منذ القرن التاسع عشر والي اليوم مازال هذا السؤال مطروحا ومحاولات الإجابة عنه لا تتوقف في الشرق والغرب, وطرح السؤال بهذه الصيغة ينطوي علي اتهام للإسلام بأنه السبب في هذا التخلف, علي الرغم من وجود شعوب غير إسلامية تشارك المسلمين في التخلف, وربما تكون أكثر تخلفا.
إجابات المفكرين المسلمين منذ الأفغاني ومحمد عبده والي اليوم, لا تخرج عما لخصه شيخنا محمد الغزالي من أن العبادات فقدت روحها, وأن الأخلاق سقطت عن عرشها, وأن الصراع العالمي الحالي ليس بين الإسلام وغيره, ولكنه صراع بين تطبيقات غبية للإسلام وأقوام يقظة, وأن ما يراه العالم من شئون المسلمين ليس ما أنزل الله في كتابه وما قدم رسوله, وأن ما ترونه هو التعصب لمواريث من تقاليد الانحراف والعجز, وأن من أعداء الإسلام من يلحون في الانتماء اليه والحديث عنه ثم يحذر الإمام الغزالي من عواقب الحكم الفردي والطغيان الاقتصادي, ويدعو الي الاستقامة والعمل لمستقبل أفضل وليس لماض مضي, والمشكلة أن المسلمين يضيعون جهدهم في الاختلاف في الأحكام الفقهية وهي وجهات نظر ويتركون المبادئ والأصول التي هي جوهر الإسلام, لذلك تركوا البحوث العلمية حتي تفوق فيها غيرهم وشغلوا أنفسهم بما لا يغني التوسع فيه من دقائق مسائل النجاسة والطهارة, ويقول شيخنا الغزالي: إن الإسلام ليس حزبا سياسيا قصاراه طلب السلطة, بل هو دين يربي الناس, هو دين يحترم المرأة فكانت تتردد علي المسجد من الفجر الي العشاء,
وتتعلم كما يتعلم الرجل, وقد تقاتل مع المقاتلين وتداوي الجرحي وتدفن الموتي وتأمر وتنهي وتنصح, إلا أن التقاليد العربية ـ وليس الإسلام ـ تسلب المرأة ما منحها الدين, وتعاملها علي أنها متعة وحسب, وصدرت فتاوي مكذوبة بأن وجه المرأة عورة ـ ولو في غير فتنة ـ وصوتها عورة, أما سائر الأنشطة المدنية والعسكرية فالوجود النسائي فيها منكر.
يشير شيخنا الغزالي الي كتاب ألفه عالم يدعو للنقاب ويحكم بالفسق علي المرأة السافرة, ويقول إن الإسلام حرم الزنا فوجب ستر الوجه سدا للذرائع, فيقول: هذا استدلال ساقط, فقد طلب الإسلام كشف الوجه في الحج والصلوات فهل كان بذلك يحرض علي الفاحشة؟ وروت كتب السنة الصحاح نحو عشرة أحاديث تفيد أن الرسول( صلي الله علي وسلم) رأي الوجوه مكشوفة فلم ينكر ذلك, والقرآن استثني الزينة الظاهرة مما ينبغي ستره فأين تكون هذ الزينة ياتري؟ وفي تفسير المواقف المتشددة تجاه المرأة في العالم الإسلامي يقول شيخنا الغزالي: إن السبب في ذلك اهمال نصوص صحيحة عمدا أو تحريف معناها, والاعتماد علي أحاديث موضوعة, ويقول إن اليهوديات يزرعن الأرض, ويحملن السلاح, ويقاتلن الرجال بشراسة, وفي بريطانيا كانت ثاتشر رئيسة للوزراء, وهي في نظري أفضل من حكام في الشرق ـ ويعلن شيخنا الغزالي بأن شهادة المرأة مقبولة في جميع القضايا المدنية والجنائية في حدود النصاب المشروع, ولا يجوز منعها من الشهادة في الحدود والقصاص,
مؤيدا بذلك الفقه الظاهري, وللمرأة ذات الكفاية العلمية والإدارية والسياسية أن تلي أي منصب ماعدا منصب الخلافة العظمي, وينبغي تعليم النساء قتال الشوارع لمواجهة الأعداء, ويذكر أن سيدة جزائرية( فاطمة السومرية) قادت جيشا من أشجع الشباب وهزمت عددا من جنرالات جيش الاحتلال الفرنسي في معارك ضارية, ويقول أيضا: شعرت بحرج بالغ عندما صدرت من أحد العلماء فتوي يحرم فيها علي المرأة أن تقود سيارتها, بينما تمكنت المرأة في العالم المتحضر من غزو الفضاء, ويعلق أخيرا بسخرية: ما حرم الإسلام علي المرأة أن تقود حمارة ولا أن تقود سيارة, وعلي أي حال فهو كلام إنسان وليس من كلام الله ورسوله.
يحذر شيخنا الغزالي كثيرا من أن الميدان الديني الآن مرتع خصب للمشعوذين ومروجي الخرافات والأحاديث الموضوعة, وقد كان الخليفة عمر( رضي الله عنه) يقظا فكان يوصي أمراء الجيوش بجمع الناس علي كتاب الله والإقلال من الأحاديث النبوية لخوفه من رواية الترهات ومن عدم فهم الحديث علي وجهه الصحيح, ويحذر شيخنا الغزالي الشباب من القراءات غير المتوازنة للتراث فإنها توجد فكرا مشوشا.
ومن أهم أسباب تخلف المسلمين, أنهم تركوا العلوم لغيرهم مع أن المسلمين القدامي علموا الغرب الرياضيات, والمنطق, والهندسة والكيمياء والفلك, وتعلم الغرب من المسلمين المنهج التجريبي في البحث العلمي, وبدأت نهضة الغرب عندما نقل علوم المسلمين من الأندلس.
مأساة العلم الديني هي السر في تخلف المسلمين عند شيخنا الغزالي, والحل البداية من جديد.. والصحوة الإسلامية مهددة بهذا الفكر الديني الذي يلبس ثوب السلفية وهو أبعد ما يكون عن السلف.. إنهم أدعياء السلفية.
هكذا كان يعلمنا شيخ الأجيال.