لماذا تخلف المسلمون 1

منذ القرن التاسع عشر والي اليوم مازال هذا السؤال مطروحا ومحاولات الإجابة عنه لا تتوقف في الشرق والغرب‏,‏ وطرح السؤال بهذه الصيغة ينطوي علي اتهام للإسلام بأنه السبب في هذا التخلف‏,‏ علي الرغم من وجود شعوب غير إسلامية تشارك المسلمين في التخلف‏,‏ وربما تكون أكثر تخلفا‏.‏

إجابات المفكرين المسلمين منذ الأفغاني ومحمد عبده والي اليوم‏,‏ لا تخرج عما لخصه شيخنا محمد الغزالي من أن العبادات فقدت روحها‏,‏ وأن الأخلاق سقطت عن عرشها‏,‏ وأن الصراع العالمي الحالي ليس بين الإسلام وغيره‏,‏ ولكنه صراع بين تطبيقات غبية للإسلام وأقوام يقظة‏,‏ وأن ما يراه العالم من شئون المسلمين ليس ما أنزل الله في كتابه وما قدم رسوله‏,‏ وأن ما ترونه هو التعصب لمواريث من تقاليد الانحراف والعجز‏,‏ وأن من أعداء الإسلام من يلحون في الانتماء اليه والحديث عنه ثم يحذر الإمام الغزالي من عواقب الحكم الفردي والطغيان الاقتصادي‏,‏ ويدعو الي الاستقامة والعمل لمستقبل أفضل وليس لماض مضي‏,‏ والمشكلة أن المسلمين يضيعون جهدهم في الاختلاف في الأحكام الفقهية وهي وجهات نظر ويتركون المبادئ والأصول التي هي جوهر الإسلام‏,‏ لذلك تركوا البحوث العلمية حتي تفوق فيها غيرهم وشغلوا أنفسهم بما لا يغني التوسع فيه من دقائق مسائل النجاسة والطهارة‏,‏ ويقول شيخنا الغزالي‏:‏ إن الإسلام ليس حزبا سياسيا قصاراه طلب السلطة‏,‏ بل هو دين يربي الناس‏,‏ هو دين يحترم المرأة فكانت تتردد علي المسجد من الفجر الي العشاء‏,‏

وتتعلم كما يتعلم الرجل‏,‏ وقد تقاتل مع المقاتلين وتداوي الجرحي وتدفن الموتي وتأمر وتنهي وتنصح‏,‏ إلا أن التقاليد العربية ـ وليس الإسلام ـ تسلب المرأة ما منحها الدين‏,‏ وتعاملها علي أنها متعة وحسب‏,‏ وصدرت فتاوي مكذوبة بأن وجه المرأة عورة ـ ولو في غير فتنة ـ وصوتها عورة‏,‏ أما سائر الأنشطة المدنية والعسكرية فالوجود النسائي فيها منكر‏.‏


يشير شيخنا الغزالي الي كتاب ألفه عالم يدعو للنقاب ويحكم بالفسق علي المرأة السافرة‏,‏ ويقول إن الإسلام حرم الزنا فوجب ستر الوجه سدا للذرائع‏,‏ فيقول‏:‏ هذا استدلال ساقط‏,‏ فقد طلب الإسلام كشف الوجه في الحج والصلوات فهل كان بذلك يحرض علي الفاحشة؟ وروت كتب السنة الصحاح نحو عشرة أحاديث تفيد أن الرسول‏(‏ صلي الله علي وسلم‏)‏ رأي الوجوه مكشوفة فلم ينكر ذلك‏,‏ والقرآن استثني الزينة الظاهرة مما ينبغي ستره فأين تكون هذ الزينة ياتري؟ وفي تفسير المواقف المتشددة تجاه المرأة في العالم الإسلامي يقول شيخنا الغزالي‏:‏ إن السبب في ذلك اهمال نصوص صحيحة عمدا أو تحريف معناها‏,‏ والاعتماد علي أحاديث موضوعة‏,‏ ويقول إن اليهوديات يزرعن الأرض‏,‏ ويحملن السلاح‏,‏ ويقاتلن الرجال بشراسة‏,‏ وفي بريطانيا كانت ثاتشر رئيسة للوزراء‏,‏ وهي في نظري أفضل من حكام في الشرق ـ ويعلن شيخنا الغزالي بأن شهادة المرأة مقبولة في جميع القضايا المدنية والجنائية في حدود النصاب المشروع‏,‏ ولا يجوز منعها من الشهادة في الحدود والقصاص‏,‏

مؤيدا بذلك الفقه الظاهري‏,‏ وللمرأة ذات الكفاية العلمية والإدارية والسياسية أن تلي أي منصب ماعدا منصب الخلافة العظمي‏,‏ وينبغي تعليم النساء قتال الشوارع لمواجهة الأعداء‏,‏ ويذكر أن سيدة جزائرية‏(‏ فاطمة السومرية‏)‏ قادت جيشا من أشجع الشباب وهزمت عددا من جنرالات جيش الاحتلال الفرنسي في معارك ضارية‏,‏ ويقول أيضا‏:‏ شعرت بحرج بالغ عندما صدرت من أحد العلماء فتوي يحرم فيها علي المرأة أن تقود سيارتها‏,‏ بينما تمكنت المرأة في العالم المتحضر من غزو الفضاء‏,‏ ويعلق أخيرا بسخرية‏:‏ ما حرم الإسلام علي المرأة أن تقود حمارة ولا أن تقود سيارة‏,‏ وعلي أي حال فهو كلام إنسان وليس من كلام الله ورسوله‏.‏

يحذر شيخنا الغزالي كثيرا من أن الميدان الديني الآن مرتع خصب للمشعوذين ومروجي الخرافات والأحاديث الموضوعة‏,‏ وقد كان الخليفة عمر‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ يقظا فكان يوصي أمراء الجيوش بجمع الناس علي كتاب الله والإقلال من الأحاديث النبوية لخوفه من رواية الترهات ومن عدم فهم الحديث علي وجهه الصحيح‏,‏ ويحذر شيخنا الغزالي الشباب من القراءات غير المتوازنة للتراث فإنها توجد فكرا مشوشا‏.‏

ومن أهم أسباب تخلف المسلمين‏,‏ أنهم تركوا العلوم لغيرهم مع أن المسلمين القدامي علموا الغرب الرياضيات‏,‏ والمنطق‏,‏ والهندسة والكيمياء والفلك‏,‏ وتعلم الغرب من المسلمين المنهج التجريبي في البحث العلمي‏,‏ وبدأت نهضة الغرب عندما نقل علوم المسلمين من الأندلس‏.‏

مأساة العلم الديني هي السر في تخلف المسلمين عند شيخنا الغزالي‏,‏ والحل البداية من جديد‏..‏ والصحوة الإسلامية مهددة بهذا الفكر الديني الذي يلبس ثوب السلفية وهو أبعد ما يكون عن السلف‏..‏ إنهم أدعياء السلفية‏.‏

هكذا كان يعلمنا شيخ الأجيال‏.‏


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف