقول‏:(‏ لا سباق إلا في خف أو حافر أو جناح‏)‏ فأجزل له المهدي العطاء‏.‏ ثم ظهرت طبقة من رواة القصص والأحاديث عن النبي وعن أنبياء العهد القديم‏,‏ كما فعل كعب حين كان يروي قصة يوسف فقال إن اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا‏,‏ فنبهه أحد الجالسين إلي أن يوسف لم يأكله الذئب فاستدرك قائلا‏:‏ صدقت‏,‏ فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف‏.‏ وبعد ذلك ظهرت أحاديث موضوعة تخالف العقل والمنطق وتروج للخرافات التي سيطرت علي العقل المسلم إلي اليوم وجعلته يؤمن بالسحر والخرافة واللامعقول‏!‏

ومازلنا نسمع إلي اليوم هذه الأحاديث في المساجد يستخدمها خطباء لا يهمهم إلا جذب انتباه المستمعين بالغريب من الحديث دون تدقيق‏.‏ وقد روي البخاري أنه جمع الأحاديث الصحيحة بعد أن رأي نفسه في المنام يطرد الذباب عن النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وفسر له أحدهم بأن الذباب الذي رآه هو تلك الأكاذيب التي أقحمت علي أحاديث الرسول‏.‏

وفي الأزهر مركز أنشيء لتنقية السنة وفرز الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الموضوعة‏,‏ صدر به قرار جمهوري منذ سنوات‏,‏ ولم يفعل شيئا إلي اليوم‏.‏ ومازالت الأحاديث الموضوعة تسهم في الاساءة إلي الإسلام وتشوية العقيدة وتضليل العقول وإعطاء الفرصة لإعداء الإسلام ليحاربوه بادعاء أنه دين لا يحترم العقل‏!‏

هل وصلت الرسالة أم علي عقول أقفالها؟



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف